من الواضح أن الباحث بزعمه النور حمد لا يملك فكرة واضحة عن مناهج البحث العلمي الاجتماعي، ومنها منهج البحث الاحصائي. ولذلك لا يعرف كيف ينشئ دراسة احصائية جديدة، يُعدُّ لها أسئلتها ويصمم استبيانها الاستجوابي الذي يجمع به المعلومات المعبِّرة عن واقع الحال الذي يبحثه ويرمي إلى تشخيصه. وليس له فكرة جيدة عن الصيغ والآليات التي يقوم عن طريقها بتحليل المعلومات التي حصل عليها ميدانيا. وإذا تركنا هذا كله جانبا وتسامحنا حياله مفترضين أن (الباحث!) لم يتعرض له ولم يتدرَّب عليه في غضون دراسته العليا، فيصعب علينا أن نتسامح معه حين نراه لا يحسن التعامل مع البيانات الاحصائية الجاهزة، التي تم جمعها وتمحيصها وتحليلها وتصنيفها وتوفيرها للباحثين من قِبل المنظمات النقدية الدولية ومن قِبل كالة المخابرات المركزية الأمريكية. وحين نراه يزعم أنه اطلع على مادة هذه الاحصاءات وهو لم يطلع عليها ولم يدر ما فيها. وأبلغ من ذلك في السوء حين يزعم أنه قد جاء في هذه الاحصاءات كذا.. وكذا من المعلومات مما لم يرد فيها قط! فهو يندفع للقول بلا سند وبلا شاهد بأن تقارير المنظمات الدولية قد درجت على وضع السودان والصومال في ذيل القائمة من حيث التطور الاقتصادي. ويحب أن يبدي هذه الملاحظة الكاذبة كلما سمح له سياق أطروحته المزعومة بالتكرار. واسمعه مثلا يقول:" تتعلق تلك الملاحظة المركزية (يقصد ملاحظته السالفة عن تأثيرات العقل الرعوي) بحالتيْ السودان والصومال، بوصفهما أكثر الدول تعثرا في إفريقيا بل وفي العالم بأسره في ما يتعلق بالأخذ بأسباب الحداثة. فالأحوال الداخلية المتردية في هذين القطرين، تدعم زعمي هذا، بما لا مزيد عليه. كما تعضده أكثر، كل التقارير (ياخي موش كل التقارير، ولا حتى بعض التقارير!) الصادرة عن المنظمات الدولية في العقود الأخيرة. وهي تقارير سنوية (أصبحت ربع سنوية وانت ما جايب خبر!) تصدرها هذه المنظمات تكشف فيها مستوى أداء الدول في جوانب عديدة. ولقد بقيت هذه التقارير تضع كلا من السودان والصومال، في ذيل القائمة". وتعضيدا لهذا الزعم الكاذب قال أيضا:" لو قارنا السودان والصومال بكل من إثيوبيا، وكينيا، ويوغندا، لاتضح لنا أن سببا ما قد جعل هذه الأقطار الثلاثة تنعم بمقادير أكبر من الاستقرار النسبي، ومن القدرة على الحفاظ على مكتسبات الحداثة، وتحقيق نمو لا بأس به في جهود التحديث والتمدين، وفي تقديري أن القبلية، وبنية العقل الرعوي، وتبنِّي نسخة فِجَّة من الإسلام، اشتُهِر بها الرعاة في التاريخ الإسلامي، هي التي أقعدت كلا من السودان والصومال عن النهوض". إنه يطلق هذا القول الجِزافَ ولا يطرُف له جَفن، وكأنما قد خلت كل من إثيوبيا وكينيا ويوغندا من الرعاة ومن لوثة العقل الرعوي التي يحمِّلها كل الآصار! (أم يا ترى أن الرعاة كانوا كعبين في السودان والصومال المسلمين فقط وسمحين في البلاد التانية؟!) وهنا كأنما نسي هذا (الباحث!) أو مسح من ذهنه ما تلقاه في دروس الجغرافيا العتيقة في المدرسة الوسطى عن قبيلة (الماساي في كينيا) وهي القبيلة التي ما زال أهلها يشربون اللبن مخلوطا بالدم! وهذا ما لا يفعله الرعاة المسلمون (المتخلفون بزعمه!) في كل من السودان والصومال! ثم يعود (الباحث!) إلى بربرته فيكرر معلومته الكاذبة السابقة بألفاظ أخرى فيقول:" لقد مرت كل الدول التي نالت استقلالها، حوالي عقديْ الخمسينات والستينات (يقصد الخمسينيات والستينيات!) من القرن الماضي، بفترة من الاضطراب، وبحالة من الضياع، أعقبت خروج المستعمر (ياسلام! المستعمر دة كان حلو أوي!)، ولقد استمرت تلك الحالة عقودا، وكان ذلك أمرا طبيعيا، غير أن ثلاثا من دول الجوار القريب، هي إثيوبيا، وكينيا، وإلى حد ما يوغندا، أخذت تنعم بشيء من الاستقرار النسبي، وشرعت تحث الخطى في مسارات التحديث والتنمية، في حين تخلف كل من السودان والصومال". ثم يصطنع الباحث المزعوم النور حمد لغة الباحث الجدي المتسائل فيقول:" يطرح هذا الوضع سؤالا جوهريا لا معدي عن الإجابة عليه (يقصد عنه!) وهو: لماذا كان كل من السودان والصومال استثناء في عدم الحفاظ على مكتسبات التحديث، والوقوع في براثن التراجع (التراجع ليس له براثن يا راجل!) المضطرد (يقصد المطرد!) الذي لامس حواف الفوضى؟". ولا يملُّ النور حمد من تكرار معلومته الكاذبة آنفة الذكر فيعود ليقول:" ولقد تشابه السودان والصومال، في هذا المنحى، تشابها يصل حد التطابق". وقد وصل (الباحث!) إلى هذه النتيجة من دون بحث! ولم يكلف نفسه بأن يستخدم منهجا علميا بحثيا مقارنا، ليبحث من خلاله وجوه الشبه بين الحالتين السودانية والصومالية، وليستنتج بعد إكماله لجوانب بحثه جميعا أن وجوه الشبه بين الحالتين السودانية والصومالية تنتهي إلى:"حد التطابق التام". فالمقارنة العلمية العملية الدقيقة الصبورة لا داعي لها عند هذا الباحث بزعمه لأنه لا طاقة له بها ولا صبر له عليها. ولذلك فهو يعتبط نتائجه اعتباطا كما يهوى. ويا ليته اعتبط نتائج معتدلة مما يمكن أن يستساغ. وإنما جاء بنتائج في غاية بعيدة من التطرف والصخب مثل النتائج التي تجئ بها أحكام عوام المتطرفين. ولم يتصف بقدر من الحيطة فيستخدم عبارات مثل: إن حالتيْ القطرين تتشابهان كثيرا، أو تتشابهان إلى حد ملحوظ، أو تتشابهان إلى حد ما، أو تتشابهان في بعض النواحي وتختلفان في نواح أخرى، أو نحو ذلك من التعبيرات التي يعبر بها الباحثون الجادون عن استنتاجاتهم عبر منهج البحث المقارن. ولم يسلم النور حمد من دفع هواه ونزقه وحبه للإثارة وميله للإساءة العارمة للعرب حتى استخدم هذه العبارة المتطرفة الغالية غير الواقعية؛ عبارة (حد التطابق)، أي التطابق التام، أو التطابق بنسبة مائة بالمائة، كما تتشابه التوائم! وفي الحقيقة فقلَّ من التوائم، بل لا يوجد في الحقيقة من التؤائم ما يتشابه إلى حد التطابق! وخلافا لهذه اللغة العبثية القائمة على المطلقات المتطرفة، والعبارات الأدبية الهشة الرخوة، التي لا قوام لها، مما أدمن النور حمد استخدامه في أطروحته المزعومة، نود أن نختم هذا البيان بعبارات من لغة الأرقام الصلبة، التي جاءت بها الاحصاءات العلمية الدولية، التي صدرت قبل أشهر قلائل. وكنا نود أن نطيل القول في لغة الأرقام حتى نأتي بأمثلة أكثر وأعم، ولكن قد طال المقال، وحسب القلادة ما أحاط بالعنق كما يقول العرب الأمجاد. تقول الاحصاءات الصادرة حديثا عن البنك الدولي إن إجمالي الناتج القومي في السودان بلغ في عام 2015م (84) بليون دولار أمريكي. أما احصاءات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فتصل بالرقم إلى (167) بليون دولار أمريكي. والفرق بين الإحصاءين مردُّه إلى أن إحصاء المخابرات الأمريكية أخذ في الحسبان القوة الشرائية للدولار الأمريكي، وهي أكبر في السودان بالطبع منها في أمريكا، فهذا الإحصاء من هذه الناحية أدق وأوفى من سالفه. ومن يسترسل في الاطلاع على هذه الاحصاءات العلمية المتقنة يجد أبلغ دليل على أن النور حمد لم يطلع عليها مع أنه يتشدق بمعرفتها ويشير على نحو غامض مبهم إليها كما تبين لنا في الفقرات التي نقلناها عنه في مطلع هذا االبيان. فهذه الاحصاءات تضع الأقطار الثلاثة التي يشير إليها النور حمد مفاخرا بها السودان في مقام أقل من مقام السودان. فإجمالي الناتج القومي في إثيوبيا بلغ في عام 2015م (161) بليون دولار أمريكي. وبلغ في كينيا في العام نفسه (141) بليون دولار أمريكي. وبلغ في يوغندا في العام نفسه (80) بليون دولار أمريكي. وقد تبين لنا أنه قد بلغ في السودان في العام نفسه (167) بليون دولار أمريكي. وكذلك تضع هذه الاحصاءات السودان في وضع أفضل من أوضاع هذه الدول الثلاثة من حيث مستوى الدخل الفردي السنوي. فقد بلغ مستوى الدخل الفردي السنوي في إثيوبيا في عام 2015م (1.800) دولار أمريكي. وبلغ مستوى الدخل الفردي السنوي في كينيا في عام 2015م (3.200) دولار أمريكي. وبلغ مستوى الدخل الفردي السنوي في يوغندا في عام 2015م (2.000) دولار أمريكي. بينما بلغ مستوى الدخل الفردي السنوي في السودان في عام 2015م (4.300) دولار أمريكي. وبذلك تسقط جميع دعاوى النور حمد عن تقدم هذه الأقطار الثلاثة على السودان في مجال التنمية الاقتصادية. وبهذا يتضح كذبه الفاضح الذي كرره مرارا من دون أن يداخله حياء عن أن هذه الاحصاءات تضع السودان مع الصومال في ذيل قائمة النمو في العالم. وينكشف بذلك تهافت تفسيره الوهمي الذي صاغه لتبرير ما تخيله من اعتلال بنيوي في بلادنا على أساس من ثقافة العقل الرعوي! ثم تتهاوى أطروحته كلها، وتَخرُّ من سقفها، ويُنخرُ أساسها، وتزاح أنقاضها بعيدا عن مجال البحث الاجتماعي العلمي!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة