حينما هبط الرئيس التونسي من سقف الباخرة السياحية كان يردد كلمة أنا مبهور.. بلا شك تمكن الدكتور منصف المرزوقي من التقاط صورة مقطعية واضحة لبلادنا عقب زيارته الأخيرة للخرطوم.. المرزوقي أكد في محاضرة ألقاها بقاعة الشارقة بالخرطوم أنه تأثر في رؤيته بعدد من السودانيين من بينهم الأستاذ عبد الخالق محجوب والمفكر محمود محمد طه والشيخ الترابي.. لكن تجواله بالخرطوم في خاتمة كرنفال جائزة الطيب صالح جعله ينظر لأحوال بلدنا بشكل إيجابي. لم يكن منصف المرزوقي وحده في الخرطوم فقد كان واحداً من عدد من نجوم الفكر والأدب من مصر والمغرب وتشاد والنمسا وسوريا.. كلهم جاءوا من أجل ذكرى الطيب صالح الذي بات صدقة جارية تصب في ماعون السودان.. رغم رحيل أديبنا الكبير إلا أن أثره مازال باقياً.. ليس في خواطر أهل السودان وحدهم بل في سائر أرجاء الإقليم الكبير.. تمكن الطيب صالح عبر سلاح الكلمة أن يجعل وطنه حاضراً في كل المحافل. شعرت بالجهود حينما اقترح الأديب المصري محتاج الجيّار أن تنتقل فعالية إعلان جائزة الطيب صالح إلى عواصم عربية متفرقة.. الاقتراح فضلاً عن كونه يعلِّي من قامة أديبنا المديدة كما أنه يجسد حياة الراحل الذي كان يحتفي بالترحال.. تارة تجده في مهرجان الجنادرية بالمملكة السعودية ثم يشد الرحال إلى مربد العراق.. أما الدوحة القطرية فقد كان يطيب له فيها المقام.. حيث يعود إلى مقر إقامته في بلاد من بردها تموت الحيتان.. كما أن وجاهة الاقتراح تكمن في إثبات عالمية الأديب الطيب صالح. لابد من الإشارة الذكية من شركة زين التي جعلت من ذكرى الطيب صالح مهرجاناً راتباً.. المؤسسات المحترمة تختار بعناية الشخص الذي تكرمه.. لأن الاختيار الذكي يعني أن المؤسسة تكرم ذاتها.. وفقت شركة زين في اختيار الطيب صالح باعتباره رمزاً عالمياً يحظى بإجماع كبير.. المبادرة تفتح سؤالاً عن إحجام مؤسسات القطاع الخاص الأخرى التي تحجم عن دفع القيام بأي واجبات في إطار المسؤولية الاجتماعية.. أهمية مبادرات القطاع الخاص أنها تعبر عن المجتمع المدني وتتمتع باستقلالية كبيرة.. مثلاً مبادرة رجل الأعمال البريطاني السوداني محمد إبراهيم المكنى بمستر مو في إطلاق جائزة الحكم الراشد تكمن عظمتها في أن الجائزة جاءت من مؤسسة غير حكومية.. من هنا تكتسب مبادرات القطاع الخاص الأهمية. في تقديري أن كل الذين استجابوا لمبادرة شركة زين في تخليد ذكرى الطيب صالح سيكونون سفراء لصالح السودان.. سيتمكن هؤلاء من الإدلاء بشهادة غير مجروحة كونهم زاروا السودان والتقوا برموزه.. إن لم تتمكن هذه الشهادات من تحسين الصورة الذهنية فستنجح في التشكيك فيها.. العالم يعتمد على تشخيص بلادنا في صورة لا تأخذ بتنوع المجتمع السوداني.. كل زوايا الصورة مأخوذة من المشهد السياسي المتنافر والمتصارع. بصراحة.. مطلوب من الحكومة أن تتخذ حزمة من الإجراءات تمكِّن المجتمع ومؤسساته من العمل بيسر وسرعة من أجل عكس صورة السودان الحقيقية.. مباراة كرة قدم قد تنجح في إعادة الاعتبار لبلد.. فيلم سينمائي ربما ينجح في مهام تعجز عنها الدبلوماسية الرسمية.. أطلقوا سراح المجتمع سيولد ألف فكرة جميلة. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة