كانت رياض الأطفال في السابق منشآت إجتماعية تهدف إلي مساعدة المرأة العاملة التي لديها اطفال ، والتي تضطرها ظروف العمل إلي تركهم فترة ذهابها للعمل ، وكانت معظم هذه الرياض تتبع لإتحادات الموظفين المهنين ، وبعضها أنشئته الوزارات لمساعدة موظفيها من الأمهات ، وكانت هناك بعض الرياض الخاصة في بعض الأحياء ، التي تتقاضى رسوما زهيدة عن كل طفل . وبعد دخول التعليم مرحلة الخصخصة فرضت سلطات التعليم مرحلة ما قبل المدرسة وهي الروضة التي لم تكن من قبل شرطاً للتسجيل بالمدارس ، فأصبح لزاماً على أولياء الأمور يذهبوا بأطفالهم إلي هذه الرياض ، إلي هنا والأمر عادي لكن الجديد الذي لم يكن على بال ، الرسوم الباهظة التي تتقاضاها هذه الرياض ، والبدع التي إبتدعتها هذه المؤسسات التي أصبحت أول من يغرس القيم التربوية في أذهان النشء ، وإدت حمى الإستثمار إلي إنتشار هذه الرياض في كل الأحياء فقيرها وموسرها ، لأنه أرتبط بالتسجيل للمدرسة الإبتدائية ، وتعدى الأهداف السابقة لهذه الرياض التي كانت في الأساس خدمة إجتماعية للأمهات العاملات . سلطات التعليم التي ربطت بين ضرورة أن تكون هذه المرحلة سابقة لما قبل سن التعليم الإبتدائي ، وجعلتها من شروط التسجيل لدخول المدرسة تركت الحبل على الغارب ، ونأت هذه السلطات بنفسها من تقديم هذه الخدمة ، وخصت بها القطاع الخاص ، ولأن الدولة لم تلزم نفسها بأعباء هذه المرحلة ، ولأن مثل هذا النشاط يعتبر إستثمارأ مضمونا وغير مكلف فقد وجد إقبالا من كثيرين من خارج المنظومة التربوية ،. من قبل تحدثنا عن التعليم التجاري وعدم مراعاته لعدد من الإعتبارات الإجتماعية والتربوية والصحية ، وفي رياض الأطفال التي هي جزء أساسي في منظومة التعليم التجاري ، نجد الأمر يبلغ ذروته في الرسوم السنوية التي تصل إلي مبالغ خيالية وهكذا إستحقت أن يُطلق عليها صفة مشاريع إستثمارية بجدارة ، فالرسوم لهذه الرياض تربو على العشرين ألف جنيه في العام لتلك التي تصنف على أنها تتبع مؤسسات دولية ، وما يقل عن ذلك المبلغ بقليل لتلك التي تلحق كلمة الإنجليزية أو العالمية إلي إسمها ، وما بين ألف إلي خمسة لتلك تنتشر في الأحياء هذا عدا رسوم الترحيل ، ورسوم الزيارات والرحلات المدرسية للأماكن العامة والتي تُحصل من أولياء الأمور ، وأصبحت مرحلة الروضة تفوق في منصرفاتها من الأسرة منصرفات بقية المراحل الدراسية . أما الجزء المثير في هذا العرض فهو بدعة التخرج ، وهو موضوع طرقه كثيرون من قبل في الصحف ، فالتخرج لا يتم في مقر الروضة وإنما يتم في صالة للمناسبات أو الحدائق العامة ، ويتطلب أن يرتدي الطفل زياً محدداً تحدده الإدارة ، يدفع ثمنه ولي أمر المتخرج وتخرج الزفة التي تضم عدد من الحافلات تنبعث منها الأغاني تدور في الحي ثم تنطلق إلي منزل المتخرج وأمام المنزل تصدح المايكرفونات بالأغاني والموسيقى ثم تطوف على بقية منازل المتخرجين ثم بعد ذلك تنطلق إلي مكان التخرج ، وهنا نجد مفاجأة أخيرة وهي على أولياء الأمور وضيوفهم أن يدفعوا ثمن لتذاكر دخول مكان الإحتفال ! ! . ومن قبل أتخذت سلطات التعليم قرارات حيال حفلات التخريج ، لكن لا التزمت إدارات هذه الرياض بالقرار ، ولا حرصت سلطات التعليم بمتابعة قراراتها . إذا كانت إدارات رياض الأطفال تعتقد أنها تحبب التعليم والمدرسة للأطفال بهذه الطريقة فهذه طريقة إضافة إلى أنها مكلفة ، ومرهفة لأولياء الأمور، فإنها ترسخ في ذهن الطفل فكرة عن التعليم على أنه مجرد لهو ،ومن الأفضل أن يتم التخرج في مقر الروضة نفسها ، لأن هذا العبث لا يمت للعملية التربوية والتعليمية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة