بعد الانتخابات المصرية المضروبة التي جرت في ديسمبر 2010، وفاز فيها الحزب الوطني الحاكم بكل المقاعد تقريباً، عقد جمال مبارك نجل الرئيس المصري، والذي كان يشرف على قيادة الحزب فعلياً، مؤتمراً صحفياً لمُنافشة تداعيات الانتخابات، واكتساح الحزب لها مقروناً بالرفض الشعبي الواسع. في المؤتمر سأله صحفي مصري حول إمكانيات الحوار مع القوى الرافضة للنتيجة والمعارضة للنظام والتي ظهرت بكثافة على صفحات "فيسبوك"، اكتفى جمال مبارك بضحكة ساخرة، وانفجر معه الحُضُور من قيادات الحزب الوطني في نوبة ضحك طويلة. ثُمّ رَدّ جمال مبارك: أرد عليه أقول إيه... رد إنت يا حسين "مشيراً لأحد الحُضُور"، ثُمّ أتى صوت أحد القيادات ساخراً: "بيقول لك جماعة 6 أبريل". بعد أسبوعين أو ثلاثة كانت ملايين الجماهير المصرية تعتصم في ميدان التحرير مُطالبةً النظام بالرحيل استجابةً لدعوة من جماعة 6 أبريل وصفحة "كلنا خالد سعيد" الشبابية، وكلنا نعلم ما حدث بعد ذلك. مَغزَى هذه القصة، كما يقول الخواجات، إنّ بعض الأنظمة وقياداتها تفقد القُدرة على قراءة رغبات الشعب وتستهين بوسائل تعبيره المُختلفة والمتعددة، خَاصّةً وسائل التواصل الاجتماعي التي أثبتت خُطورتها وقُدرتها على الحشد والتعبئة والتنظيم. عندما حَدَثَت ثورة تونس استعصم النظام المصري بمقولة إنّ مصر ليست تونس، ثم قال علي عبد الله صالح وبشار الأسد إنّ بلديهما ليسا مصر ولا تونس، فحوّلا البلدين إلى محرقة يدفع ثمنها الجميع. ونسمع الآن نفس الأصوات ونفس المقولات من قيادة المؤتمر الوطني والحكومة، سخرية واستهزاء وتغييب للعقل وعجز عن الفهم للدعوة الحالية للعصيان المدني، واستهانة بقُدرة الشباب السوداني على الحشد والتعبئة والتنظيم والقيادة. ويتبع كل ذلك عَجزٌ كَاملٌ، مع سبق الإصرار والترصد، عن تفهم ماذا يريد الشعب. ما حدث أمس هو رسالة في غاية الأهمية عن أنّ الأمور لا يُمكن أن تستمر كما هي، وأنّ كل الحيل والألاعيب المُجرّبة قد استنفدت أغراضها وما عادت مُجدية. حتى الحوار الوطني بكل مهرجاناته لم يقنع أحداً، ربما إلاّ بعض كوادر المؤتمر الشعبي، إنّه يمكن أن يحدث التغيير المطلوب. من مُشاهداتي 13:59:34استطيع القول بأنّ اليوم الأول كان ناجحاً بدرجة كبيرة، فنسبة تنفيذ العصيان في الجامعات والمدارس لا يقل عن 90%، وفي شوارع العاصمة السودانية يمكن القول إنّ الحركة المُعتادة صباح الأحد أول أيام الأسبوع انخفضت بنسبة 50% تقريباً، وكذلك نسبة إغلاق المحلات التجارية والأسواق. مَا حَدَثَ أمس يُعتبر تطوراً لافتاً في العمل المُعارض على عدة مُستويات، وهو تمرينٌ ناجحٌ جداً يُمكن أن يقود لخطوات تصعيدية، وهو رسالة واضحة عن الحاجة لتغيير جذري وهيكلي يعيد البلاد إلى موقعها الصحيح. من الصعب التنبؤ بما سَيحدث بعد ذلك، لكن يُمكن القول إنّ المجموعات المُعارضة قد اختبرت قوتها في الشارع وخاضت تمريناً ناجحاً قد يُساعدها على مَزيدٍ من التصعيد والتنظيم في خطواتها المُقبلة. -
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة