أمرٌ غريبٌ حقاً ومُثيرٌ للدَّهشة.. ليلة أمس الأول خلت شوارع الخرطوم بمدنها الثلاث من الحركة.. حتى شارعي النيل في الخرطوم وأمدرمان خليا من الزحام المسائي المُعتاد لطالبي مُتعة استنشاق أنفاس النيل.. الجميع التزموا بيوتهم ليُتابعوا نهائي كأس الأمم الأفريقية بين منتخبي مصر والكاميرون. حسناً؛ جميلٌ أن نهتم باهتمامات قارتنا الشّابّة.. وانتهت المباراة كما تعلمون.. نالت الكاميرون شرف البطولة.. وفازت مصر برضاء الجميع عن أدائها في هذه البطولة. من وحي مُتابعتي بعد ذلك لردود الفعل، أستطيع القول بكل يقينٍ، إنّ غالبية كاسحة من الجمهور السوداني كان (ضد) المنتخب المصري.. بكل أسف.. لم أقل إنّهم (مع) المنتخب الكاميروني.. لأنّي أحسست أنّ الوضع كان في حالة (ضد) بلا اعتبار للطرف الثاني.. بمعنى لو كان في النهائي منتخب غانا.. أو تونس.. أو السنغال.. يظل الوضع على ما هو عليه.. (ضد) المنتخب المصري بغض النظر عن الطرف المُنافس. صحيحٌ كلنا أفارقة ولا حرج أن يُشجِّع أحد أيِّ فريق أفريقي بلا تمييز.. لكن لماذا الاحتشاد الجماهيري (ضد!) المنتخب المصري؟! في الماضي الصورة كانت مُختلفة تماماً.. كل الجمهور السوداني (مع) المنتخب المصري ضد أيِّ فريق آخر مهما كان.. عربياً أو أفريقياً، فما الذي تبدّل؟! في تقديري، الأمر يستوجب النظر والتقصي العميق ليس من باب (كرة القدم)، بل بنظرة استراتيجية حَصيفة.. تمعن التحديق في (مُتغيِّرات) العلاقة الشعبية بين السودان ومصر.. هناك مُشكلَة حَقيقيّة لا ينفع الهروب منها والتواري خلف المُجاملة والنفاق المُهدر لرجاحة العقل. ربما يجد البعض إجابة حاضرة سَهلة مُعلّقة في شماعة (الإعلام) من الجانبين.. إنه أهدر خُصُوصية الأواصر وأتلف وجدان وادي النيل.. خَاصّةً الإعلام المصري (الرنّان). وقد يجد البعض إجابة أسهل في شماعة (السياسة) التي ظلّت ترهن المشاعر الشعبية لتوتراتها وإحنها وفتنها و(مزاج) السَّاسة المُتقلِّب. لكني أرى أنّ الأمر (أعمق) من ذلك، بل وأخطر..!! غالبية كاسحة من المرضى السُّودانيين يُفضِّلون البحث عن الطب المصري.. وحتى السياحة الترويحية.. حوالي (7) طائرات يومياً بين مطاري الخرطوم والقاهرة وبالكاد يستطيع المسافر أن يجد فيها مقعداً.. وأعدادٌ كبيرةٌ من الأشقاء المصريين يدخلون بلا تأشيرة ويعملون في السودان بكل اطمئنان.. ومع هذا يظل الإسراء المُتبادل بالجسد لا بالروح.. كل هذا التماس المُباشر لم يُغيِّر من حقيقة كون الحالة الشعبية بين طرفي وادي النيل في موقع (ضد) معنوياً على الأقل.. ما السبب؟؟ خُطورة مثل هذا الوضع تتعدّى المصالح الثنائية المُباشرة وتضرب بشدة المُستقبل الاستراتيجي للبلدين، فالعلاقة بين السودان ومصر ليست مجرد (حُسن جوار) عادي مُرتبط بالواقع الجغرافي الذي فرضه القدر فحسب، بل هي جُزءٌ من منظومة إقليمية غاية في الحساسية الاستراتيجية تتعدّى السودان ومصر إلى النطاقيْن العربي والأفريقي. من الحكمة التبصُّر بهذه القضية المُفجعة وتصميم مُعادلة موضوعية لعلاجها بأعجل ما تيسّر. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة