37 زائر 30-12-2016 admin كنتُ قد عرضتُ عدة مقالات للعلامة الشيخ محمد الغزالي.. أحد رواد مدرسة الوسطية في الإسلام، وها أنذا أواصل نشر بعض الحوارات التي أجراها الأخ الطاهر حسن التوم مع د. عصام البشير الذي أعتبره أكبر مفكري الوسطية في العالم في الوقت الحاضر. وسأعرض كل جمعة بعضاً من القضايا الفكرية التي يثور الجدل حولها من وجهة نظر ورؤية د. عصام الذي يحتل الآن مركزاً مرموقاً في اتحاد علماء المسلمين برئاسة العالم النحرير د. يوسف القرضاوي. نحن أمام نص غير منضبط، فإذا كان الاختلاف رحمة – كما قيل – فإن الاجتماع عذاب، فكيف نقول بأن الاختلاف رحمة ونحن نذم الاختلاف نفسه، ونقول إن الدين يدعو إلى عدم الاختلاف؟.. فما هو الفرق بين الخلاف والاختلاف؟ الاختلاف نوعان: اختلاف مذموم إذا كان قائماً على الهوى والجهل والبغي، أو اختلاف يؤدي إلى الفشل وذهاب الريح، أو يمزق الأمة.. مثلاً الدعوة إلى العصبيات العرقية والمذهبية يعني التعصب، خلاف يؤدي إلى تعصّب بحيث كل طرف يتخندق أو يطلق التكفير والتضليل والتفسيق على المخالف. أما النوع الثاني ففيه رحمة، والدليل على أنه رحمة إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم وهو الذي بعث رحمة للعالمين، ولو كان هذا النوع يعتبر من الخلاف المذموم لمنعه، وبعض المفسرين لقوله تعالى: (ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) (هود، الآيتان: 118، 119) قالوا: للاختلاف والرحمة خلقهم. هذا اختلاف إذا اجتهد فيه الإنسان فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر، يؤجر لسعيه في تحري الحقيقة ولو أخطأ وجه سبيلها، وهذا كله دليل على ما نقول.. ويقول إذا أصاب وإذا أخطأ، فلو كان الاختلاف كله مذموماً لجعل الخطأ إثماً يذم فاعله، ولكنه دليل على سعة الشريعة. ولم نجد في عصر الصحابة والقرون الفاضلة المشهود لها بالخير والإيمان من ضاق ذرعاً بهذا الاختلاف في يوم من الأيام، والذي يضيق ذرعاً به فلضيق علمه ولضيق عقله ولأنه يريد أن يحمل الناس كلهم على مركب واحد، وهذا متعذر، فقد اختلف العلماء قديماً وسيختلفون في عصرنا، وسيظل الخلاف قائماً إلى يوم القيامة، وهذا لا يضر إذا رعيت آدابه وهي أن نحفظ الحق والود والتراحم لبعضنا، وأن هذا الخلاف هو سعة في الدين والتيسير. هناك ثلاثة أسباب موضوعية باعثة على الاختلاف أو على إمكانه. السبب الأول: طبيعة نصوص الدين: (أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (سورة آل عمران، الآية: 7). السبب الثاني: طبيعة اللغة التي نزل بها الدين، واللغة فيها الحقيقة والمجاز والخاص والعام والمطلق والمقيد وما يخبئ العبارة وما تدل عليه الإشارة.. هذا كله يحتمل. السبب الثالث: طبيعة النفس البشرية. مثلاً سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه كانت طبيعته لينة، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه طبيعته شديدة، وفي أسرى معركة بدر قال سيدنا أبوبكر قولاً متفقاً مع طبيعته بأنه كان يتمنى الفداء والمن، قال: (القوم قومنا ونحن أحوج إلى المال، ولعل الله يهديهم). في حين كان سيدنا عمر يرى جزّ الرقاب وذلك متفق مع طبيعته، والنبي صلى الله عليه وسلم ما عنّف على هذا أو ذاك، ورغم أنه كان يميل نفسياً إلى قول أبي بكر، لكن لم يقل لهم إن الحق واحد، ونزل القرآن، والقرآن يأتي مرجحاً لقول من الأقوال، فشبّه قول أبي بكر بقول عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) (سورة المائدة 118)، وشبه أيضاً قول أبي بكر بقول إبراهيم عليه السلام: (ومن عصاني فإنك غفور رحيم) (سورة إبراهيم، الآية: 36)، وشبّه قول عمر بقول نوح عليه السلام: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (سورة نوح، الآية: 26)، وبقول موسى – عليه وعلى نوح وعلى أنبياء الله السلام: (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) (سورة يونس، الآية: 88). إذا انتهينا من أبي بكر وعمر، وابن عباس وابن عمر، لنأتي إلى الحسن والحسين، شقيقان توأمان.. الحسن تنازل عن حقه لمعاوية ليلتئم شمل الأمة وسمي ذاك العام (عام الجماعة)، والحسين اتخذ طريقاً آخر في الحق الذي آمن به، وكلاهما يملك الحق، الحسن تنازل عنه، والحسين قاتل في سبيل الحق فقتل شهيداً، وكلاهما سيدا شباب أهل الجنة. * أيهما أكبر مساحة داخل دائرة الفقه الإسلامي: المختلف فيه؟ أم المتفق عليه؟ المتفق عليه قليل، ولكنه عظيم لأنه يؤسس الوحدة الفكرية الصلبة على العقيدة، أصول العقيدة وأركان العقيدة، وشعائر التعبد والقيم الأخلاقية وقطعيات الشريعة وقطعياتها في الحلال والحرام وفي الأوامر والنواهي والمقاصد الكلية التي دل الاستقراء على أن الشريعة جاءت لرعايتها وهي حفظ الضروريات الخمس، وهذه الأركان الخمسة التي تمثل دائرة الثوابت أو المتفق عليه الكبرى: أصول العقيدة والشعائر التعبدية والقيم وقطعيات الشريعة في الحلال والحرام، وأخيراً المقاصد التي دل الاستقراء أن الشريعة جاءت لرعايتها ومن ثم بعد ذلك تأتي الظنيات التي تحتمل أكثر من وجه في التفسير. وهنالك دائرة ثالثة هي دائرة العفو وهو المسكوت عنه شرعاً وهو مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام: (وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته إن الله لم يكن لينسى) وتلا قوله تعالى: (وما كان ربك نسيا) (مريم 23)، وقوله: (وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها). إذن هنالك دائرة ثالثة اسمها دائرة المعفو عنه، وهي أشبه بمصطلح القانونيين (منطقة الفراغ التشريعي)، وهي محل الاجتهاد ومجال وسع ورحمة. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة