:: مٌخاطباً احتفال افتتاح مدينة المعلم الطبية، الرئيس البشير يوجه وزارة التربية والتعليم بمراجعة قرار الغاء عقوبة الجلد في المدارس، ويقول : ( التعليم ليس قراية وكتابة، وإنما تربية)، وهذا ما سوف يصبح خبراً رئيسياً في صحف اليوم..ونأمل ألا يتحول الخبر والخطاب إلى تحريض سلبي بحيث يعود الجلد إلى المدارس - أكثر عنفاً - وبلسان حال قائل للتلاميذ : ( الرئيس قال يجلدوكم)، فترتفع نسب التسرب و الغباء وفقدان الثقة في النفس و كل أمراض الجلد أضعاف ما هي عليها اليوم .. !! :: وللأسف، مسؤولاً بوزارة التربية كان قد سبق خطاب الرئيس بأشهر زاعماً أن ايقاف الجلد أدى إلى تطاول التلاميذ على أساتذتهم و أن الأسر تستغل قانون الطفل ضد المعلم الذين يعاقب التلميذ بالجلد،وأن الوزارة بصدد مراجعة اللائحة.. وعليه، يبدوا أن النهج العام يمضي - إلى الوراء - ليقتدي بقول الشاعر : ( الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم، ولولا المخافة ما قرأوا وما كتبوا)..مثل هذه النصائح من كوارث العرب، وبها إتخذوا الأطفال (نياقاً وحميراً) لحد إستخدام السياط والخراطيش في التربية والتعليم.. !! :: وللأسف تأثرنا بأشعار الجاهلية وبأسوأ ما في تقاليد العرب، ولحد تقديم الطفل لشيخ الخلوة - أو ناظر المدرسة - مرفقاً بالنصيحة غير المسؤولة ( ليك اللحم ولينا العضم)..أي مزق جلده بسياطك وخراطيشك، وعده لنا عظماً فقط لاغير، بمظان هكذا يجب التربية والتعليم..والشاهد أن إضطهاد الطفل وإسترقاق أمه (ثقافة عربية)، ولقد تشبهنا بهذه الثقافة..ومن آثار هذا (التشبه)، ما تشهدها الخلاوى من إنتهاك مؤلم لحقوق الأطفال، بحيث يبلغ مداه ربطهم بالسلاسل والحبال على أوتاد الغرف المهجورة و تحت لظى الشمس، أوجلدهم في المدارس لترتفع نسب التسرب و الإعاقة والموت بشهادة تقارير سلطات التربية والتعليم..!! :: أما الذين ينجون من مثلث برموده (التسرب والإعاقة والموت)، فانهم يتخرجون إلى الحياة العامة بشهادات أكاديمية محشوة بأمراض نفسية من شاكلة الحماقة و الغباء و كراهية الآخر والقبول بالقهر والإنصياع للدجل والشعوذة وشيخ القبيلة، وغيره من سياج التخلف الذي يُعيق خطى الشعوب في دروب الوعي والمعرفة والنهضة ..وعلى سبيل المثال، لوكان (الضرب ينفعهم)، أي الأجيال المعتدى عليها، لما كان حال الناس والبلد على ما هما عليه (حالياً)..!! :: فالضرب أفسدنا، وأفسد الأجيال السابقة، وكان طبيعياً أن نفسد حياة الناس والبلد لحد إستجلاب الودائع و القروض من دول بمساحة جزيرة بدين ثم نفرح بها رغم أنف النيل والأرض والسواعد والكفاءة الزاحفة نحو (صالات الهجرة) لأن العقول لم تجد مواعين البذل والعطاء .. نعم، الأجيال التي تعلمت بالسياط وتربت بالخراطيش - و كمان تفتخر بحضرة الصول- هي التي عجزت عن إدارة بلادنا ومواردها وشعبها (كما يجب)، وهي التي رسخت ثقافة العنف في السياسة وكل مناحي الحياة التي تستدعي ترسيخ الحوار والوعي والتنافس الشريف .. !! :: انها آثار التربية بالكُرباج والعُكاز، وقد ظهرت في نخب لم تزد الوطن إلا جراحاً لحد الإنشطار، ولم تزد ما تبقى الشعب إلا حرماناً من الحقوق وضنكاً في الحياة.. ومنذ إستقلالنا، ولأن مدارسنا لم تُخرج الأسوياء إلى سوح الحياة، نزرع الكراهية في مجتمعنا لنجني الحرب تلو الحرب، ونغرس الأحقاد في قبائلنا لنحصد مآسي تحقير الآخر، ونشتل الغبائن في نفوس بعضنا لتُثمر العجز عن التعايش مع بعض، ونشرًع القوانين التي تجلد وتسجن المعارض السياسي..هكذا أحوال الماضي والحاضر، وما صاغتها وشكلتها إلا أجيال ( الضرب ينفعهم)، فلماذا ندمر المستقبل أيضاً..؟؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة