في عام 1784 أجاب إيمانويل كانط على سؤال ماهو التنوير؟ قرر كانط أن التنوير هو تحرير الإنسان من الوصاية والتبعية ، حيث يركن الإنسان الى الاستسلام لعقل آخر سواء كان دينيا أم إيدولوجيا ، وربما تثير فكرة الوصاية هذه نقدا ومنازعة من قبل الدينيين باعتباره خروجا على النظام الإلهي ، وإذا أسقطنا الحركة التنويرية على العالم الإسلامي فسنجد مناهضة واسعة ضد التنوير. في الواقع لا يوجد صدام حقيقي بين التنوير والإسلام ، بل صدام بين التنوير ومفاهيم المذاهب والحركات الإسلامية ؛ أي أنه صدام ابستمولوجي معرفي وضعاني ، وليس صداما بين العقل واللاهوت ، إنه صدام بين عقل وعقل وليس بين الله والعقل. ذلك أن الإسلام به مصدر أساسي تستقى منه الأحكام وهو القرآن ومصادر فرعية أساسية كالسنة وفرعية وضعية كالقياس والاجماع وخلافه . لكن الأساس هو الخطاب المباشر من الله وهو القرآن وهو خطاب يمكننا أن نجد فيه نصوصا كثيرة تدعم فكرة كانط من الخروج من التبعية والوصاية الاجتماعية والثقافية تقصر السانحة هنا عن طرحها. إذا فالتنوير لا يصطدم بالدين ، بل بمفاهيم المذاهب والفرق الدينية ، خاصة تلك التي تكرس لفكرة تحويل الإسلام من دين ليبرالي إلى دين مؤسسي بيروقراطي أي تقريبه من النهج المسيحي الكلاسيكي . يشتغل التنوير في قضايا الوصاية الاجتماعية ، حيث يخضع (بضم الياء) الفرد نفسه ﻷنظمة سوسيولوجية صارمة تتشكل من العادات والأعراف والتقاليد وقواعد المجاملة ونسق التفكير الجمعي ، وبالتالي ننتقل الى حالة التماس الاجتماعي الثقافي أي اشتغال التنوير على النسق المعرفي للفرد لكي لا يجاري النمط الخطي للتفكير المجتمعي. ويشتغل التنوير في مسارات عدة أدبية وفنية كالمسرح والرواية والفيلم والرسم والهندسة المعمارية والتصاميم ...الخ وفي الفكر السياسي والاقتصادي حيث يعمل التنوير على تحرير العقل الانساني من الجمود والتبعية. وبالتالي يتقارب التنوير مع الليبرالية ويكاد يندمج بها ؛ ﻷن الليبرالية تعترف بالحرية الفردية وتغذيها والتنوير يغذي الحرية الفردية بالقدرة على الانفلات والابداع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة