السودان يعيش حاليا فى حالة من التوتر والترقب كما الهدوء الذى يسبق العاصفة ولكنها عاصفة من نوع خاص وهى تتلخص فى منازلة مرتقبة بين الشباب فى داخل السودان وفى المهاجرالمتعددة وتسندهم أحزاب المعارضة من جهة والنظام الحاكم وأجهزته الأمنية من جهة أخرى والسلاح المستخدم فى هذه المعركة هو الوسائط الاجتماعية الالكترونية.
كانت المواجهة الأولى فى سبتمبر أيلول من عام 2013 بين الشباب أنفسهم فى شوارع الخرطوم وتدعمهم مجموعات مندسة قامت بأعمال تخريبية – حسب رواية الحكومة - وكان السلاح فيها ناريا سقط من جرائه عشرات القتلى والجرحى وسالت دماء وخربت ممتلكات وسادت فوضى لمدة بضع أيام. الشرارة التى أشعلت احتجاجات تلك الفترة - وهى شبيهة بالوضع الحالى- كان سببها هو رفع الدعم عن البترول والخبز والكهرباء ثم تلت تلك الهبة ببضع أشهر مبادرة أطلقها رئيس الجمهورية فى مطلع عام 2014 ومعها دعوة للحوار تم التعارف عليها بحوار الوثبة. هذه الدعوة هدأت النفوس حينا من الدهر وسار الحوار بطيئا وئيدا يتهادى فى مشيته كمشية محبوبة الشاعر الذى قال عنها:
"تمشى الهوينى كما يمشى الوجى الوحل" ووصفها آخر بقوله " كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل"
وتطاولت شهورحوار الوثبة كتطاول ليل امرىء القيس الذى زجره قائلا " ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى بصبح وما الأصباح منك بأمثل"
أو كليل النابغة الذبيانى الذى اشتكاه لمحبوبته أميمة فقال:
"كلينى لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطىء الكواكب - تطاول حتى قلت ليس بمنقض وليس الذى يرعى النجوم بآيب".
ويبدو أن القائمين على أمر الحكم فى بلادى تغشاهم غواش من الزمهرة – وهذه لا تنسب الى الزمهرير ولكنها تنسب الى مرض يصيب الذين تطاول عليهم العمر من بنى البشر ويسمونه الأعاجم بداء الزهايمر ومن أعراض الزمهرة هذه أن حكومتنا قامت فى فى الشهر الماضى بتخقيض سعر صرف الجنيه السودانى – الذى هو فى الأصل الف جنيه أدغمت فى بعضها البعض حتى صارت جنيها واحدا ولا أريد أن أخوض فى أدواء الجنيه السودانى لأن هذا حديث سوف يطول ولكن الشاهد فى الأمر أن ولاة أمورنا نسوا أن هبة أيلول 2013 كانت بسبب رفع الدعم وفات عليهم أن تخفيض قيمة الجنيه فى الأساس هى أسوأ من رفع الدعم عن عدد محدود من السلع لأن تخفيض قيمة الجنيه تؤدى الى ارتفاع قيمة السلع والخدمات بنسة الزيادة أو نزيد عليها كما حدث فى حالتنا هذه كما أن تخفيض قيمة الجنيه تصيب مجمل الاقتصاد كما فى مقتل وفى هذه المرة كان التخفيض كان كبيرا حيث فقد الجنيه السودانى الذى هو فى الأصل الف من الجنيهات فقد هذا الجنيه 60% من قيمته والأمر من ذلك أن كل الخدمات والسلع قد زاد سعرها الى أكثر من مرة ونصف أى بنسبة 150%
ونتيجة لذلك وفرت هذه الزيادات فتيل الشعلة التى سوف تمهد لسيل من الاحتجاجات بدأت بدعوة الى عصيان مدنى وأضراب عن العمل فى فى نوفمبر الماضى كما أسلفت وتم ترجيح خيار العصيان المدنى لتجنب ردة فعل الحكومة الذى يتوقع أن يكون مماثلا لما حدث فى عام 2013 من تدابير أمنية وقمع للمظاهرات بحجة الحفاظ على الأمن وقطعا سيقود ذلك ألى خسائرفادحة فى الأرواح والممتلكات لذا قضل الشباب هذه المرة أن يجربوا سلاح العصيان المدنى حتى يتجنبوا المواجهة مع القوى الأمنية. تمت الدعوة الى العصيان المدنى عبر وسائط التواصل الاجتماعى (واتساب وفيسبوك وتويتر) وهذه البرامج يصعب على الأجهزة الأمنية تعقبها ومعرفة الذين يقفون خلفها وكان المحفز الرئيسى للاجتجاجات هو زيادة أسعار الدواء بمتوالية شبه هندسية عقب تخفيض سعر صرف الجنيه وسعى الداعون للعصيان ألى تنفيذ العصيان حتى بعد أن تخلت الدولة عن رفع الدعم عن الدواء.
وبعد النجاح الجزئى لتجربة العصيان المدنى فى أواخر تشرين الثانى نوفمبر الماضى تم تكوين لجان شبه منظمة تغذيها بعض الكوادر الوسيطة من أحزاب المعارضة وقامت هذه اللجان بالدعوة لعصيان المدنى المفتوح اعتبارا من اليوم التاسع عشر من كانون الأول (ديسمبر الجارى) وهذا اليوم له رمزيته ودلالته فى تاريخ السودان الحديث حيث تم فيه أعلان استقلال السودان من داخل البرلمان فى العام 1955 من القرن الماضى.
السيناريوهات المتوقعة:
أولا السيناريوهات المستبعد حدوثها:
1. ألا يحدث شىء فى يوم 19 كانون الأول أى أن تفشل الدعوة الى العصيان المدنى وتستمر الحياة فى وتيرتها الطبيعية. 2. أن تقوم الحكومة بالتنازل عن السلطة طواعية واختيارا مباشرة بعد الدخول فى العصيان المدنى.
ثانيا: الاحتمالات ضعيفة الحدوث: 3. حدوث حرب أهلية شاملة 4. حدوث انقلاب عسكرى 5. سيناريو أكتوبر – (تسليم السلطة مع الخروج الآمن للعسكر)
ثالثا: الاحتمالات الأقرب للحدوث:
6. حدوث انشقاق فى القوة العسكرية الحاكمة واستلام السلطة من قبل أحد الأطراف التابعة للقوات النظامية
7 .حدوث صدام مسلح داخل الجيش
8. مقاومة العصيان المدنى بالقوة وبالأمن والقانون والقضاء عليه
9. حدوث تسوية سياسية حقيقية تقود ألى توسيع الحكومة الحالية والاتفاق على فترة انتقالية تعقبها انتخابات حرة ونزيهة بمراقبة دولية.
سوف أقوم بالتطرق الى كل احتمال وتحليله بصورة مفصلة والوصول الى محصلته النهائية
1.السيناريو الأول: ألا يحدث شىء فى يوم 19 كانون الأول (ديسمبر 2017) أى أن تفشل الدعوة الى العصيان المدنى وتستمر الحياة فى وتيرتها الطبيعية.
نسبة للزخم المصاحب للدعوة ألى العصيان فأتوقع أن تحدث استجابة جزئية للعصيان قد تصل ألى 30% والملاحظ الآن أن الكوادر الوسيطة فى الأحزاب العتيقة أضافة لكل كوادر الأحزاب المؤدلجة قد رفدت المجموعات الشبابية بالخبرات وأيضا قامت الأحزاب بتنشيط كوادرهم الشحيحة داخل المؤسسات الحساسة أضافة لاستقطاب المتذمرين والمتململين من منسوبى الحزب الحاكم بالمؤسسات النظامية كما أن منسوبى الحزب الحاكم وحركته الرديفة سوف يسعون لأفشال العصيان المدنى لذا فأتوقع يكون هنالك تأثير محدود للعصيان المدنى ولن يحدث شلل تام لمرافق الدولة لعدة أسباب: منها العضوية الملتزمة من المؤتمر الوطنى لن تشارك فى العصيان المدنى أضافة ألى أعداد هائلة من الموجودين خارج الشبكة العنكبوتية والذين لم يسمعوا بالعصيان المدنى أصلا ولو سمعوا به لما استجابوا له لأن هؤلاء معظمهم يعيشون على الدخل اليومى من أعمال يدوية أو هامشية. كما أن هنالك عامل مهم ساهم فى تخفيض الوجود فى الشارع فى عصيان الشهر الماضى حيث كان معظم المواطنون متخوفين من الخروج لأعمالهم ومدارسهم لتضارب الأقوال والأفهام عن ماهية العصيان المدنى والآن هم يعرفون مامعنى العصيان المدنى لذا فلن يكون هنالك خوف مرتبط بوجودهم وأطفالهم فى الشارع وأن الأسر سوف تكون غلى بينة من أمر العصيان المدنى وكيفية حدوثه وأن قرار الخروج للعمل والمدارس أو البقاء بمنازلهم سوف يتم بناءا على قناعاتهم الشخصية وأتوقع فى هذه المرة ألا يجد العصيان المدنى تجاوبا من عموم الناس لأن الدعوة لعصيان مدنى مفتوح حتى سقوط النظام هى الدعوة للمجهول وفى تقديرى تدخل فى باب أذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع ولن يغامر موظف أو عامل بأن يفقد وظيفته جراء أضراب مفتوح لا يعلم متى ينتهى.
2.السيناريو الثانى: نجاح العصيان وأن تقوم الحكومة بالتنازل عن السلطة طواعية واختيارا:
هذا الاحتمال لا يمكن أن ينفى بالكلية ولكى يحدث لابد أن تسبقه أعمال جسام وأحداث جليلة يكثر فيها الهرج ويتطاول فيه زمان العصيان ألى ثلاثة أشهر أو تزيد. نفى الحدوث هنا ليس نفى تنزيه واستحالة بل نفى ترابط المقدمة بالنتيجة بدون فاصل زمنى أى استحالة أن يحدث العصيان يوم 19 / 12 فتتنازل الحكومة عن الحكم يوم 20 / 12 أوفى خلال أسبوعين من الزمن أو أقل. ولفهم هذا السيناريو يرجى الاطلاع على بقية السيناريوهات.
3.السيتاريو الثالث: حدوث حرب أهلية شاملة:
هذا السيناريو هو الذى تمتعت الحكومة بالبقاء بسبب الخوف من حدوثه زمنا طويلا وهو السيناريو الذى نرجو من المولى عز وجل أن يجنب البلاد والعباد حدوثه فالسودان قطر ملىء بالشحن النفسى السالب بين أحزابه السياسية وأثنياته العرقية وأقاليمه المتنوعة كما أن البلاد مفتوحة الحدود وبها سلاح منتشر فى أيدى المليشيات المتحاربة أو سهل المنال عبر الحدود الغربالية كما أن به قوات مسلحة خارج الأطر القومية وكلكم تعلمون ما أعنى بذلك وبالرغم من ذلك فأننى قد قدرت أن قوع هذا الاحتمال سيكون ضعيفا لعدة أسباب: منها أن الحركلت المسلحة تعتبر حاليا فى أضعف حالاتها ولا تتواجد الا فى أطراف القطر كما أن القوات المسلحة وقوى الأمن فى خلال تاريخهم الطويل لم يدخلوا فى مواجهة مع الشعب وأيضا فأن الجيش السودانى القومى ينتمى منسوبوه ألى كل بيت فى السودان ولن يرفعوا سلاحهم فى وجوه أهاليهم. أما جهاز الأمن فسعته محدودة قتاليا وعدديا ويعلم منسوبوه يقينا أنه فى حالة سقوط النظام فأن حسابات المخطئين والمتجاوزين سوف تكون عسيرة من قبل الثوار لذا فلن يستوحش جهاز الأمن ألا أذا ضمن فشل العصيان وما يتلوه من أحداث ويبقى الاحتمال الأسوأ وهو أن تتحرك قوات الدعم السريع وتتصدى لحماية النظام فيهيج ذلك الحركات المسلحة – الدارفورية تحديدا - فتتصدى لقوات الدعم السريع فتحدث المواجهة فى خرطوم السبعة ملايين أنسان وقد يؤدى ذلك ألى فوضى ودمار هائل ولكنى كما بوبت فى مقدمة مقالى فهذا الاحتمال يعتبر فى باب الاحتمالات الضعيفة الحدوث.
4.السيناريو الرابع: حدوث انقلاب عسكرى:
هذا الاحتمال ضعيف ولكن يمكن حدوثه للآتى: الجيش الحالى ضباطه من درجة لواء فما دون تم اختيارهم بعناية فى مداخيل خدمتهم العسكرية قبل عقدين من الزمان وكلنا يعلم أن خمسة وعشرين عاما فترة كافية لتتغير القناعات والانتماءات ولتجديد الولاءات وتحديد المواقف ولا ننسى وجود مجموعات من مساندى النظام لديهم مرارات وخلافات ورؤى وأراء فى كيف يدارالجيش أو عموم البلاد وبعضهم متحفظ على ما يدور من تغول على مال الدولة وشبهات الفساد فى أروقة النظام التى طفحت بها الأسافير وهنالك خلافات فى أوساط منسوبى النظام داخل القوات المسلحة تشهد عليها قوائم الأحالة للمعاش لكثير من القيادات التى عرفت بولائها الشديد للنظام فى الماضى وكانوا يمثلون حائط السد المنيع للنظام داخل القوات المسلحة حيث شكل صدور بعض هذه القوائم صدمة لمخالفى الأنقاذ قبل منسوبيها ويشهد على صدق هذه الخلافات المحاولة الانقلابية التى دبرها العميد ود أبراهيم والفريق صلاح قوش قبل بضع سنين. هنالك احتمال أضعف فى داخل هذا الاحتمال الضعيف وهو أن يحدث انقلاب تقوده كوادر غير أسلامية ووقوع هذا الاحتمال سوف يقود لحدوث السيناريو 7 أو السيناريو 3 مباشرة لذا فلن أخوض فى تفاصيله الآن وسوف أتطرق له لاحقا.
5. السيناريو الخامس: سيناريو أكتوبر – (تسليم السلطة للشعب مع الخروج الآمن للعسكر) هذا الاحتمال سوف يحدث فى حالة واحدة وهى حالة نجاح العصيان المدنى و تطاول زمنه (لمدة ثلاثة أشهر أو تزيد). فيما عدا ذلك فهذا الاحتمال مستبعد للآتى: تغيىر الواقع الجيوسياسى للسودان والمنطقة عما كان عليه الحال فى ستينات القرن الماضى عنما اندلعت ثورة أكتوبر كما أيضا تختلف هوية الحكم فى النظامين فنظام عبود كان أشبه بنظام العسكرالتكنوقراط غير المنتمين للأحزاب السياسية التقليدية منها أو المؤدلجة وتختلف عن النظام الحالى المؤدلج الذى ينتمى معظم قياداته بقية مما ترك الأسلاميون أما حزب المؤتمر الوطنى فهو تحالف مصالح كما وصفه بروفيسير التجانى عبد القادر بتحالف القبيلة والسوق والأمن وأضيف أنا ألي ذلك التيار الأسلامى الوسطى السودانى (ويشمل ما تبقى من الجبهة الأسلامية المحلولة وتنظيم الأخوان المسلمين وأنصار السنة ومعظم مشائخ الطرق الصوفية ) ويستخدم هذا التحالف شعارات أسلامبة فضفاضة تضمن له تعاطف الغالبية العظمى من السودانيين. لذا فمركز القرار فى مثل هذا التحالف متعدد ولا يمكن أتخاذ قرار تسليم السلطة بأجماع هذا الطيف المتنوع ألا أذا أدى تطاول العصيان المدنى ألى احتقان يهدد مصالح الغالبية العظمى من أفراد من مكونات هذا التحالف لذا فعامل الزمن وتباطؤه يلعب دورا مؤثرا فى أمكانية حدوث هذا السيناريو.
6. السيناريو السادس: حدوث انشقاق فى القوة العسكرية الحاكمة واستلام السلطة من قبل أحد الأطراف التابعة للقوات النظامية (تحديدا القوات المسلحة +/- جهاز الأمن): هذا واحد من السيناريوهات الممكن حدوثها أذا أثبت العصيان فعاليته وشل الحركة فى البلاد فى أول أسبوعين – وهذا الاحتمال الأخير مستبعد حدوثه للأسباب التى ذكرتها أعلاه. وفى حالة حدوث مثل هذا السيناريو فيجب أن يتشكل على الأرض واقع جديد يكون أشبه بالمنظومة الخالفة التى أشار أليها المرحوم حسن الترابى ولم يخض فى تفاصيلها وستكون الحكومة الناتجة عن هذا السيناريو أشبه بحكومة انتفاضة أبريل 1986 حيث سوف يكون هنالك رأسان للحكم : مجلس عسكرى انتقالى يمثل سيادة الدولة ورئاستها (غالبا لمدة أربع أو خمس سنوات) ومجلس وزراء يتم تشكيله من شخصيات قومية وبعض رموز العصيان المدنى (شيبا وشبابا). هذه الصيغة أشبه ما تكون بما أعقب ثورة يناير المصرية. المحذور الرئيسى والمتوقع حدوثه فى هذا السيناريو هو أن تواصل الحركات المسلحة تمردها على النظام الجديد وهو أشبه بما حدث فى أبريل 1986 عندما سمى جون قرنق حكومة الانتفاضة بمايو 2 . فلا نستبعد عند حدوث هذا السيناريو وأن نسمع بمصطلح الأنقاذ 2 لمنتوجه. لذا فلحدوث هذا السيناريو يتطلب الآتى: عصيان مدنى ناجح بنسبة لا تقل عن 70% وحدوث هذا الانقلاب الداخلى فى غضون أسبوعين من بداية العصيان أما بغير ذلك فيجب النظر فى بقية السيناريوهات.
7.السيناريو السابع: حدوث صدام مسلح داخل الجيش: هذا السيناريو يحدث أذا حاول ضباط غير أسلاميين تسريع عملية انتقال السلطة أو ما يعرف بحرق المراحل نتيجة لتنافس الكوادر السرية للأحزاب المختلفة داخل القوات المسلحة – أن وجدت – ونظريا نتوقع أن يكون 10% من ضباط الجيش من مثل هذا النوع ولكن لا نستطيع الجزم بهذه النسبة أو بغيرها لغياب المعلومات فى مثل هذه الأجهزة الحساسة. حدوث أى مغامرة من هذا النوع أن حدثت فغالبا ما يكون وراءها كوادر من الأحزاب المؤدلجة الصغيرة التى لا يوجد لها تمثيل كبير فى الشارع السودانى ويكون غالب هدفها هو سرقة الثورة السودانية لسنوات قادمات وهى عملية أقرب ما تكون ألى عملية خطف الحلوى عند أطفال المدارس. وهذا السيناريو يمكن أن يسمى بسيناريو الضباط المغامرين أو المقامرين - سيان - ومالآت هذا السيناريو مفتوحة ولا تقوم على أستقرءات منطقية ونسبة نجاحه لا تتعدى نسبة 10% وهى النسبة النظرية لوجود الكوادر التى لا تدين بالولاء للنظام داخل الجيش وأهمية هذا السيناريو فى حالة نجاحه أنه سوف يقود مباشرة ألى السيناريو 3 وهو احتمال حدوث حرب أهلية شاملة . الاحتمال كما أسلفت ضعيف ويحتاج ألى رافعة تزيد من قوته وتتمثل فى ضمانات من دولة أو منظومة أقليمية لدعم هذا السيناريو عند حدوثه – صدام والقذافى (رحمهما الله) كانا من الممكن أن يسندا مثل هذا السيناريو فى حالة وجودهما – ولكن كما يقال فى الليلة الظلماء يفتقد البدران.
8. السيناريو الثامن: مقاومة العصيان المدنى بالقوة وبالأمن والقانون والقضاء عليه فى مهده أو قريبا من مهده: ويحدث هذا السيناريو عندما يتطور العصيان ألى مظاهرات وحراك ثورى فى الشارع وعندما يفشل العصيان فى أيقاف حركة الحياة بالدولة فيلجأ قادة العصيان ألى الخروج ألى الشارع وكما هو معلوم فأن خيار الشارع هو الخيار المحبب للنظام لأن لديهم خبرة تراكمية فى القضاء عليه كما أن كلفته عالية على الطرفين.
9. السيناريو التاسع: حدوث تسوية سياسية حقيقية تقود ألى توسيع الحكومة الحالية والاتفاق على فترة انتقالية تعقبها انتخابات حرة بمراقبة دولية: يحدث هذا السيناريو أذا نجح الاعتصام بنسبة تفوق الثلاثين بالمائة ويتطلب حدوثه وجود قيادات حزبية فى التفاوض بالأصالة أو بالوكالة أو تدخلت فى التفاوض روافع أقليمية (خليجية تحديدا) أو الاتحاد الأوروبى أو الأفريقى مع تلويح الآخرين بجزرات مغريات للحكومة كافية لأهداء مكاسب للطرفين. win win situation ومعلوم أن الاتحاد الأوروبى له شراكات أمنية مع النظام وتنسيق لمكافحة الهجرة غير الشرعية لذا فلن يسمح بسقوط هذا النظام بدون ضمانات استمرار التعاون مع النظام البديل لذا فسيكون هذا السيناريو مرحبا به من قبل الاتحاد الأوروبى كما أن أمريكا يهمها وجود حكومة قوية فى الشمال حتى تساعد فى أعادة الاستقرار لجنوب السودان. ولا ننسى أن الأحزاب التقليديىة يهمها أن تجد موطأ قدم لها يضمن لها مشاركة متوازنة فى الحكومة الخالفة التى سيكون منوطا بها الاشراف على أى انتخابات ديمقراطية قادمة أى أن الأحزاب السياسية بمشاركتها فى مثل حكومة كهذه يضمن لها ذلك أن تحجز مقاعدها فى قطار الديمقراطية القادم كما أن بعضا من الشباب سوف يتم استيعابه فى الحكومة الجديدة ويحتاج ألى مدربين ذوى خبرة فى الحكم من أمثال منسوبى المؤتمر الوطنى حتى يتمرسوا فى المستقبل على أساليب الحكم. أنا فى تقديرى أن الوضع الأمثل فى هذهالسيناريوهات والأجدى للسودان أن يتم توسيع مؤسسة الرئاسة ويتم تعيين حكومة تكنوقراط لدورة برلمانية كاملة مدتها أربع سنوات وتعيين مجلس وطنى انتقالى تمثل فيه كافة القوى السياسية ويتم تكليفه بمراجعة القوانين والاتفاق على دستور دائم للبلاد وفق ثوابتها الراسخة ويتم فى هذه السنوات أعادة بناء الأمة السودانية ومحاسبة الفاسدين واسترداد موارد البلد المهدرة ومحاكمة كل من تورط فى مظالم أو فساد مالى أو أدارى.
ختاما هذه خلاصة جهد فكرى متواضع لم يكن القصد منه استقراء سياسى أو رجم بالغيب أو ممالأة طرف دون طرف ولكنه أقرب للتمرين الذهنى والمعادلات الرياضية الافتراضية أردت أن أوردها فى شكل روزنامة تكون متاحة لكل أطراف الصراع الوطنى على مقاليد السلطة لتكون معينا لهم لاتخاذ قرارات على بصيرة من أمرهم وسرد هذه السيناريوهات لا يعنى أن المتوقع حدوثه حتما سيكون أحد هذه السيناريوهات التسعة بل هى استقراء منطقى لواقع سياسى ولا أظن أن ما سيحدث مستقبلا سوف يتعدى هذه السيناريوهات ولكن قد يحدث استيلاد سيناريو أو استنساخه من آخر أو اندغام سيناريو فى آخر الخ .... وأخر دعوانا لا نملك ألا أن ندعو بما دعت به الملائك ربها حين قالت "سبحانك لا علم لنا ألا ما علمتنا أنك أنت العليم الحكيم" والحمد لله رب العالمين.
مع اقتراب الموعد المحدد لدعوة العصيان المدني والمحدد لها التاسع عشر من الشهر الجاري ومع قلة التحليلات للوضع السياسي الراهن في البلاد التي حلت محلها الامنيات المشروعة للاغلبية المتعطشة للحرية والتغيير في السودان ولكنها تبقي "امنيات" حتي اشعار اخر عندما تدور عجلة الاحداث بالفعل.. من جملة ماهو متداول في هذا الصدد اميل الي القول "بموضوعية" ما سطره صاحب المقال اعلاه وعقلانية نظرته الشاملة الي الامور والتطورات الحالية والمتوقعة في هذا المقال الذي غطي الكثير من جوانب واحتمالات الموقف في السودان. sudandailypress.net
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة