|
سليم أغا: أسفار مسترَق من جبال النُّوبة (1875-1827م)(1) بقلم الدكتور قندول إبراهيم قندول
|
04:57 PM March, 11 2017 سودانيز اون لاين د.قندول إبراهيم قندول-الخرطوم-السودان مكتبتى رابط مختصر
mailto:[email protected]@msn.com
هذا التلخيص تم نشره في العدد الثاني/يونيو 2016م من مجلة "الحداثة" التي تصدر عن مشروع الفكر الديمقراطي والقراءة من أجل التغيير، وهو مشروع مدني طوعي غير ربحي سُّوداني يهتم بقضايا الفكر والمعرفة وثقافة الديمقراطية والتنمية. لقد رأينا أهمية إعادة نشر المقال في الجرائد الإسفيريَّة – بعد التشاور مع رئيس التحرير لكي تعم الفائدة لأكبر عدد من القراء. الاستعراض لكتاب "سليم أغا.. أسفار مسترَق" للمؤلف جيمس مكارثي. لقد نُشِرت لمكارثي أعمالاً كثيرة والتي تركَّزت على الروابط بين أفريقيا وإسكوتلندا من خلال الرحَّالة الإسكوتلنديين. ويعتبر مكارثي أول طالب دراسات عليا بكلية (جامعة لاحقاً) ماكريري الشهيرة بكمبالا، يوغندا. وقبل التحاقه بالدراسات العليا في هذه الكلية، كان مكارثي قائداً للقوات الأفريقية في انتفاضة الماو-ماو الكينيَّة.(2) لقد عرض مكارثي هذه القصة بأسلوب سلس وانسياب ممتع، لذا حاولنا إعادة السرد الموضوعي لها من البداية المؤلمة مروراً بأعظم الإنجازات التي حققها سليم، والتي بها حرَّر نفسه من قيود وبراثن العبوديَّة، وإلى نهايات حياته البطوليَّة لنرى كيف شق طريقه ليجعل من ذاته الأبية كاتباً أديباً ومحاضراً لبقاً، ثم شاعراً مرهف الحس، وكيف ساهم بفعالية في رحلات الرحَّالة الإسكوتلنديين الفيكتوريين وغيرهم.
البداية المؤلمة
نبدأ بالقول، بينما كان سليم أغا البالغ من العمر 8 سنوات حينذاك، واثنان من الصبيان يرعون بالغنم بعيداً عن القرية بإحدى قرى مملكة تقلي، تقدَّم نحوهم شابان من العرب يبدو أنَّهما كانا في مقتبل العمر كما ظهر في لون شعر لحيتيهما الأسود. سأل أحد الشابين الصبية سؤالاً بلهجة غريبة عنهم: "هل لديكم أغنام للبيع؟"(3) عرف الصبية أنَّ نبرة السؤال كانت مشحونة بالمكر الشديد والخداع البيِّن، ولكن كانت الإجابة الطبيعيَّة البريئة عن السؤال هي النفي. وعلى ضوء هذه الإجابة استأسد أحد الشابين وهجم على سليم الذي كان قريباً منهما، ولم يكن له حول ولا قوة فوقع في الرق إلى الأبد بعد بيعه لزعيم قبيلة عربيَّة كانت تسكن على مسافة ليست ببعيدة عن القرية. كان ذلك في العام 1834م تقريباً أي بعد عام واحد من إصدار الحكومة البريطانيَّة قانوناً لغت فيه وحرَّمت بموجبه الإتجار بالبشر. هكذا تقطَّع حلم وأمنية سليم في ترك رعاية الأغنام لشقيقه الأصغر لكي يتزوَّج ويكوِّن الأسرة الخاصة به. تلك كانت أمنية متواضعة ومرغوبة وقابلة للتحقيق لمن كان في هذه السن المبكرة بحسب تقاليد قبائل جبال النُّوبة، خاصة إذ كان والد سليم قد اختار له الفتاة التي توجب عليه الزاوج منها. ومن غير المألوف في عادات وتقاليد النُّوبة أيضاً أن تكون الزوجة أكبر من الزوج. فبحسب التقليد كان الرجل دائماً يكبر زوجته ولو بسنين بسيطة.(4) ففي حال سليم كانت الفتاة تكبره بأربع سنوات حيث كان عمرها اثنتي عشر ربيعاً وهو في السنة الثامنة من عمره تقريباً. على أية حال، لم يكن سليم ضحية الاسترقاق الوحيدة من تلك القرية وقتذاك، بل وقع في نفس الشرك قبله ببضع أيام الصبيَّة مدينة. فقصة مدينة مليئة بالأسى الشديد والحزن العميق لأنَّها كانت عملية مدبرَّة من قِبَل الأمير تشامارو، الذي لم تذكر القصة ما إذا كان من الأسرة الحاكمة في مملكة تقلي أم لا. جاءت المؤامرة ضد مدينة عندما رفض شقيقها الذي كان يتمتَّع بمكانة مرموقة في المجتمع أن تكون أخته ضمن حريم الأمير. وتقول الرواية إنَّ الأمير تشامارو نسج مؤامرته ضدها عندما أرسلها برفقة بعض ممثليه لتقضي له بعض الأعمال، ولكن تم بيعها لنفس زعيم القبيلة العربيَّة الذي سبق أن اشترى سليم. ومن سوء الطالع أيضاً كان سليم يعرفها إذ شاهدها أثناء عرض لهما في ساحة بيت الأمير تشامارو. هكذا جمعت الأقدار السيئة الاثنين في سلاسل وأغلال الرق، فكانت مدينة دائماً ما تنصح وتحذِّر سليماً وتحثه باستمرار على تنفيذ كل الأوامر التي تصدر لهما من سيِّدهما، وذلك تجنباً لقتلهما لأنَّ ذلك الفعل لا يهم هؤلاء الغاصبين البتة، حسب رواية سليم. وبعد رحلة شاقة ومليئة بالتعذيب المتواصل، عند محاولتهما المقاومة، وصل الرقيقان مدينة الأبيض – مركز تجارة الرقيق في كردفان آنذاك - وتم بيعهما لرجلٍ عربي آخر. وفي ذات المدينة رأى الاثنان بأعينهما ذات الرجل الذي أسرهما وبعض أصدقائه من تقلي وهم يمتطون أجود أنواع الخيول العربيَّة متجهين إلى مسقط رأسيهما. لقد أوغر هذا المنظر غضباً عارماً في نفس سليم وهزه هزاً شديداً لأنَّه استدرك - بدون أدنى شك - أنَّ هذه الجياد الحسان تم شراؤها من أموال بيعهما.(5) ومن هنا أيضاً تيقَّن الاثنان أنَّ فراقهما لأرضهما وأهليهما أبدي، وما كان في استطاعة مدينة التي انكسرت بسبب قوة الفجيعة إلا البكاء والنواح مستنجدة بأولئك الذين تعرفهم ضمن الركب. وما لبثت تصرخ بأعلى صوتها ذاكرة أسماء أهلها لعلَّهم يعرفونها ويعرفونهم ولكن هيهات، فلا ضمير إنساني ولا حياة لمن كانت تنادي وتستنجد بهم. ومرة أخرى تم بيعهما سويَّاً لأحد القادة الأتراك الذي كان وقتئذٍ برتبة نقيب أي أغا.(6) كان هذا النقيب من أكثر الناس ظلماً وقسوة على الجنود والمدنيين والخدم كما ذكر سليم في إحدى مذكراته! فقد صار سليم خادماً عاماً للنقيب وضيوفه متى ما طُلِبت منه الخدمة. أما مدينة فأصبحت ضمن حريم النقيب بكل ما تحمله الكلمة من معاني. لم يفترق سليم ومدينة أثناء وجودهما مع سيِّدهما هذا إلا عندما تم بيعها مرة أخرى لمالك آخر، ولم يلتقيا إلا اللقاء الأخير بالصدفة بعد فترة طويلة حيث كانت عند سيِّدها الخامس وهو لدي مالكه السابع الذي اشتراه بناءً على توصية من أحد الجلابة. لقد جاءت التوصية نتيجة لما جمعه سليم من تجربة فائقة كرحالة ولمهارته المتميِّزة في قيادة الجمل والتحكم فيه رغم صغر سنه وأنَّ سيرة حياته كانت خالية تماماً من أثقال الترحال وعناء تربية الجمال. ولكن ما لا شك فيه أنَّ الحصول على واكتساب مثل هذه المهارات في فترة قصيرة لتدُّل على ذكاء حاذق وفطنة قوية في شخصية سليم، فضلاً عن أنَّ المهارات دائماً ما تكتسب في سن مبكرة. أما الذي اشتراه بعد الرحلة الشاقة هذه فكان بربري القبيلة والانتماء ومن مواليد كورتي وكان اسمه حمد خضر. قام حمد بتعيين ابنه هارون لتدريس سليم أساسيات الإسلام، فكان يعلِّمه التوحيد أي أنَّ الله واحد لا شريك له، إلا أنَّ سليماً كان يصر على هارون إصراراً بأنَّ هناك إلهين. لم يفصح سليم لهارون عن الإله الآخر الذي كان يعتمل في نفسه، ولكن من الواضح قد أغضب ذلك الاعتقاد حمد فأرسله لليتعلَّم على يد أحد الشيوخ لعله يهتدي، كما ظن. كان الشيخ الجديد واعظاً لبقاً عندما قام بدوره بإرسال سليم لرعاية أغنامه وأبقاره الخاصة بدلاً عن تعليمه الإسلام لما يأس منه.(7) وهذا دليل آخر أنَّ سليماً لم يكن مسلماً - بطبيعة الحال آنذاك في جبال النُّوبة. كانت مهنة رعاية ماشية الشيخ رحمة ونجاة لسليم، لأنَّه كان سيواجه خطر الإخصاء والعيش مع النساء كحارس وخادم لهن لو بقي في الخلوة!(8) على أية حال، ففي العام 1835م أو 1836م تم بيع سليم لتاجر رقيق آخر في كورتي الذي ابتاعه أخيراً في القاهرة لمارك بيوزيني. مكث سليم أربعة أيام في بيت بيوزيني قبل أن يرسله إلى الإسكندريَّة لبيت روبرت ثوربورن (زوج أليزابيث، أخت مارك بيوزيني). فمن يكون روبرت هذا؟
روبرت ثوربورن
ولد روبرت ثوربورن بقرية درم بمقاطعة أبردينشير العام 1784م وتوفي في مدينة ليون بفرنسا في العام 1860م عن عمر ناهز 76 عاماً. عمل كقنصل لبريطانيا بالإسكندريَّة بعدما كان هو وأخاه الأكبر جون ثوربورن شريكين في أعمال تجارية ناجحة في مجال تسويق القطن ومنتجاته بمصر، وهذه كانت أيضاً مهنة والدهما. بالإضافة إلى هذا كان روبرت شريكاً في شركة بريقس وشركاه التجارية، وفي شركة جويس وثوربورن مع تشارلس جويس. وكذلك كان روبرت صاحب شركتي مصر للنقل وشرق الهند للملاحة. أضف إلى هذا كله كان لروبرت علاقات واسعة مع الأعيان وكبار رجالات الحكم في كلٍ من بريطانيا ومصر. فمثلاً كانت تربطه علاقات مع اللورد بالميرستون، وزير الخارجية البريطاني آنذاك، والذي قدَّم روبرت للملكة فيكتوريا في أول احتفال تتويج لها. وكما سنرى لاحقاً لقد قدَّم سليم بعد سنوات مقترحه المعنوَّن خطة تحسين حال أفريقيا لوزير الخارجية اللورد بالميرستون. أما الرحالة المعروف جون لويس بوكخاردت فقد نعت روبرت برجل المعلومات العظيم. من الناحية الأخرى كان اللورد جون بيثيريك، القنصل البريطاني بالخرطوم، ممتناً وشاكراً لروبرت لتوسطه بينه وبين الحاكم التركي في مصر للحصول على ترخيص في سبيل البحث والتنقيب عن المعادن في كردفان. فمن الواضح من هذا السرد عن مكانة روبرت لقد استقر المقام بسليم الرقيق القروي النُّوباوي في بيت الجاه والغنى والحسب بعد التعرُّض لظروف قاسية وحياة بائسة تنقَّل فيها بيعاً وشراءً بين تسعة من تجار الرقيق عانى فيها سنين المحن والإحن.
الحياة مع ثوربورن
يتميَّز الشَّعب الإسكوتلندي والأيرلندي بالكرم الفيَّاض، وحسن معاملة الأجانب والترحاب بهم، عكس ما قد نتحسَّسه ونلمسه عند الشعب الإنجليزي. وقد تأذَّى – في الماضي – الإسكوتلنديُّون والأيرلنديُّون من الإنجليز اضطهاداً واستعماراً، وذلك كمثل الشعوب الأخرى التي تعرَّضت لسيطرة وسطوة الإنجليز. إذاً، لا شك في أنَّ سليم كان قد وجد كل وسائل الراحة في منزل روبرت بالإسكندريَّة كما اصطحبه في رحلاته على النيل من الإسكندريَّة حتى الشلال الأول. لقد تميَّزت تلك الرحلات بقدر كبير من سبل الراحة الممكنة مقارنة بنفس الرحلة وعلى طول مجرى نفس النيل قبل بضع شهورٍ مضت! ففي العام 1836م سافر سليم مع روبرت إلى إسكوتلندا وهو في سن التاسعة. لم تكن رغبة روبرت الأساسيَّة والأكيدة هي الاحتفاظ بسليم ليخدمه بقدر ما كانت نواياه هي انتشال الصبي من براثن العبودية وإخراجه من حياة الظلم إلى رحاب العدالة الإنسانيَّة والصراط المنير، وذلك لتحقيق الإنجازات والغايات العظيمة، وليترجم إمكاناته الكامنة إلى حقيقة ماثلة. ولذلك تركه في مدينة مورتل القروية بأبردينشير مع أليزابيث، زوجة شقيقه كما أسلفنا الذكر. أما أليزابيث فقد أحسنت معاملة سليم وحملته تحت أجنحة الرحمة والعناية والرعاية اللصيقة، والتعليم الجيد. لقد جاب سليم مع روبرت أجزاءً عديدة من العالم شملت أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبيَّة، ولكنه فارق الأسرة الكريمة، وانتقل إلى لندن العام 1849م دون ذكر أسباب هذا الفراق.
الانتقال إلى لندن
يبدو أنَّ سليماً قد جمع من المهارات اللغوية والدرجة العالية من الرقي والثقافة الرفيعة عندما انتقل إلى لندن. فقد مكَّنته تلك المهارات من الانسجام مع مجتمع لندن الراقي. فمثلاً كان سليم مفعماً بصالات البانوراما التي كانت في المدينة خاصة في ناحية بيكاديللي الشهيرة. ففي الصالة المصرية – وبالتحديد متحف التاريخ الطبيعي – ذكر سليم أنَّه حاضر فيه عن بانوراما النيل لمدة اثنتي عشر شهراً. وحينئذٍ امتدح أحد الزوار الألمان إحدى المحاضرات التي ألقاها بأنَّها كانت "مكتملة ومحكمة، وواضحة ومثيرة للإعجاب وفي غاية الروعة". ثم استطرد مؤكداً ما رآه وسمعه بقوله: "إنَّ هذا لشيء مذهل ومدهش من شاب أسود يقل عمره عن 23 عاماً تم أسره واسترقاقه من أبعد بقاع الأرض في السُّودان، ثم تمَّ تحريره من الرِّق، ومن ثمَّ بات يتحدَّث ببلاغة متناهية لجمهور كبير في مجتمع لندن الراقي عن روائع وبدائع النيل"! ومع هذا كان سليم غير راضٍ عن تجارة الرِّق، فكان يبغضها ويناهضها.
دوره في حملة مناهضة الرِّق
عندما اشتد اصطياد الرقيق في جبال النُّوبة في منتصف القرن التاسع عشر بواسطة الأتراك والمصريين والسكان العرب المحليين، انتقد سليم حكومة الولايات المتحدة الأمريكيَّة بأشد العبارات دون ذكر للحكومة البريطانيَّة أو تورط الإسلام في هذه التجارة اللاإنسانيَّة، إلا في حالته الشخصيَّة ليقول: " تتم إهانة الكثير من هذا الخلق المسكين بواسطة مواطني الحكومة الفيدرالية (يعني الولايات المتحدة الأمريكيَّة) الذين يصطنعون ممارسة مباديء الحريَّة والمسيحيَّة في أحسن صورها، ولكن على ضوء هذه الممارسة يثير بيع هؤلاء المساكين لعاب الآخرين للاصطياد والقبض على المزيد من الشريحة الأكثر فقراً لاستمرار واستدامة بيع وشراء الضحايا البشريَّة لتلبية رغباتهم وميولهم الطموح. وبهذه الطريقة وعلى هذا النمط تمَّ قفل وصد مصير المؤلف في غياهب الجب والظلمات (يقصد نفسه بسبب استرقاقه)."(9)
مقترح خطة نهضة أفريقيا
مهما يكن من الأمر، كان الهدف الأساسي من مجيء سليم إلى لندن هو تشجيع وتعزيز التجارة بين بريطانيا ووطنه – السُّودان – ومواصلة لجهوده في محاربة تجارة الرقيق. فقد كان حلمه يتمركز حول إنشاء اتصالات تجاريَّة بين بريطانيا العظمى وبين موطنه رغم الجور الذي لحق به من بعض مواطنيه. كان هذا الحلم يراوده لفترة طويلة! وكذلك كانت وجهة نظره واضحة وثاقبة فيما كان يعنيه بتعزيز التجارة. تمثَّلت هذه النظرة في وضع حد نهائي لتجارة الرقيق التي كان هو ضحيتها، ولهذا لا يمكن لأي كائن ما كان أن يوصم سليم بأنَّه إنسان عديم الطموح في تحقيق الحريَّة لذاته ولغيره. فقد كانت فلسفته مبنية على أنَّ الإنسان ولد حراً ولا بد أن يعيش حراً. إلى هذا الحد عبَّر عن رغبته في تحقيق تلك الحريَّة بلغة الفيكتوريين المفرطة بالثقة في عبارة قويَّة: "ليس هناك شيئاً مستحيلاً في القرن التاسع عشر". ففي تلك الفترة برزت حركة مناهضة للرِّق وما فتئت تنادي بإلغائه وتحريمه. ومن حسن حظ سليم كان رجل الإحسان والأعمال الخيريَّة الأشهر توماس فويل بوكستون من قادة تلك الحركة، والذي خاطب تجمعاً نظَّمته جمعيَّة القضاء على تجارة الرِّق من أجل تقدُّم أفريقيا حضاريَّاً. أيضاً كان ضمن هذا التجمع، ديفيد ليفينغستون الذي كان وقتئذٍ مبشِّراً تحت التدريب مما أضفى إلى التجمُّع أهمية قصوى. فقد ذكر بوكستون أنَّه لا يمكن إنهاء تجارة الرقيق إلا بالتنمية الاقتصاديَّة التي تمكِّن الأفارقة من تسويق منتجاتهم المحليَّة لشراء البضاعة المصنوعة في أوروبا، خاصة من بريطانيا. أما ليفينغستون فقد استطاع تسويق أيديولوجيته الدينيَّة التبشيريَّة لأطراف ذات مصالح مختلفة، وهكذا حققت الكنيسة الهدف الأخلاقي بمناهضتها لتجارة الرِّق. ثانياً، وجد التجار وأصحاب المصانع في فكرته فرص التجارة خارج الحدود، وأما من الناحية الأخرى، فقد وجد الرحَّالة ضالتهم في التبرير اللازم في البحث عن طرق تجارية داخل القارة وحولها؛ أما الهدف الرابع، فقد تحقق بحصول الحكومة البريطانيَّة على الفوائد الإستراتيجيَّة بطريقة غير مباشرة ودون الانخراط بثقلها الرَّسمي في هذه العمليَّة. لم يكن أمر تحقيق هذه الأهداف السامية سهلاً؛ فقد وقفت مشكلة كبيرة دون تحقيقها أو جزءٍ منها. إذ لم يكن في أفريقيا وقتئذٍ نظام اتصال واحد نافذ إلى الأسواق الداخليَّة، ما عدا طرق السكك الحديديَّة التي شُيِّدت خصيصاً لنقل الجنود والمعدات العسكريَّة إلى مناطق الصراع ومصادر الإزعاج للحكومة البريطانيَّة. لهذا جاء مقترح سليم الذي تضمَّن في جوهره وبساطته بناء خط سكة حديد من ميناء زيلع الصومالي الحالي في شرق أفريقيا إلى ميناء كالابار بنيجيريا في الساحل الغربي لأفريقيا. لم يكن أمر تقديم المقترح سهلاً كما يتبادر إلى الأذهان، وذلك لأسباب تاريخيَّة. لذا كان لا بد من ممارسة قدر عال من الحكمة والديبلوماسيَّة. وهذا ما فعله سليم برغم من عدم التدريب في هذا المجال. ألم نقل من ذي قبل أنَّ الفتى كان ذكيَّاً فطناً؟ بلى! فها هو سليم يستهل مقترحه قائلاً: "(...) بينما يتم احتقار وإساءة الرجل الأفريقي بواسطة البلدان الأخرى، يجد كل فرد تحت التاج البريطاني حسن المعاملة والحماية بغض النظر عن اللون أو المكانة الاجتماعيَّة، وأنَّ الرعايا البريطانيين ينظرون إليه (الإفريقي) كإنسان وأخ لا غير، لذا لا بد من تطويره حتى يصل إلى كمالاته"! فما هي الصعوبات التي وقفت أمام تسليم الخطة، وماذا كان رد فعل سليم عليها؟
صعوبات تسليم الخطة إلى الحكومة البريطانيَّة
لقد وقفت صعوبات كثيرة دون تسليم المقترح إيَّاه إلى الحكومة البريطانيَّة، على الرغم من مواقف بالميرستون الإيجابيَّة ضد الممارسة اللاأخلاقية واللاإنسانيَّة للرِّق. ولكن أخيراً استطاع سليم أن يعرض المقترح لأدينغتون، أحد سكرتيريي مكتب الخارجية البريطانيَّة بحضور لفيف من الجمهور. وكما هو متوقَّع من بطء الإجراءات البيروقراطيَّة، فقد ظلَّ سليم في انتظار رد الحكومة البريطانيَّة على المقترح لفترة أربع سنوات، أي من العام 1849م حتى العام 1853م. وبما أنَّ هذه الفترة كانت طويلة للرد على مقترح بمثل هذه الأهميَّة، إلا أنَّ سليماً كان قد عبَّر في رده عن ذاك التأخير بإتزان شديد وبلغة غير سافرة عندما سُئل عن ذلك التأخير. إذ جاءت إجابته على النحو التالي: "ربما كانت الحكومة قلقة بسبب الأحداث التي طرأت في ذلك الوقت"؛ وكذلك عدَّد أسباب التأخير في الآتي: أولاً فصل وزير الخارجيَّة بالميرستون لتدخله في الشؤون الداخليَّة لفرنسا عقب انقلاب لويس نابليون، وثانياً قيام جمعيَّة المستأجرين الأيرلنديَّة التي كانت تهدف إلى تأمين الإصلاحات في نظام حيازة الأرض في أيرلندا؛ وثالثاً قيام بالميرستون بإرسال الأسطول البريطاني إلى اليونان لمناصرة الرعايا البريطانيين من أجل الحصول على التعويضات من الحكومة اليونانيّة. إذا ما نظرنا إلى الظروف التي سادت في تلك الفترة يبدو أنَّ توقيت تقديم المقترح كان غير مناسب، فضلاً عن أنَّه كان من رقيق سابق في العشرينيات من عمره يقدِّم مقترحاً لحكومة ممانعة أو متردِّدة لإنقاذ أفريقيا من تجارة الرقيق. لم يقف سليم عند هذا الحد، بل ساهم مع الرحَّالة الإسكوتلنديين مساهمة فاعلة في الرحلات المعرفيَّة التي قاموا بها في تلك الفترة.
إنجازاته في سبيل المعرفة
لقد أدلى الرحَّالة العظيم السير ريتشارد فرانسيس بورتون بثلاث شهادات على دور سليم في الرحلات المعرفيَّة التي تمت. وبورتون هو أحد الشخصيات الهامة في العصر الفيكتوري الذي رافقه سليم في رحلته المعرفيَّة إلى جبل الكاميرون بناءً على علاقته القوية بأسرة ثوربورن. وعلى الرغم من أنَّ بورتون كان حاداً في انتقاداته تجاه الآخرين خاصة نحو الأفارقة بصورة عامة، لكنه أبدى كرماً شديداً في مدح سليم حيث ذكر أنَّ الرجال الذين يحظون بخصال ومهارات سليم سينجزون الكثير لأفريقيا إذا تلقوا تدريباً جيِّداً على يد الأوروبيين؛ وأنَّه سيكون مفيداً إذا ما تمَّ شق الطرق والممرات إلى آسيا وأفريقيا الوسطى. وبذلك سيمهِّد الطريق لتحقيق الرفاهيَّة والمدنيَّة لأفريقيا، هكذا كانت شهادته الأولى. أما الثانية فتقول: "إنَّ سليم أغا ساهم في في العثور على مصدر أحد براكين جبل الكاميرون عندما قمنا (خمسة أوروبيين) بهذا العمل." وفي هذه الشهادة أيضاً وصف هذا الإنجاز العظيم بعمل ستة رجال و"إرادة سوداء"، في إشارة لدور سليم أغا. ويعتبر هذا العمل واحداً من إنجازات سليم الكبيرة. ففي احتفاليَّة خاصة بهذا الإنجاز، وبعدما سُميت القمم البركانيَّة العالية بأسماء الأوروبيين، سمُيت الأقل علواً منها بجبل سليم. أما الشهادة الثالثة فقد جاء فيها: "أما بالنسبة لي (بورتون) فلقد رفع سليم عن يدي كل مصاعب الحياة، مما جعلني اتَّخذه رفيقاً وخادماً لي، وإنَّي لنادمٌ على رؤية هذا الرجل وأمثاله يضيع تحت الهمجيَّة في كانو (نيجيريا حاليَّاً)، لأنَّه يُعتمد عليه في مناسبات كثيرة لكياسته المتحضِّرة التي تجعله مؤهلاً للرفقة المتميِّزة". أيضاً فلنقرأ ما جاء في رسالة اللورد قلوفر، السكرتير الإداري البريطاني فيما بعد، إلى الدكتور نورتون شو، سكرتير الجمعيَّة الجغرافيَّة الملكيَّة. إذ يقول الدكتور شو: "(...) فيما يتعلَّق بسليم أغا والخمسة الآخرين الذين معه، اعتقد أنَّ مشروعهم يستحق التشجيع؛ وكما أنَّني متأكد إذا أُعطيت السلطة المناسبة لسليم، وتمَّ تخويله بشكل صحيح فسوف يحصل على حقيقة ما حدث في اللحظات الأخيرة للرجلين اللذين قُتلا، ولسوف يتمكَّن من استعادة أوراق ووثائق المفقودين بتكلفة أقل من الحملة التي فُرضت فرضاً."(10)
أعماله الأدبيَّة والشعريَّة
لقد كان دور أليزابيث في توجيه وتعليم سليم بارزاً. لذلك أظهر سليم هذا الدور في إهداء لها فيما يعتبر رداً أخلاقياً قوياً للجميل الذي قدَّمته له. فقد ذكر سليم تجربته الشخصيَّة المريرة في ذلك الإهداء، ولكنه لم ينس أبداً تجارب أترابه النُّوبة الذين بقوا وراءه تحت ظروف الجهل والمرض والمسغبة والتعب متأسفاً ومتأسيَّاً ومتحسراً لحالهم إذ لم ينالوا حظاً من التعليم مثله. وقد استفسر سليم ذاته في أبلغ ما يكون السؤال غير مصدقاً الحال التي هو فيها ثم أجاب عن سؤاله: "إلى من يرجع فضل التعليم الذي استمتع به الآن غير راعية تعليمي، أليزابيث؟" وفي جملة أخرى وجه حديثه مباشرة إليها معبِّراً عن شعوره الصادق بأنَّه وجد فيها وعندها فقط عناية الأم البديلة التي أوفت بتحقيق رغباته ومتطلباته الشخصيَّة رغم بعده عن حنان وعطف والدته الحقيقيَّة، ورغم انفصاله عن العلاقات الحميمة مع أهله في جبال النُّوبة، لذلك فهو ممتن لها باهتمامها الكبير بتعليمه. وأخيراً اختتم الإهداء ببلاغة وبأسلوب رصين: "آمل أنَّ التحذيرات الخاصة التي تحيطينني بها أيتها المربِّية ستجعل مني إنساناً قوياً لمجابهة خصوم الإنسانيَّة المنتشرين في العالم". ما أنبلها من عبارات الرؤية الثاقبة، فالعالم مليء بالشر والخير غير أنَّ آفة وآلة الشر كبيرة، إذ تحيط وتتربَّص بالضعفاء. أما في مجال الشعر، فيبدو أنَّ سليماً بدأ ينظمه ويقرضه باكراً، وربما كان متأثراً بفقد الأهل والشوق إليهم خاصة حنان وعطف الأم وتربية ورعاية الأب واجتهاده لإعداد ابنه لكيما يصبح رجلاً يعتمد على نفسه ويُعتمد عليه كما هو الحال في جبال النُّوبة. ولقد عبَّر سليم عن كل هذا في قصيدته القصيرة والمعنوَّنة: أيُّها الضائع في الخاطر، في الذاكرة عزيز. لقد جاء في بعض أبياتها: كيف تفارق عين الأم الرؤوفة أطفالها الذين حملتهم؛ لقد نُودِي في أبنائها، سوف لا ينكرون، أن يخدموا في بعض الشواطئ النائية ... بالصَّبر سوف تقف وتتحمَّل؛ إنَّها تدرك أنَّهم ذهبوا ليخدموا ملكهم، كيف تنظر عين البعل الحنون من الزوج التي يعتز بها كثيراً؛ ... دع مثل هذا القضاء في طريق الصداقة الحميمة، لتمر الأيَّام السَّعيدة مع الصداقة ها هنا؛ دع الكل ينسى سلوك الغضب، ففي المحبة المتبادلة دع الكل يلتزم
لم يتوقف خيال سليم في حدود الأسرة المفقودة بل امتد أفقه إلى البلدة التي احتضنته في أحرج وأحلك مراحل حياته، لذا نظَّم قصيدة عن بريطانيا واصفاً إياها بأرض السَّلام والحريَّة التي يجد فيها المظلوم المقهور الحماية، وقد جاء في بعض أبياتها المختارة الآتي: بريطانيا، أنت أرض السَّلام والفرح للذين تسيء، وللذين تخص وتحيط بين الأذرع، وللذين تمد المأوى شاهرة الحماية؛ ورفعت راية المجد عالية، الحريَّة هي غايتك، بينما على الشاطىء ينظر المنفيون، ينادون ويصيحون: الخلاص!
لم يكن يعني الزمن ولا الحياة شيئاً في نفس سليم عندما انتقل ليقرض قرضاً حسناً في ميدان الحرب والشجاعة، وليكتب عن معركة قواليور في الهند بين قوات الإمبراطورية البريطانية وثوار إمبراطورية مارثا الهندية في العام 1843م، وكيف استبسل جنود الفريقين، إلا أنَّ النصر كان من نصيب الجيش البريطاني الذين افتخر بهم سليم. وكما أجاد النظم في مدح بريطانيا، طاف به خيال التفاؤل ملقياً النظر إلى أعلى فكتب قصيدة السماء معجباً بجمال لونها الأزرق، ثم نظر كرة ثانية إلى الشمس لكبر حجمها وشدَّة ضيائها وحرارتها، ونظر مرة ثالثة إلى القمر ولجماله ورونقه، ونظرة رابعة إلى النجوم وهي تتلألأ ضياءً ليتساءل متعجباً كيف تقف الأرض في ثبات وهي ترفع وتحمل كل هذه الأثقال، ولم يكن يجد بدَّاً إلا أن عزا تلك المقدرة إلى قوة الإله الأعظم في أبياتٍ جياد جاء فيها ما يلي: عجباً، صُنعت الأرض لتحمل هذه الأشياء، لم يدخر الخلق لها آلاماً، ذلك ليبيِّن قوة الخالق وهو السلطان
أسرته بالكفالة في إسكوتلندا
لقد خلت مذكرات وكتابات سليم الرسميَّة (كمقترحه لتحسين أفريقيا)، خلت تماماً من ذكرٍ لأسرته الخاصة به غير عائلة ثوربورن التي اعتنت به وهو صبيَّاً خادماً لها.(11) ومما لا شك فيه أنَّه كانت لسليم أسرة في إسكوتلندا كما وثَّق جيمس مكارثي بأنَّ سليماً قد أنجب ابناً سمَّاه أليكسندر أغا من امرأة كانت له علاقة بها تُسمى جين هنتر، وكان ذلك العام 1847م، أي قبل انتقاله إلى لندن. أما أليكسندر فقد أنجب هو الآخر بنتاً سمَّاها ميري جين أغا. هكذا تناسلت الأسرة وامتدت وانتشرت في كلٍ من إسكوتلندا والولايات المتحدة الأمريكيَّة، خاصة في القرن العشرين الميلادي. ومن سلالة سليم: أليكسندر وميري جين وماريون ولاس ولين آدمز، وهؤلاء كانوا في إسكوتلندا. أما في الولايات المتحدة فلقد استقر المقام بكل من: دون وديفيد وكارين كريفيني وأسرهم. مهما يكن من شأن، فيرجح مكارثي عدم ورود اسم أسرة سليم في كتاباته إلى عدة أسباب. السبب الأول هو ظهور سيرته الذاتيَّة قبل ميلاد ابنه أليكسندر؛ ثانياً، قد يكون ذكر الأسرة في مقترحه عن خطة تحسين أفريقيا غير مناسب، وثالثاً ربما تكون جين هنتر قد غادرت المقاطعة الإداريَّة التي كانا يقيمان فيها سوياً في شهور الحمل الأولى، وبالتالي لم يكن سليم على علم أنَّها قد أنجبت له طفلاً ذكراً.
نهاية سليم ووفاته
قبل الحديث عن وفاة سليم لا بد من تسليط الأضواء على الأحداث التي سادت في أربعينيات القرن التاسع عشر، خاصة في كلٍ من بريطانيا وهايتي والولايات المتحدة الأمريكيَّة بشأن إعادة الرَّقيق السابق لأوطان جدودهم. فمن أجل الإعادة أنشأت بريطانيا مستعمرة في سيراليون العام 1787م، ونقلت إليها 1.500 من العبيد المحرَّرين. أما في هايتي فقد نجح دومينيك توسان أوفرتري في تحويل تمرُّد العبيد إلى حركة ثوريَّة رفضت صراحة أن يكون العرق أو العنصر أساساً للتصنيف الاجتماعي، وبالتالي أصبح مجتمع سان دومينيك حرَّاً، وصارت المستعمرة هي الأكثر ازدهاراً.(12) في ذات الوقت أصبح توسان حاكماً مدى الحياة للمستعمرة ضد رغبات نابليون بونابرت.(13) وفي العام 1816م هدفت جمعيَّة الاستعمار الأمريكيَّة نقل العبيد السابقين إلى أفريقيا لأنَّها كانت قلقة جداً بأنَّه لا يمكن التعايش السلمي مع هؤلاء العتقاء. ففي العام 1820م وصل أول فوج من 86 فرداً إلى الساحل الغربي من أفريقيا، وأُختيرت ليبيريا مكاناً منساباً لإيوائهم، ومن ثمَّ صارت ليبيريا مستعمرة رقيق مستقلة، وأمست مونروفيا عاصمتها نسبة للرئيس الأمريكي جيمس مونرو في العام 1847م. على أيَّة حال، فقد عامل المستعمرون الجدد السكان الأصليين بازدراء واستعلاء شديدين، وجرَّدوهم من حق المواطنة ما لم يتبنوا أسلوب حياة المجتمع المتحضِّر، حسب زعمهم. إذ قاد هذا الصلف إلى قيام حرب ضروس بين الفريقين نتيجة لهذا الازدراء أولاً، ومن أجل الصِّراع على الأرض التي اغتصبت ثانياً. لقد ألحق المواطنون الأصليون هزيمة نكراء بهؤلاء الوافدين الجدد بعد فشل المحادثات التي قامت بها حكومة بريطانيا الاستعماريَّة في سيراليون للتوسُّط بينهما. ولكن تدخَّل الرئيس الأمريكي يوليسيس قرانت، وقام بإرسال قوة عسكريَّة لإخماد هذه الثورة العارمة. إذ لم يُعرف على وجه الدقة كيف تدخَّل سليم، أو ماذا كان دوره في هذه الحرب، إلا أنَّه من المرجح أن يكون قد قُتِل فيها إما كمقاتل أو كأحد ضحايا الحرب. فإذا وضعنا في الاعتبار مواقفه وآراءه تجاه الرق ومقترحاته لتنمية ونهوض أفريقيا حضاريَّاً، فلا شك وغير مستغرب أبداً أن يكون سليم قد إنحاز إلى جانب السكان الأصليين الذين تم التمييز ضدهم، وكان من حقه مساعدتهم لنيل حقوقهم المشروعة. وهذا بالطبع محط التخمين والافتراض. ولكن كتبت السيدة قلوفر في سيرة زوجها جون قلوفر قائلة: "يعتقد (...) أنَّ سليماً قد قُتِل أثناء معالجة الجرحى بعد معركة قبليَّة في مكانٍ ما في ليبريا." أما إذا كان هذا صحيحاً، فإنَّه من الطبيعي حقاً أنَّ حياة مليئة بالمغامرة البطوليَّة والصعاب مثل حياة سليم قد انتهت نهاية بطوليَّة أيضاً. إذن، فنفس سليم الأبيَّة سعت بتفانٍ لإنقاذ آخرين وهو غير مبالٍ بها أبداً، وقد علا وجلَّ شأن القائل في محكم تنزيله: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" (الحشر: 59/9).
خلاصة
تعتبر قصة سليم أغا من القصص الرائعة التي تعكس قوة الشكيمة والإصرار القوي على بلوغ الغايات السامية مهما بلغت قسوة الحياة وشدَّة الجور. فمن أحراش جبال النُّوبة العميقة خرج سليم دون إرادته في في سلسلة أسفار طويلة وشاقة، حيث أظهر فيها براعته وقوته وشجاعته وذكاءه. كانت منطقته (القرية الصغيرة بجبال النُّوبة) من أكبر همومه، فلما عرف أنَّه ينتمي إلى أفريقيا التي يعاني إنسانها كل مصاعب الحياة، قدَّم للحكومة البريطانيَّة مقترحاً طموحاً سمَّاه خطة تحسين أفريقيا بهدف التنمية الاقتصاديَّة والبشريَّة. وكذلك كان له دور مشهود في مناهضة العبوديَّة، منتقداً استخدام الدِّين في استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. إذ يمثِّل وقوفه بجانب الأفارقة الأصليين في ليبيريا جانباً من هذا الدور. ومع ذلك، لم تقيِّد الخلفيَّة التاريخيَّة سليماً من إظهار مواهبه العقليَّة والقياديَّة، فقد كتب وحاضر في دار البانوراما في لندن عن روائع وبدائع نهر النيل، وكذلك نظَّم الشعر وساهم في إنجاح الرحلات المعرفيَّة التي قام بها الرحَّالة الإسكوتلنديُّون، مما أكسبه إعجاب هؤلاء الرحَّالة الذين كان يقوم بخدمتهم، حتى أثنوا على عطائه وأشادوا بإخلاصه وذكائه. لقد ترك سليم صورتين في هذه الحياة: الخير المتمثِّل في كل أعماله وإنجازاته التي قد لا تتحقق لولا وجود من كانوا ذوي ضمائر حيَّة. أما الصورة الأخرى، التي نجدها في الشر المستطير، فتتمثَّل في من قاموا ببيعه وتعذيبه! ولقد وقع الحزن الأكبر على قلب أمه التي افتقدته فقداً أبديَّاً. لم يبق لنا من نافلة القول إلا أن نعلن أنَّه لا بأس على الاعتراف بجهود هذا الرجل الذي كدَّ وجدَّ ووقف سدَّاً منيعاً لظلم الحياة وأخيه الإنسان له.
المراجع والإحالات
(1) من الواضح أنَّ سليماً لم يكن اسمه سليماً، ولم يكن اسم والده أغا، لأنَّ الأسماء النُّوباويَّة الأفريقيَّة معروفة. أما إذا كان الصبي وأهله قد استعربوا فهذا أمر آخر. بيد أنَّ اسم أغا ذاته لا عربيَّاً ولا سودانيَّاً (أنظر المصدر السادس أدناه). فأسماء المناطق الطبيعيَّة والأشخاص في جبال النُّوبة تعرَّضت للتغيير نتيجة للتعريب أو اعتناق السكان الأصليين الدِّيانة الإسلاميَّة. (2) كانت انتفاضة الماو-ماو أو ثورة الماو-ماو شعلة الصِّراع العسكري، الذي وقع في كينيا بين الأعوام 1952-1960م. وقاد الثورة مجموعة إثنية الكوكويو المهيمنة بقيادة زعيم الثوار ديدان كيماثي (1920-1957م). لقد اعترفت الحكومة الكينية رسميَّاً في دستورها، التي أجازته في العام 2010م، بكيماثي وزملائه ثوار الماو-ماو أبطالاً في النضال من أجل استقلال كينيا. (3) J McCarthy, Selim Aga: A Slave’s Odyssey, 2006. Luath Press Limited, Edinburgh, UK. (4) الدكتور قندول إبراهيم قندول، مدخل لدراسة قبيلة روفيك (دميك)، الحياة الاجتماعيَّة والثقافيَّة والدينيَّة، جبال النُّوبة – السُّودان، 2015م. مطابع (م.بي.جي)، لندن. (5) J McCarthy, Selim Aga: A Slave’s Odyssey, 2006. Luath Press Limited, Edinburgh, UK. (6) الأغا كلمة تركيَّة من المصدر "أغمق"، وتعني الكبر وتقدُّم السن، وقيل إنَّها الكلمة الفارسيَّة "أقا" وتُطلق في التركيَّة على الرئيس والقائد وشيخ القبيلة والخادم الخصي. أما أغاسي فهو كبير الخدم؛ وأغوات: جمع أغا. أما أغوات الأندرون فهم عبيد أو أخدام الأندرون، والأندرون اسم يُطلق على ما وراء باب السَّعادة، وهو الباب الثالث لقصر السلطان العثماني حسين مجيب. أنظر كتاب أحباش مصر بين الرِّق والانعتاق في القرن التاسع عشر، إعداد نوريس محمد سيف الدِّين، مكتبة الأنجلو-المصريَّة، القاهرة، 2009م، الهوامش في صفحتي: 99 و116. (7) J McCarthy, Selim Aga: A Slave’s Odyssey, 2006. Luath Press Limited, Edinburgh, UK. (8) J McCarthy, Selim Aga: A Slave’s Odyssey, 2006. Luath Press Limited, Edinburgh, UK. (9) Aga, S, Incidents Connected with the Life of Selim Aga, A Native of Central Africa, Aberdeen, 1845; London, 1850. (10) الرجلان هما الرحَّالة الألماني الدكتور إدوارد فوجل الذي قتل في منطقة ودَّاي الواقعة إلى الشرق من بحيرة تشاد، والعريف ماقواير الذي قتل وهو في رحلته إلى بلاده حاملاً بعض الرسائل الإخباريَّة من فوجل. (11) J McCarthy, Selm Aga: A Slave’s Odyssey, 2006. Luath Press Limited, Edinburgh, UK. (12) A Bishop, "The Rights of Black Men", and the American Reaction to the Haitian Revolution"; The Journal of Negro History, Vol 67, No 2, Summer 1982, pp.148–154. Washington, DC, USA. (13) J D Popkin, A Concise History of the Haitian Revolution, 2012, John Wiley and Sons. New York, USA. يعتبر توسان من أفضل قادة ثورة هايتي. لقد أدت فطنته العسكريَّة والسياسيَّة إلى تحقيق مكاسب للثوَّار العبيد في العام 1791م. لقد كان ل"توسان" دور بارز في انتصار هايتي على الاستعمار والعبوديَّة، مما أكسبه إعجاب الأصدقاء والمنتقدين على حدٍ سواء. وعلى الرغم من أنَّ توسان لم يقطع علاقاته مع فرنسا، إلا أنَّ أفعاله في العام 1800م كانت قد قادت إلى تأسيس "مستعمرة مستقلة"، وبناءً على دستور هذه المستعمرة المستقلة، أعلن نفسه ملكاً لها مدى الحياة ضد رغبات نابليون بونابرت. توفي مغدوراً خلال نزاع مسلَّح عنيف في الجزيرة. ومع ذلك، أرست إنجازاته الأسباب الكفيلة للنَّصر المطلق للجيش الأسود، مما أتاح ل"جان جاك ديسالين" إعلان هايتي دولة مستقلة ذات سيادة في يناير/ كانون الثاني العام 1804م.
أبرز عناوين سودانيز اون لاين صباح اليوم الموافق 11 مارس 2017
اخبار و بيانات
- يوم للصلاة بجنوب السودان وسلفاكير يطلق سراح المعتقلين
- المؤتمر الوطني يشكل لجاناً لإيصال المساعدات لمواطني دولة جنوب السودان
- اليابان تعلن سحب قواتها من جنوب السودان
- عشرات المستشارين يطعنون لدى المحكمة ضد فصلهم من العدل
- صلاح إدريس: الكاردينال لن يترشح للهلال بالقانون
- شول موين: الحكومة القادمة مسؤولة عن تطلعات الشعب السوداني
- إحباط محاولة تهريب سبائك ذهب عبر مطار الخرطوم
- حزب الأمة : تعيين رئيس وزراء ( خل قديم )
- جوبا تستبعد حركة مشار من الحوار الوطني
- منظمة سند الخيرية تفوج قافلة دعم لـتغطية احتياجات عاجلة لـ (1500) أسرة لاجئة من دولة جنوب السودان
- عصام البشير: البقاء في المناصب لمدة طويلة يقود للفتنة
- رئيس الوزراء يدعو إلى تنسيق دولي لكسر شوكة الإرهاب
- السودان يفوز بمنصب رفيع بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
- وزير المعادن : شركات أمريكية وكندية ترغب في الاستثمار في قطاع المعادن
- السودان يفوز بمنصب نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
- إجتماع عاصف ..واستباق للمؤتمر العام
- بمشاركة السودان مؤتمر مشروعات الشراكة الهندية الافريقية يختتم أعماله بنيودلهي
- الأمم المتحدة: تفشي وباء الكوليرا في جنوب السودان
- ناشطون يطلقون مبادرة لوقف زواج القاصرات ناشطون يقرعون الأجراس لخطورة زواج القاصرات
- الشرتاي جعفر عبد الحكم: رضا الله والشعب سبب بقائنا في الحكم
- احمد محمد هارون :زيارة الشيخة موزا لشمال كردفان غدا تمثل دعما لقطاعات التعليم والشباب والأطفال
- نقل جزئي لخطوط المواصلات من موقف (كركر) إلى (شروني)
- قيادات ليبية: الأهالي ضاقوا ذرعاً بمرتزقة العدل والمساواة
- الإمدادات تقاضي شركة كبرى بتهمة سرقة كميات من الأدوية
- دعا لعدم مكوث الوزراء فترات طويلة في السلطة رئيس مجمع الفقه يدعو الحكومة للاهتمام بمعاش الناس
- الجبهة الثورية السودانية ترحب بإطلاق سراح الأسرى وتعتبرها خطوه في الاتجاه الصحيح
اراء و مقالات
الروائيون السودانيون والمثابرة في العطاء بقلم صلاح شعيبجهاز الأمن و المخابرات و حورات حول الحرية و الوطن بقلم زين العابدين صالح عبد الرحمنالشعب المصري والسوداني..الاختلاف الجذري بقلم د.آمل الكردفانييمنح ويتنازل!! بقلم الطاهر ساتي تهافت الملاحدة (4) بقلم د. عارف الركابي أردوغان: سلطان إمبراطوريّة عثمانيّة وهميّة بقلم أ.د. ألون بن مئيــرمحادثات الآستانة بارقة أمل جديدة أم مجرد محطة عابرة؟ بقلم د. احمد عدنان المياليألماظ.. جيفارا الإسلاميين..! بقلم عبد الله الشيخثمن (لفت النظر لقضية وطنية) بقلم عثمان ميرغنيالعنوان الخطأ ..!! بقلم عبدالباقي الظافرحسن الخاتمة !! بقلم صلاح الدين عووضةدافِعوا عن ثقافتكم أيُّها الناس بقلم الطيب مصطفى ( دولة الجنوب ) وعيد 3 مارس المفقود .المعلمون : إحذروا غضب الحليم!! بقلم حيدر احمد خيراللهعرفانا ومحبة في عيد المرأة بقلم د. أحمد الخميسيالسودان المنكوب الجريمة والعقاب فقدان الذكور وضياع الأناث في زحمة الشهوة الجنسية بقلم محمود جودات (إهداء لآل ألمك سويكت و الأمين فرح (الأرباب بقلم عبير المجمر (سويكت)السودان الي الهاوية...!!! بقلم الطيب محمد جاده
المنبر العام
الوطني : رضا الله والشعب سبب بقائنا 27 عاما في الحكممقترح شبكة رقية صلاح للصرف الصحي وليكن موتها حياة (2)مملكة الكراهية: السعودية والإرهاب العالمي تنبيه .. للمسافرين عبر مطار القاهرة الدولي نتائج فحص الفواكهة المصرية سلمت لمجلس الوزراءسودانيات في احضان شعب الشام وشكراً عمر حسن البشير شكراً الانقاذيوميات حافلةرأي بعض فقهاء الأمة حول مقترح التعديلات الدستورية المتعلقة بالزواج..شوقى بدرى يكتب: البشير ... عندما يحكمنا البلهاء منااهلا بالكاتب والروائي دكتور ابكر ادم اسماعيل والصحفى الحكواتى عثمان تراث بيكم الدوحة نورت المطلوب : إسلام جديد يصلح لبشرية القرن الحادي والعشرين ..داعش عرض لفهم من الاسلام غادة السمّان: سأواصل إضرام الحرائق! عن أدب البوح ورسائل أنسي وذَهَب بيروت=حوارالتحدي الكبير الذي يواجه المسلمين.. الألمان في أم بدة!!.. بقلم سهير عبد الرحيمالسودانية حاجه عثمان.. قائدة طائرات تكسر احتكار الرجلالبوست الاخباري لليوم الحكومة الصينية تمنح السودان (300) مليون يوان(الشعبية) و(العدل والمساواة): الحكومة السودانية ما زالت تحتجز أسرى للحركاتفي رثاء آخر نسخ"الحركيةالإسلامية" انتهى الدرس ... فهل من معتبر؟! بقلم: خالد التيجاني النور
|
|
|
|
|
|