والي جنوب كردفان يستحق نجمة الذكاء.. مراسم فرح في تلك الناحية تنتهي بعبور العروس إلى مناطق الحركات المتمردة.. الحكومة هنالك لا تكتفي بتشجيع اللعبة الحلوة.. بل تسمح للمتمردين أن يعبروا إلى مناطق نفوذها ليشاركوا في واجب عزاء ثم تتاح لهم حرية الانسحاب.. النتيجة أن الأجندة الحربية ذبلت.. سيدة واحدة وعبر الهاتف تمكنت من إقناع (٤٨) فرداً بوضع البندقية.. حدث ذلك حينما سمحت الحكومة بحرية الحركة بين الحرب والسلام. في الجانب الآخر عاد المجاهد البيروني بابكر من أسر امتد لأربع سنوات بأفكار جديدة.. المقاتل الشرس صرَّح لزميلنا المثابر عبد الرؤوف طه أنه لن يقاتل بالبندقية إلا في حالة حدوث اعتداء خارجي على الوطن.. بل كان الشاب المعروف بالحماس منصفاً حينما أثنى على تعامل القائد جقود مكوار ولام في ذات الوقت ياسر عرمان الذي لم يزر الأسرى رغم أنه حل بمرابطهم.. ولكن حينما لاحت الكاميرات في كمبالا يوم إطلاق سراح الأسرى كان عرمان أول المصرحين لوسائل الإعلام. تبدو الأجواء كلها مواتية للسلام أكثر من أي وقت مضى.. الحركة الشعبية تطلق سراح (١٢٥) أسيراً.. ترد الحكومة التحية بأحسن منها وترفع عبر عفو رئاسي عقوبة الإعدام عن العشرات ثم تطلق الأسرى أفواجاً.. الدكتور جبريل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة وصف خطوات الحكومة بأنها تلطف الأجواء.. انتشار المجاعة وبعض الأمراض الفتاكة في تلك النواحي يعزِّز من أهمية السلام.. هذه الأجواء لا تحتمل أي تصرفات خارج نص التوقعات الإيجابية. سعدت جداً حينما علمت أن الحركة الشعبية وافقت على المقترح الأمريكي القاضي بنقل بعض المساعدات الإنسانية من أصوصا الإثيوبية.. المقترح الأمريكي أعطى الحكومة السودانية حق تفتيش الطائرات الناقلة للإغاثة في رحلتي الذهاب والإياب وداخل الأرضي السودانية.. بذات القدر من السعادة أصبت بخيبة أمل حينما تراجعت الحركة عن ذاك الموقف وطالبت بمزيد من المراجعات.. الحقيقة أن الحكومة بذلت من التنازلات الحد الذي يجعلها تسمح بإجلاء جرحى الحركة الشعبية بثياب مدنية.. هذا الموقف الإنساني أكده لي اللواء محمد مصطفى الضو رئيس لجنة العلاقات الخارجية وعلى الهواء مباشرة في برنامج "الميدان الشرقي" بقناة أم درمان في وقت سابق. في تقديري.. من المهم جداً أن تتراجع الحركة الشعبية عن أي شروط مسبقة تعيق وصول المساعدات الإنسانية للمواطنين العزّل الذين يعيشون في مناطق نفوذها.. ذات النداء كنا قد وجهناه للحكومة باعتبار أن الملف الإنساني لا يحتمل أي قدر من التسييس.. بل إن تجويع المواطنين تحت أي ذريعة ومن أي طرف يجب أن يكون جريمة ضد الإنسانية.. أهمية قبول الحركة الشعبية بهذا المقترح أنه يفتح الباب أمام تسوية شاملة وفق خارطة الطريق التي قدمتها الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة الرئيس ثامبو أمبيكي. بصراحة.. التاريخ لن يرحم الحركة الشعبية إن منعت العالم من إغاثة الإنسان في تلك المناطق التي تعاني من التهميش.. لا منطقة وسطى بين أن تكون إنساناً أو لا تكون إنساناً.. من المسيء أن يدفع الإنسان الأعزل ثمناً باهظاً من أجل أجندة سياسية تخص نخباً محددة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة