كان مقال عمود (الحق الواضح) يوم أمس في بيان واجبات (الحكومة) تجاه الرعية، بما قررته الشريعة الإسلامية في نصوص الكتاب السنة وما تضمنته من مقاصد شرعية جاء في مراعاتها تحقيق المصالح ودرء المفاسد في العاجل والآجل،
وكان من المناسب التذكير في المقابل بحقوق الحاكم التي يجب على الرعية الوفاء بها والاجتهاد في تحقيقها، وإن من المؤسف أن نرى في الموقف من الحاكم النماذج التالية : ـ يقايضون الحكومة في موقفهم منها حتى تلبي له طلباتهم، فيعلنون سياسة تعطينا لنسمع ونطيع!! ـ وآخرون يخرجون ويعلنون شق العصا بناء على عدم تحقيق بعض رغباتهم!!وآخرون يعلنون الولاء أياماً ثم ينقضون ذلك الولاء بتحالفات مع آخرين!! ويتغيرون ويتلونون في مواقفهم بناء على المصالح الشخصية!! وآخرون يرون أن الصلة مع الحاكم ينبغي أن تكون على التحالفات !! وليست على السمع والطاعة !! ويطلبون مقابل طاعتهم مشاركتهم في الحصص .. والمناصب !! وآخر يقرر في أحد كتبه أن الشعب له أن يخرج في المظاهرات على الحكومة وله حق المعارضة ومحاسبة الحاكم بل وقلعه !! ثم يناقض هذا التقعيد الذي أصّل له !! ببعض المواقف والنشرات الأخرى, وبالواقع العملي في بعض المواقف ! ومتى ما كانت الفرصة المهيأة دعا هذا النوع من الناس لتأييد الاعتصامات والمظاهرات !! وغيرهم وغيرهم. وأما أهل السنة السلفيون فإن موقفهم من الحاكم في هذه القضية وكل القضايا هو : "التوجيهات الشرعية وما كان عليه السلف الصالح" وينطلقون من ركن شديد وأصول ثابتة وقواعد راسخة وهم في ذلك على بينة من أمرهم، ولا يضر المنهج السلفي بعضُ المواقف الشخصية من بعض من ينتسب إليه ، فقد رأينا من اتجه لمقايضة الحاكم والدخول في تحالفات وأشهر سياسة كم تعطينا ؟ حتى نعلمك : كم نعطيك؟! ولا يخفى أن هذا الصنيع هو من التأثر الواضح بالأحزاب السياسية !! وإلا فإن الموقف السلفي المعروف لصغار طلاب العلم قبل كبارهم: أن العلاقة مع الحاكم هي علاقة محكومين بحاكم، فللحاكم حقوق وللمحكومين (الرعية) حقوق، وليست القضية ترجع لمبدأ ندية أو خاضع لأي نوع من المساومات !! وإن السلفيين على مر العصور يقررون حقوق الحاكم وواجباته، وقد سردت عشرة منها في حلقة سابقة بهذه الصحيفة، كما إنهم يقررون حقوق الرعية التي يجب على الحاكم الوفاء بها، ولم يكن بين تلك التقريرات سياسة المقايضة!! التي سار عليها البعض، وقد وجدت معارضات كبيرة وواضحة من الأكثر منهم قرباً !! فضلاً عن غيرهم، حتى باتت وكأنها مواقف شخصية لمعينين !! وإن أبرز حقوق الحاكم المسلم على رعيته وقد ذكرها ابن جماعة الكناني رحمه الله وغيره من أهل العلم، وأفاد بنقلها عنه الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله هي : فالحق الأول : بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً في كل ما يأمر به أو ينهي عنه إلا أن يكون معصية، قال الله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) . وأولو الأمر هم : الإمام ونوابه – عند الأكثرين – وقيل : هم العلماء وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب – أو كره – ما لم يؤمر بمعصية.... ) . فقد أوجب الله – تعالى – ورسوله : طاعة أولي الأمر ولم يستثن منه سوى المعصية فبقي ما عداه على الامتثال. يعني : سَمْعُ كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه، بشرط أن لا يأمره بمعصية فإن أمره بها فلا تجوز طاعته لكن لا يجوز له محاربة الإمام . وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه -، قال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخد علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ) . الحق الثاني : بذل النصيحة له. قال رسول الله: ( الدين النصيحة ) ، قالوا : لمن ؟ قال : ( لله، ولكتابه ولرسوله ولأئمته المسلمين، وعامتهم ) . الحق الثالث : القيام بنصرتهم باطناً وظاهراً ببذل المجهود في ذلك لما فيه نصر المسلمين وإقامة حرمة الدين وكف أيدي المعتدين. الحق الرابع : أن يعرف له حقه وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله – تعالى – له من الإعظام ، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مع زهدهم وورعهم، وعدم الطمع فيما لديهم . الحق الخامس : إيقاظه عند غفلته ، وإرشاده عند هفوته، شفقة عليه، وحفظاً لدينه وعرضه، وصيانة لما جعله الله إليه من الخطأ فيه . الحق السادس : تحذيره من عدو يقصده بسوء، وحاسد يرومه بأذى أو خارجي (يعني من الخوارج ) يخاف عليه منه، ومن كل شيء يخاف عليه منه – على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه – فإن ذلك من آكد حقوقه وأوجبها . الحق السابع : إعلامه بسيرة عماله الذين هو مطالب بهم ومشغول الذمة بسببهم ، لينظر لنفسه في خلاص ذمته، وللأمة في مصالح ملكه ورعيته. الحق الثامن : إعانته على ما تحمله من أعباء الأمة ومساعدته على ذلك بقدر المَكْنَة، قال الله – تعالى -: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ) ، وأحق من أُعين على ذلك ولاة الأمور. الحق التاسع: رد القلوب النافرة عنه إليه ، وجمع محبة الناس عليه لما في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أمور الملة . الحق العاشر : الذب عنه بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن والسر والعلانية . وإذا وفت الرعية بهذه الحقوق العشرة الواجبة، وأحسنت القيام بمجامعها، والمراعاة لمواقعها، صفت القلوب وأخلصت واجتمعت الكلمة وانتصرت بإذن الله تعالى .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة