استمتعنا بمحاضرة عالية القيمة والفائدة، قدمها الباحث والموسيقي الدكتور كمال يوسف في ندوة العلامة عبد الله الطيب عن شعر الفصحى والغناء والموسيقى في السودان، طوف خلالها على حدائق الغناء السوداني- قديمه وحديثه- منتقياً درر أغنيات الفصحى التي قدمها فنانون سودانيون. أهتم منذ مدة بهذا الضرب من الغناء السوداني، وراجعت الأستاذ السر قدور في كون أن أغنية "عروس الروض" التي غناها زنقار للشاعر اللبناني المهجري إلياس فرحات، هي أولى أغنيات الفصحى التي غناها السودانيون، فقال لي مستنكراً "أعبدة... مالا؟" يقصد قصيدة "أعبدة ما ينسى مودتك القلب.. ولا هو يسليه رخاء ولا كرب"، للشاعر عمر بن أبي ربيعة، والتي كان ينشدها الشاعر والفنان خليل فرح، جادلته أنها إنشاد، وليس غناء، فأجاب بإصرار أن الإنشاد غناء. وقد فاجأني الدكتور كمال يوسف أنه ما أن بدأ محاضرته عن غناء الفصحى حتى افتتحها بتسجيل لإنشاد خليل فرح لقصيدة "أعبدة"، باعتبارها أولى الاستشهادات المسجلة- على الأقل- لغناء الفصحى، ثم أعقب ذلك بأداء زنقار الباذخ لقصيدة "عروس الروض". وقد قسم استشهاداته إلى ثلاثة أجزاء- الأول عن أغنيات التراث العربي القديم، التي غناها سودانيون، ومنها "أراك عصي الدمع" لأبي فراس الحمداني، التي غناها كابلي، ويتيمة يزيد بن معاوية، "وأمطرت لؤلؤا" للكابلي- أيضا- وموشح "أيها الساقي إليك المشتكى" لابن زهر، غناها التاج مصطفى، وغيرها كثر. وكان الجزء الثاني عن قصائد لشعراء عرب معاصرين، ومنها "عروس الروض" لإلياس فرحات، و"الصباح الجديد" لأبي القاسم الشابي، التي لحنها الفاتح الطاهر، وغناها حسن سليمان، و"داوي ناري والتياعي" لإبراهيم ناجي، غناها زيدان إبراهيم، ويا حبيبي ظمئت روحي، التي غناها العاقب محمد حسن، وغيرها. ثم انتقل إلى الجزء الثالث لأغنيات الفصحى لشعراء سودانيين من لدن التجاني يوسف بشير، الذي غنى له عثمان حسين ملحمته "محراب النيل"، وسيد خليفة "طرير الشباب"، ثم إدريس جماع وغنى له سيد- أيضا- "ربيع الحب"، و"غيرة"، وغنى كابلي للأخوين تاج السر الحسن "آسيا وأفريقيا"، وللحسين الحسن "حبيبة عمري"، وتوقف كمال يوسف كثيراً عند أغنية "يقظة شعب" لمرسي صالح سراج، التي وصفها بأنها ملحمة وطنية، ثم أغنية "مرحباً يا شوق" لجيلي عبد المنعم، كما يشكل أبو داؤود مدرسة متفردة في أغنيات الفصحى، وفي الإنشاد. لم يكن ممكناً حصر كل أغنيات الفصحى، إنما الممكن تقديم نماذج؛ فهذا كتاب كبير جداً، وأضاف كمال يوسف لنا كثيراً حينما قدم تحليلاً موسيقياً لبعض الأغنيات، وكيف طوع الفنانون السودانيون هذه القصائد إلى التركيبة النغمية السودانية، حتى أن بعضهم ألحق بها الكسرة القديمة التي كانت لازمة لأية أغنية سودانية. من أهم ما أشار إليه الباحث الموسيقي كمال يوسف هو قدرة هؤلاء الملحنين والفنانين على اختيار وتذوق وأداء هذه القصائد رغم أن معظمهم لم يكونوا من المتعلمين، أو ذوي تعليم محدود، فانظر ماذا فعل حميدة أبو عشر، وإبراهيم الكاشف في أغنية "روضتي الغناء"، وصعدا بها إلى ذرى عالية من الإمتاع والطرب، الفطرة السليمة، والموهبة العالية فتحت لهؤلاء أبواباً من الإبداع حلقت بهم في سماء الفن، فما أسعدنا بهم. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة