"تربصت" بجريدة الميدان لأراها إن كانت ستنعي المرحوم الرفيق ماجد بوب (علبوب) أم أنها ستتداغل كعهدي بها: فلا يستحق الشيوعي خارج حزبهم الذكر حياً أو ميتاً. وانشرحت نفسي حين وجدت جريدة الحزب تخص المرحوم بكلمة رثاء مؤثرة وبصورة له سمحة. ولا أستحي من قولي "تربصت" لأن الشيوعيين "قادين" دماثة في خبرتي الطويلة معهم. ولا افتري. وعاد بي تربصي إلى يوم من عام 1989 عابت فيه الميدان بحق آل علبوب. وهو عيب عجيب نشرت عنه كلمة في بابي "ومع ذلك" بجريدة الخرطوم (11 يناير1989). ولابد أن نستبشر جميعاً بأن الحزب الشيوعي قد شب عن طوق الخصومة الكأداء. لم يكسب منها، أقله. فلنقرأ النص القديم للذكرى.
لا أدري أن كان الشيوعيون يهتمون بصورتهم كحزب وكبشر ويراجعونها على ضوء وثيقتهم المثيرة المسماة (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير) التي كتبها أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب في أوائل الستينيات. وهي وثيقة أراد بها عبد الخالق أن يوطن الأداء الشيوعي في سياق مثل توقعات المجتمع السوداني منا من غير تحلل أو تهافت على الإرضاء. تواترت مؤخرا شكاوى عديدة عن جفاء الشيوعيون واستعلائهم على مقتضيات أدب الصحبة والفراق. فقد كتب السيد مبارك أحمد صالح المحامي (السياسية 31/12/1987) ينبه في مناسبة وفاة المرحوم على الياس المحامي إلى ضروب الأذى التي لحقت بالمرحوم من جراء عنت الشيوعيين. وكتب د. يوسف ألياس (الأسبوع 24/12/1988) يلوم (الميدان) على صمتها عن نعي المرحوم عمر مصطفى المكي الذي ترأس تحريرها في سنوات 64-66. وقد جعل السيد عبد العزيز الجنيد من جفاء الشيوعيين لرفاقهم السابقين وغير السابقين مادة تخصص للهجوم على الحزب الشيوعي في جريدة "الراية". من حق الشيوعيين أن لا يغفروا ولا ينسوا الرفيق السابق الذي يعتقدون أن فكره وسلوكه قد ألحقا ضرراً بالغاً بحزبهم وكادرهم. ولكن الصمت عن النعي ليس ذهبا كله. فالنعي تاريخ بمعنى ما: إي أنه تقويم لحياة اكتملت بالموت. وهو على خلاف ما تعودنا ليس كله مدحاً وتباكياً على " دماثة الخلق" وهلمجرا. فهو نظر فيه مجال للمؤاخذة أيضاً. وحياة هؤلاء الرفاق المغضوب عليهم قد اشتبكت بتاريخ الحزب شاء الشيوعيون أو لم يشاؤوا. فإذا أخفق الحزب في التعرف على جدل هذا الاشتباك لا يكون قد سقط في اختبار (دماثة الخلق) فحسب بل في شغفه بالتاريخ وحسه به. ويستطيع القاري أن ينظر في نعي السيد التجاني الطيب، رئيس تحرير الميدان، للمرحوم عبد الله رجب (عدو الشيوعيين المثالي في الستينات) ليعرف أن النعي جنس من الكتابة يسع العرفان والأخذ معاً. أزعجني حقاً المدى الذي ذهب إليه الشيوعيون في عدم توقير الموت. فقد قرأت للتحالف الديمقراطي بالديوم كلمة في نعي المرحوم محمد على بوب (والد المرحوم ماجد). وعدد النص أولاد الفقيد غير أنه أغفل عن ذكر بابكر محمد على بوب بالمرة. وددت لو كان هذا الإغفال سهواً. ولكن مما يقلل من هذا الاحتمال حقيقة أن بابكر بوب كان من ضمن الذين انقسموا من الحزب في 1970.م ولو صح حدسي هذا يكون الحزب الشيوعي بالديوم قد بلغ الغاية في الجفاء. فالصمت عن التاريخ محتمل إلى حين أما تزوير حقائق البيولوجي (علم الأحياء)، بإنقاص أبناء المرحوم ولداً لعقوقه عن الحزب، فذلك درك في الخلق. علمت أن وثيقة (إصلاح الخطأ) قد طبعت للمرة الثانية. وبذا توفرت كلمة مهمة يحتاج إليها الشيوعيون في ورطتهم مع أدب الصحبة والفراق. ولكن بقي أن يتوفر للحزب الشيوعي الوجدان الذي أملى على عبد الخالق ذلك المكتوب لكي يتسرب الحزب إلى مسام الشعب ورقائق نبضه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة