أثار حديث المبعوث الأمريكي دونالد بوث الأخير ضجة كبيرة في الأسافير وردود فعل متفاوتة، خاصة مارآه البعض بأنه كان قاسياً جداً على المعارضة، وبالذات الحاملة للسلاح، فيما بدا حديثه عن الحكومة السودانية إيجابياً. كان المبعوث يتحدث في جلسة عقدها معهد السلام الأمريكي، هي بمثابة خطبة الوداع لدونالد بوث الذي انتهت فترته مع انتهاء أجل ولاية الرئيس أوباما، حيث من المنتظر أن تقوم الإدارة الجديدة تعيين من تراه مناسباً لتولي الملف. استلم بوث المنصب بعد تعيينه في أغسطس عام 2013 خلفاً للسفير ليمان، وكانت بداياته محاولة تطبيق الاتفاقات التي وقعها السودان وجنوب السودان لإنهاء النزاع بينهما، ثم انخرط في محاولات التفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة في منبري دارفور والمنطقتين. وجه بوث نقداً لاذعاً لقيادات جنوب السودان، لم يستثنِ لا كير ولا مشار ولا غيرهما، ووصفهم بعبارات قاسية جداً، ثم انتهى في الجزء الثاني من حديثه للسودان، واتهم قادة الحركات المسلحة بأنهم يقدمون طموحاتهم السياسية على مصلحة المواطنين المدنيين. ثم انتقل للحديث عن رفع العقوبات، والمدهش أنه رفض ربط ذلك بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وقال إن ذلك لم يكن السبب الرئيسي، لكنه لم يستطع أن يقدم مبرراً أقوى. حمل حديث بوث إشادة مباشرة بالحكومة السودانية لجهة التزامها بعدم تصعيد العمل العسكري، وتقديم التسهيلات للمنظمات الدولية، وحدد بدء مسيرة الحوار بين البلدين بزيارة غندور لواشنطن عام 2015. ثم تحدث عن خمسة مسارات للتعامل بين البلدين معدداً النجاحات التي تحققت. دعنا نورد جملة من الملاحظات، أولها أن المبعوث لم يحقق نجاحاً في مهمته التي قال إن الرئيس أوباما لخصها له في جملة واحدة "نريد أن نرى الدولتين تعيشان في سلام داخلي وفي سلام مع بعضهما البعض". لم يتحقق السلام في جنوب السودان، ولا في السودان، ولم يصل البلدان لمرحلة بناء سلام وعلاقة مستقرة بينهما. ثانياً أن المبعوث بوث وهو يقدم جرد حساب لمهمته كان يتصور، محقاً، أنه مطالب بتقديم مبررات لعدم نجاح المهمة، ومن طبيعة البشر أن يبحثوا عن الأخطاء عند الغير، رغم أن الرجل قال بعضمة لسانه "إننا ارتكبنا أخطاء". ثالث الملاحظات أن آخر ورقة لعبها الرجل وكان يريد أن يختم بها مهمته هي الاتفاق على إيصال المساعدات الإنسانية للمنطقتين، وقد أفسدت عليه الحركة الشعبية- شمال، بهجة أيامه الأخيرة برفضها المقترح الذي قدمه. وقد كتبت بالأمس ناقداً رفض الحركة للمقترح، وإن كنت أتصور أن الحركة لم ترغب في إعطاء بوث أي نصر في الدقيقة النهائية، وفضلت أن تنتظر لترى كيف تتصرف الإدارة الجديدة، ومن الطبيعي ألا يسعده هذا الموقف. رغم هذا بدا الرجل، وهو يقدم نصائحه للإدارة الجديدة، أكثر تفاؤلا بإمكانية تحقيق تقدم في الأوضاع في السودان من جنوب السودان. ولم يغفل عن الإشارة إلى أن فترة الستة أشهر هي للتقييم والمتابعة وأن الإدارة الجديدة تستطيع أن تأخذ موقفها نتيجة للتقرير الذي سيقدمه وزير الخارجية الجديد في يوليو القادم حول مدى التزام الحكومة بتحقيق تقدم في المسارات المتفق عليها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة