قررت حاجة آمنة بكامل قواها العقلية أن تتجه صوب جسر أم درمان العتيق .. تمدد أرجلها على حافة النهر بنية الانتحار ..ثم تصرخ لتجمع الناس .. كل ما تطلبه هذه السيدة مقابل الحياة أن يخلو لها وجه الفريق بكري حسن صالح رئيس الوزراء والنائب الأول لرئيس الجمهورية لتشرح متن قصتها..في آخر لحظة استغفرت الله وغيرت حاجة آمنة من خطتها وتوجهت نحو حرم الرئيس جعفر نميري السيدة الفضلى بثينة خليل عسى أن تساعدها في طرق أبواب الحكام..لم تتمكن حاجة آمنة من إكمال سرد قصتها عبر الهاتف..أغلب الظن أن الدموع حجبت صوتها، فاضطرت للتواصل مع الوسيط الذي منحها رقم هاتفي. حاجة آمنة مختار وكيلة عن أكثر من خمسين مواطناً هم ورثة المرحوم سري عمر.. الجد الراحل ترك أرضاً زراعية كبيرة مساحتها نحو ٣٠٠ فدان ..حدث نزاع بين ورثة المرحوم والبعض من أهالي منطقة (أوربي).. المهم بعض رحلة نزاع شاقة بدأت بمحكمة الموضوع وانتهت بالمحكمة العليا واستغرقت عشر سنوات تم الحكم نهائياً لورثة المرحوم سري عمر.. بدأ الملاك بحماس كبير الاستعداد لفلاحة الأرض وشرعوا في توصيل الكهرباء.. هنا تحدث مفاجأة لم تكن في الحسبان، قوة من الشرطة تستند على قرار من لجنة محلية القولد تطلب من الملاك إخلاء الساقية (٩٢) بحجة أن وجودهم يشكل مهدداً أمنياً ..حينما احتج أهل الساقية تم إيداعهم السجن ولم يُخل سبيلهم إلا بعد كتابة تعهد بعدم الدخول في مزرعتهم. لست بصدد الدخول في تفاصيل القضية، لكن ثمة أسئلة تقفز حائرة.. حاولت حاجة آمنة مقابلة والي الشمالية لطرح مظلمتها..قبل ذلك كتبت ذات المواطنة خطاباً للوالي، وانتظر الرد نحو شهر من الزمان.. حينما تأخر الرد مضت السيدة إلى مكتب الوالي شخصياً في دنقلا لتشتكي معتمد القولد..لم يسمح لها بالدخول..انتظرت ذات السيدة ساعات طوال حتى هم الوالي بركوب دابته الوثيرة فداهمته السيدة.. استفسر الوالي مدير المكتب عن الشكوى فعلم أنها حوّلت إلى ذات المعتمد المشكو ضده..(بس تخيّلوا). الآن وفي أيّ وقت ربما تمضي السيدة المسكينة حاجة آمنة إلى السجن.. صرفت كل مواردها واستدانت لتوصيل الكهرباء وكانت تتوقع أن يكون الحصاد طيباً بالقدر الذي يغطي تلك المديونيات.. في مثل هذه الظروف جاءها من يمثل (الناس الفوق) طالباً التنازل عن ثلثي الساقية لتسوية الأمر بشكل نهائي..أغلب الظن ليس هنالك خيارات كثيرة أمام السيدة ..ليس هنالك منطقة وسطى بين السجن والمزرعة. في تقديري أن حكاية حاجة آمنة نموذج صغير لسيطرة الدولة العميقة على مفاصل القرار في بلادنا..أغلب الظن أن السيد والي الشمالية واقع تحت تضليل عصابة مراكز القوة، كما وقع وسيقع غيره من كبار رجالات الدولة ..من يتجرأ على تحطيم قرارات المحاكم في السودان؟ ..ولماذا تصمت القضائية على مثل هذه التجاوزات؟. بصراحة.. يمثل القانون شرف أيّ دولة ..كلما كانت حالات الانتهاك جسيمة على شاكلة قضية الساقية (٩٢) تحجز بلدنا مقعدها في قائمة الدول سيئة السمعة.
assayha
06-19-2017, 02:54 PM
محمد أبوجودة
محمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265
Quote: في تقديري أن حكاية حاجة آمنة نموذج صغير لسيطرة الدولة العميقة على مفاصل القرار في بلادنا..أغلب الظن أن السيد والي الشمالية واقع تحت تضليل عصابة مراكز القوة، كما وقع وسيقع غيره من كبار رجالات الدولة ..
من يتجرأ على تحطيم قرارات المحاكم في السودان؟ ..ولماذا تصمت القضائية على مثل هذه التجاوزات؟. بصراحة.. يمثل القانون شرف أيّ دولة .. كلما كانت حالات الانتهاك جسيمة على شاكلة قضية الساقية (٩٢) تحجز بلدنا مقعدها في قائمة الدول سيئة السمعة.
شكراً يا أستــاذ، على الكتابة التي يكاد زيت غبينتها يُضييء - ولو - لم تمسسه "اعتقالة" واحدة؛ ومع ذلك لم أعرف ما ذا تقصد بالدولة العميقة ..؟! معقولا ياخ؟! بلدنا دي كمان فيها دولة عميقة، ونحن بهذا التسطيح الشمولي البريع..؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة