لابد من تطوير معرفة الله عند البشر ، وأقول معرفة لأن الأديان طرحت صور متعددة لله وتبني أحدها أو استنتاج صورة جديدة هي عملية فردية محضة. وعندما نقول تطوير فهذا يعني فهم الخصائص الإلهية وتوجيهاته العليا بحيث تتناسب والعصر الذي يعيش فيه الناس. هذا يعني -كربوبي- أننا لا نصادر على الأديان سماوية أو غير سماوية ، بل هي كلها-أي هذه الأديان- جاءت كحلقات تطور مستمرة لتخاطب البشر بحسب سقفهم الثقافي وأفقهم المعرفي. فهي تطوير لموقف الله من البشر منذ الإنسان البدائي الأول الذي خوطب بقدر بدائيته عبر غضب الطبيعة وقسوتها. ثم عبر المعجزات لتواكب -بخرق الناموس الطبيعي- المخيال البدائي للإنسان وتغريه للإيمان بوقائع وملابسات وصور وقوانين فوق تصوره ومخياله فتصدم توقعاته الفطرية. ثم أن هذه الأديان تجاوزت أسلوب المعجزة بالإسلام ، لفكرة الطرح الروحي والمادي لموقف الله من البشر وموقفهم منه عبر الخطاب اللغوي المباشر وما يحمله من تأكيدات وأحكام، وحان الآن في هذا العصر أن نفهم النبوة بخلاف سابقاتها لأن النبوة هي آلية الرسالة الإلهية للبشر ، هذه الآلية كانت فردية بشكل كبير وذكورية أيضا ؛ أما اليوم فإن الرسالة صارت جماعية ، وبحسب تطور المجتمع تطور مفهومنا عن الله لقوة مطلقة خالقة للشر والخير في نفس الوقت منزوعة الصفات البشرية ، هنا لنا وقفة ، فالله -بحسب الأديان- كان يطرح نفسه على الخلق بما يناسب مقدراتهم العقلية ولذلك كان لابد أن يكون قاسيا مستبدا ومزلزلا لثوابتهم القديمة والتي تتنافى مع العبادة السليمة ، فإذا كان الله في تلك الأزمان والحقب البعيدة قد طرح نفسه كمعزز لقيم القوة فإن هذه القيم لا تصلح لإنسان اليوم ذا التأطر الحداثي أي إنسان العقل ، وإذا كان غضب الطبيعة آلية من آليات الله لتأكيد سلطته على البشر فإن هذه الآلية لم تعد صالحة لإنسان اليوم الذي بدأ أكثر قدرة على تطويع الطبيعة وفهمها وتفسيرها تفسيرا علميا دقيقا ، إذا ؛ فإله اليوم ليس هو إله الأمس ، بل تتكشف حقيقته وتتبدى وتتجلى كأنقى ما يكون حيث هو الذي يمتلك أدوات ما ورائية لمنح البشرية تصورات أجمل عن ما بعد الموت ، ويكون دوره الناسوتي هو الحفاظ على قوانين الطبيعية وأنساقها وعلاقاتها المدروسة خلافا للعصور السابقة التي كان فيها كسر النواميس الأرضية علامة على تكشف القوة الإلهية . فالمؤكد لوجود الله ليس المعجزة بل الثبات والاستقرار الكوني أي القانون بصفة عامة والأهم من ذلك الحاجة الروحية لوجوده فخاصة في تغيير ميتافيزيقية القدر بغيبياته المعقدة. إن معرفة الله الآن ابستمولوجية محضة خلافا لما سبق بكونها متجسدة أو مفارقة. فهي معرفة تجريدية تماما ، تبث السلام والطمأنينة في قلب الإنسان ﻷنها تحاوره بقدر تطوره العلمي والحياتي. وبقدر خصوصية الرسالة في هذا العصر يتسع وعاء النبوة ليشمل كل فرد في نطاق تطوره العلمي وما يقدمه من منتجات فكرية وتكنولوجية لتأكيد القانون الإلهي والسلطة المطلقة .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة