لا أحد يعلم، ما إذا كان الإمام الصّادق المهدي، قريباً أو بعيداً من هذا النظام، لكن في غابر الأزمان، كانت الصفوف تتمايز على نحوٍ ما. بعد عامين من الانتفاضة نظّم اتحاد الطلاب ليلة سياسية في مناسبة استقلال السودان، تحدّث فيها المهدي. كان من الممكن أن تمضي الليلة كسابقاتها، وينام الإخوان هانئين، لولا أن سؤالاً مكتوباً على وريقة، وصل إلى المنصّة، كان السؤال يقول: “ما هو دور حركة الإخوان المسلمين في الاستقلال “؟ فى تلك الأيام، كان الإمام شاباً بالمقاييس السودانية، وكان أغلب هتافنا نحن كشباب: “الصّادِق أمل الأُمة”.. “لن نصادق غير الصادق”. كان هتافاً يتدفق من أعماقنا، لأن الأنصار، كانوا ثوريين فى تلك المرحلة المُبكرة من عمر الانتفاضة، وكانت مواقفهم على النقيض ممّا يريد الأخوان لهذا السودان، وكان خير من يعبّر عن ذلك الألق الأمير نقد الله، الذي لم يكن أنصارياً فحسب، بل قائداً لكل قوى الانتفاضة. عندما وصل السؤال إلى يد المهدي وهو في المنصة، تَلاه بأناة وتمهُّل على مسامع الحضور، ثم حَدَر عمامته الشهيرة إلى الأمام، وقال: “الأخوان المسلمين لم يكونوا موجودين، عندما تحقق الاستقلال، ولذلك لم يكن لهم أي مشاركة في صنع ذلك الحدث”. ثم أطلق ابتسامة ساحرة وساخِرة، تبعها جمهور النّدوة بهدير من التصفيق والصراخ المُتشنِّج والشّماتة الدّافِقة التي تردد صداها في أنحاء أُمدرمان. كانت إجابة المهدي على السؤال تلخيصاً لما يدور فى أعماق قوى الانتفاضة، التي كانت تتساءل في صمت: من هؤلاء ومِن أينَ أتوا؟ كانت صراحة مزعجة لتنظيم الأخوان الذي كان مستعداً لتشويه حقائق التاريخ، بتسخير مؤسساته الصحفية المُمولة جيداً لتبخيس قدر رئيس وزراء السودان المُنتخب، والذي اتهموه في تلك المرحلة بأنه “ شيوطائفي”. لمن شاء الاستزادة والتوثيق، فكل هذا مبذول فى الرّاية وفي ألوان، وغيرها من صحفهم، التى دلق عليها الإخوان حبراً ثقيلاً، كي يقولوا إنّهم أسياد البلد.. في العيد الأول للانتفاضة بحدائق أبريل، حاصر الأخوان “صديقهم” أثناء الحفل بضجيج وصخب، اضطره إلى إلقاء كلمته الرسمية عبر التلفزيون، متوعداً بمحاسبتهم لاحقاً، على تِلك الفِعلة الديمقراطية!! أول ما فعله الأخوان بعد استيلائهم على السلطة، كان تغيير المناهج الدراسية، خاصة كتب التاريخ، التي كتبوا فيها ما يؤكِّد أن الجبهة القومية الإسلامية هي التى صنعت السودان الحديث... هكذا باختصار، وأن الآخرين من طائفيين ويساريين وجمهوريين وقومجيين، اتحاديين واستقلاليين وكريم مُعتقدات، ومؤتمر بِجة، كانوا ــ إمّا غير موجودين أصلاً، أو تمومة جرتق ــ تحت قيادة حركتهم، التي هي”حركة الإسلام”! لا أحد في الداخل أو في خارج السودان، يعلم أين يقف الإمام في هذه اللّحظة الرّاهِنة..هل هو قريب، أم هو قابَ قوسين؟ لا أحد يعلم، إن كانَ قريباً أو بعيداً من النظام، كما أنه ومن المُمكن جداً، أن يكون قد نسي هذا السيل الجارِف من الذكريات!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة