إلا أنهم جميعاً.. لم يقتربوا من الحقيقة.. ولم يبحثوا عن سر هذا السقوط المدوي المزعوم!!!
فالفريق الذي اعتبر أن حلب سقطت!!!
أخذ يتباكى.. ويصرخ.. ويلطم.. ويستحضر كل المآسي.. والكوارث.. والنوازل.. التي حلت بحلب.. وأهلها مع تسليط الأضواء.. على المعاناة الشديدة.. التي ألمت بالناس المحاصرين.. والجرائم التي ارتكبيتها العصابات الطائفية.. المتوحشة!!!
وعلى نشر.. الإستغاثات التي أطلقتها بعض النساء.. الخائفات.. من الإغتصاب.. ومناشدة المسلمين.. والنشامى – إن بقي مسلمون.. ونشامى – للإسراع.. لنجدتهن.. وانقاذهن من براثن الذئاب الطائفية.. وأنياب الوحوش الصفوية ..
وهذا ما أدى إلى مزيد من الحزن.. والأسى.. واللوعة.. عند كل المتابعين لهذه الأخبار.. وإلى مزيد من الإنكسار.. والشعور بحالة الضياع!!!
كما أدى إلى شيء من الإحباط.. واليأس.. والقنوط..
وأشاع جواً من الذعر.. والخوف.. والقلق.. والأرق..
وفي الوقت نفسه.. دفع المسلمين الضعفاء.. المساكين.. الذين لا يملكون حيلة.. ولا يهتدون سبيلاً.. إلى الإلتجاء إلى الله.. ومناشدته.. واستغاثته.. والإلحاح عليه بالدعاء.. لتفريج كرب أهالي حلب ..
كما أنه حرض.. بعض المحسنين المسلمين.. للبذل.. والعطاء.. وإعانة المهجرين قسرياً من حلب...
أما الفريق الثاني.. الذي زعم أن حلب لم تسقط!!!
أراد من هذا الكلام.. تطييب خواطر البؤساء.. المنكوبين.. وتهوين المصاب الجلل عليهم.. ورفع معنوياتهم.. وشحذ هممهم.. وزرع الأمل في نفوسهم.. وبث روح التفاؤل في قلوبهم!!!
ولكن:
الحقيقة الصادمة.. التي لم يتطرق إليها أي محلل.. أو كاتب..
هي:
أن الحقيقة ليست مع الفريق الأول.. ولا الفريق الثاني..
لأن:
مصطلح السقوط.. لا ينطبق على حالة حلب!!!
فمصطلح سقوط.. أي منطقة في العالم.. يعني:
أن المدافعين عنها.. قاوموا.. وقاوموا حتى آخر رمق لديهم.. وحينما استنفذوا كل قواهم.. وفرغت الذخيرة عندهم.. حينئذ إما أن يستسلموا.. أو أن يخرجوا تحت جنح الظلام.. تاركين المنطقة.. تسقط في يد المهاجمين..
مثال على ذلك:
داريا.. التي لا تعادل مساحتها.. ربع مساحة المنطقة الشرقية من حلب.. وعدد المدافعين عنها.. لم يكن أكثر من بضع عشرات من المقاتلين.. وبقوا صامدين.. مستبسلين.. مدافعين.. بكل ما لديهم من قوة.. أربع سنوات.. وحينما نفذت الذخيرة لديهم.. اضطروا إلى مفاوضة النظام.. على أساس الخروج منها..
وهكذا سقطت داريا.. بعد تسطير أروع البطولات على أرضها...
أما حلب.. فلم يحصل فيها مقاومة.. في الفترة الأخيرة إطلاقاً!!!
نعم.. كانت ثمة مقاومة خارقة.. وصمود أسطوري.. طوال سيطرة المقاتلين عليها.. ولم يتمكن الروس.. طوال أربعة عشر شهراً من احتلالهم.. ولا المليشيات الطائفية.. أن يزحزحوهم عن أماكنهم.. إلا قليلاً في عمليات كر.. وفر..
أما الأسبوعان الأخيران.. فقد تغير المشهد كلياً..
فالمقاتلون.. ولوا على أدبارهم.. وهربوا.. وانهزموا.. تحت جنح الظلام.. تاركين الحرائر.. والعجائز.. والشيوخ.. والأطفال لتفترسهم الذئاب.. والضباع الطائفية.. ما عدا كتيبة واحدة.. تعاهد أفرادها على الموت في سبيل الله.. وحماية المدنيين..
واستمروا في الدفاع.. والذود عن حياض الناس.. حتى قُتل كل أفرادها على بكرة أبيهم.. فكانوا هم الفائزين.. المنتصرين.. وصعدت أرواحهم إلى السماء.. فرحين.. مستبشرين..
كما حصل بالضبط في الجولان 1967.. حينما أصدر الزعيم الخالد في النار.. إن شاء الله ( حافظ ).. أوامره إلى الجنود السوريين في الجبهة.. بالإنسحاب الكيفي.. وأعلن بصفته وزير الدفاع.. عن سقوط الجولان.. قبل وصول اليهود إليها.. واحتلالها بأربع وعشرين ساعة!!!
ومثلما حصل لبغداد في 656 هجرية.. بتسليمها لهولاكو.. زعيم التتر.. على يد العلقمي!!!
وحصل مرة ثانية لبغداد أيضاً.. في 1424 هجرية 2003 شمسية.. حينما استلمها الأمريكان.. على يد الربيعي.. وجماعته الطائفية.. التي هي نفسها سلمت بغداد للمغول في المرة الأولى..
ففي حلب.. تهاوت الأحياء واحداً.. وراء الآخر.. بسرعة خيالية..
حيث أن ستة أحياء.. في يوم واحد.. استلمتها المليشيات الشيعية.. ونكلت بسكانها.. الذين لم يتمكنوا من الفرار.. ذبحاً.. وتقتيلاً..
ولم يقف مقاتل واحد فيه.. ولو مثقال ذرة من شهامة.. ورجولة.. في وجههم.. ليردعهم.. عن المستضعفين!!!
إذن..
دندنة الناس.. المتحدثين في قضية حلب.. على أنها سقطت.. أو لم تسقط.. وخداع الناس.. وتضليلهم.. بقصد تعزيتهم.. والتخفيف عن مصابهم..
فيه مغالطة كبيرة.. وحول.. وانحراف.. عن الحقيقة..
ما ينبغي لكاتب عاقل.. صادق.. يحترم كلمته.. وقلمه.. أن يسلك هذا السلوك المشين.. غير الصحيح.. ويدبج مقالات.. عبارة عن كلام فارغ.. وهراء...
الحقيقة..
يجب أن يعرفها كل الناس.. وتُعرض عليهم.. بشكلها الفعلي.. الواقعي.. بغض النظر عن مرارتها.. وقسوتها ..
ويجب على فئات الشعب السوري كلها.. أن تعرف.. من هم الذين خانوه.. وباعوا أرضه بسوق النخاسة.. بدراهم معدودة.. ومن هو باشا الأطرش.. الذي أعطى أوامره.. للفصائل كي تنسحب.. وتُسلم الأحياء بسكانها.. أو بجزء من سكانها.. أو بدون سكانها.. للميليشيات الطائفية!!!
ويجب.. أن يُحاسبوا حسابا عسيرا.. يتناسب مع جريمة الخيانة العظمى.. التي مارسوها .. بحق الإنسانية.. وحق الوطن..
وعلى فرض.. أنه لم يتمكن.. أحد من محاسبتهم.. ومعاقبتهم..
فعلى الأقل.. يجب أن يُستبعدوا نهائياً.. من المشاركة في القتال.. في الأيام القادمة..
لأنهم سيقومون بالخيانة مرة أخرى.. وربما أشد.. وأسوأ..
ومن هنا.. ينكشف السر الغامض.. الذي كان يحير كل الناس!!!
وهو:
عدم اندماج.. واتحاد الفصائل مع بعضها.. بالرغم من المناشدات الكثيرة.. من كل النشطاء.. وأفراد الشعب.. حتى العميد مصطفى الشيخ.. المتهم بأنه علماني.. ناشدهم.. وقبل أياديهم.. لأجل التوحد..
ولكنهم لم يتحدوا!!!
لأن القسم الأكبر.. أو الأقوى يريد الفرار.. والتسليم.. ولا يريد القتال..
والقسم الأصغر.. أو الأضعف يريد القتال.. ولكن ليس لديه الأسلحة الكافية.. لمتابعة.. واستمرار القتال ...
ولهذا السبب.. توقف القتال.. وقعد المخلفون خلاف الناس.. وهم يتراكضون.. ويتصايحون.. ودماؤهم تسيل.. وسُلمت حلب بقضها وقضيضها.. وممتلكات الناس فيها.. إلى المحتلين الأوغاد!!!
وأُجبر الناس.. على الخروج منها.. بغير حق.. إلا أن يقولوا ربنا الله..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة