في أحد أيام يوليو الدافئة من العام ٢٠١٤ كان بابا الفاتيكان على موعد مع ضيفة غامضة.. مسح البابا على رأس زائرته السودانية مريم إسحق ..استمر اللقاء نحو نصف ساعة.. لكن حكاية مريم كانت أكثر إرباكاً ..الحكومة الإيطالية بعثت طائرة خاصة لتقل مريم من الخرطوم..في مطار روما كان في استقبالها رئيس الوزراء الإيطالي شخصياً ..كل حكاية مريم أنها تحولت عن الإسلام وتزوجت من مواطن يحمل جنسية مزدوجة من جنوب السودان وأمريكا.. لكن مريم تؤكد أنها لم تكن مسلمة فيما أسرتها تقول غير ذلك ..على أثر تلك الأنباء تم اتهام مريم بالردة وأودعت السجن ..في النهاية تمت تسوية سياسية سمح بموجبها للشابة السمراء بمغادرة السودان والاستقرار في الولايات المتحدة. قبل يومين تجدد مسلسل مريم ببطولة جديدة ..في أم درمان توجه الشاب محمد صالح البارون إلى المحكمة طالبا تغيير هويته الدينية في الوثائق إلى (لا ديني)..بعدها تم اعتقال البارون بتهمة الردة وأفرج عنه بالضمان الشخصي..ورغم ضعف خلفيتي القانونية إلا أنني استغربت في الإفراج بالضمان لمتهم في جريمة عقوبتها الإعدام..أغلب الظن أن النيابة استخدمت فقه الضرورات وتغليب المصلحة العامة وعلى ذلك تشكر في الإفراج عن البارون. قبل وفاته بلحظات كان الشيخ الترابي يكتب مخطوطة الحريات..كتب الترابي فيما كتب عن حرية الاعتقاد..ذاك الموقف ينسجم مع موقف قديم تبناه الشيخ لا يرى قتل المرتد إلا اذا اقترنت الردة بعمل مناهض لمصلحة الدولة ..وقد سألت شخصياً المفكر التونسي راشد الغنوشي في حوار تلفزيوني عن هذه القضية فجاء رأيه مطابقاً تماماً للشيخ الترابي ..عدد مقدر من فقهاء الأمة ومفكريها يساندون الترابي والغنوشي في ذات الرؤية. فيما أرى أن الحكومة السودانية ستجد نفسها أمام وضع معقد مع مادة الردة بشكلها الحالي.. أي شخص مضطرب عقلياً سيحرج الحكومة ويضعها أمام خيارات صعبة حتى يتم تحرير شهادة طبية تبين حالته..كل طامح في الشهرة أو ساعٍ للهروب من السودان عبر صالة كبار الزوار سيدبج عريضة طويلة يفيد فيها بخروجه عن الإسلام ثم يستغفر الله سرًا..بالطبع هذا لا ينفي أن هنالك من يختار الخروج عن الدين الحق لغير هذه الدوافع . في تقديري أن جوهر الشريعة الإسلامية يقوم على تحقيق المصلحة العامة..ما دامت مادة الردة غير متفق عليها بين جمهور الفقهاء المعاصرين ..وبما أن نتائج التطبيق الصارم لهذه المادة يجعل بلدنا في عزلة، فمن الأفضل تجميد هذه المادة أو وضع قيود تمنع استغلال هذه الثغرة ..بل من المهم التأكيد أن الإسلام قام على قاعدة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. لهذا من الضروري استنباط فقه متجدد يحافظ على احترام الإسلام وفي ذات الوقت لا يضعنا في مواجهة مع منظومة القيم ذات النفوذ الطاغي في عالم اليوم. بصراحة.. على النائب العام ممارسة حقه القانوني بسحب هذه القضية ..إن لم يحدث ذلك الآن فسيحدث في وقت لاحق كما حدث في قضية مريم إسحق..التوقيت الحالي لا يحتمل أي ضوضاء أو تريث. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة