أمس الأربعاء 16/11/2016م ؛ في خطوة مفاجئة لكنها لم تكن مستغربة . أعلنت موسكو سحب توقيعها (رسمياً) على القرار المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ، الذي كان قد جرى التوقيع عليه في روما عام 2000م. المبررات التي ساقتها روسيا في هذا المجال تلخصت في إتهامها للمحكمة الجنائية الدولية بأنها غير فاعلة ؛ ولم تحقق الآمال المرجوة من تأسيسها ، وتفتقر إلى الإستقلالية .. وأنها منذ تأسيسها لم تحلب إلى ساحاتها وتصدر أحكاما سوى في 4 دعاوى جنائية كلفت مليار دولار .. وهو ما يجعلها المحكمة الأعلى كلفة في العالم.
واقع الأمر فإن التبرير الروسي يندرج هنا تحت مظلة (كلمة حق يراد بها باطل).
السبب الحقيقي الذي دفع موسكو لسحب توقيعها على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية يكمن في الآتي:
1) أنها ركزت على جلب ومحاكمة حلفاء لروسيا وعلى رأسهم بعض قادة سابقين في صربيا أو من بين صرب البوسنة.
2) أنها ما انفكت تثير إتهامات لمليشيات موالية لروسيا إرتكبت جرائم حرب أثناء الحرب الجورجية الروسية غير المتكافئة عام 2008م.
3) أنها تشير بأصابع الإتهام إلى قوات روسية (صراحة) بإرتكاب جرائم حرب في تلك الحرب أعلاه.
4) تسعى موسكو إستباق نشطاء في مجال حقوق الإنسان ؛ قد يثيرون إتهامات في وجه الرئيس بوتين بإرتكاب جرائم حرب في سوريا ؛ خاصة في مدينة حلب وضواحيها. 5) يبدو أن موسكو تسعى إلى تهيئة ترتيب الأجواء المقننة لإحتمال قيامها بمزيد من التدخلات العسكرية والأمنية في العديد من مناطق ودول العالم الأخرى . لاسيما وأن بوتين أصبح الآن على قناعة بأن له موعداً لن يخلفه ، وحميمة سارة مع الرئيس الأمريكي الجديد ترامب ؛ الذي لم يكف طوال حملته الإنتخابية ولا يزال عن الدفع بالكثير من رسائل الغزل إلى قلب بوتين. ................./ الأثر القانوني الذي يعلنه سحب روسيا توقيعها على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية لا يرقى بالطبع إلى إعتباره قراراً بإنسحابها نهائيا .. وكذلك لا يعتبر مؤشراً قوياً محتملاً على إمكانية حلها .... ولكن القرار يمثل صفعة في الوجه إلى هذه المحكمة ...... ورسالة إحتجاج قوية اللهجة إلى المجتمع الدولي الذي يدين الإستخدام الروسي المفرط للقوة ضد المدنيين الأبرياء العزل في سوريا ؛ بسبب تواجد إرهابيين ذوي أجندة وأفعال غير مشروعة من جهة ، ثم وثوار سوريين أصحاب مطالب سياسية مشروعة داخلية في محيطهم والأحياء السكنية. ولا تستطيع روسيا بالطبع أن تبرر وتشرعن قصفها الجوي للأحياء السكنية ؛ وإسقاط هذا الكم الهائل من الضحايا وسط المدنيين وتدمير الممتلكات والبنية الأساسية .... فهي وقوات بشار الأسد السورية كان يتوجب عليها التدخل بقوات برية لطرد الإرهابيين ، ومحاربة الثوار داخل القرى والمدن بحيث لا يؤدي ذلك إلى سقوط هذا الكم الهائل من الأبرياء السكان البشر. ولكن الشاهد أن موسكو تخشى الكلفة البشرية التي ستترتب على التدخل البري على الأرض .. ولأجل ذلك تلجأ إلى تدمير المعبد فوق رؤوس الجميع بأسلوب أقل ما يقال عنه أنه جبان مدمر ؛ أصبح ديدن الدول العظمى في الحروب الحديثة التي تعتمد على الآلة المدمرة وحدها. ........ بوجه عام فإن القرار الروسي لن يفت في عضد المحكمة الجنائية ولا يلغيها . بدليل أن هذه المحكمة قد ظلت تستمد شرعيتها من مجلس الأمن الدولي ، رغم أن الولايات المتحدة ليست عضواً فيها. ولكــــن : على الساحة الدولية بمجملها . فإن الأثر والتداعيات التي سيخلفها سحب روسيا توقيعها سيكون سلاحاً ذو حدين: 1) الحد الأول أنه يزعزع موقف المحكمة الجنائية الدولية ، ويقلل من مقدار ثقة الغير في قدرتها على الوفاء بما هو مناط بها ومعقود عليها من آمال.
2) الحد الثاني ربما يكون دافعاً لمجلس الأمن في ظل توافق ترامب وبوتين للنهوض بقدرات وفعالية المحكمة الجنائية الدولية على نحو يمكنها من تفعيل التنفيذ الجبري لمذكراتها بجلب زعماء وقادة متهمون في قضايا تتعلق بممارسة الإرهاب. .................. وفيما يتعلق ببلادنا . فإن الخطوة التي أقدمت عليها روسيا تقودنا مباشرة للحديث عن تداعيات وأثر هذه الخطوة على الرئيس عمر البشير ومسئولين آخرين أصغر حجماً ؛ صدرت بحقهم مذكرات جلب إلى ساحات المحكمة الجنائية في لاهاي ، لمواجهة تهم تتعلق بإرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية .. إلخ بحق مواطنين لهم في إقليم دارفور.... ولكن ينكرها المتهون والنظام الحاكم رسمياً حتى يومنا هذا.
وعليه فإنه يمكن توقع الآتي: 1) سيجد القرار الروسي ترحيباً حاراً من النظام الحاكم في الخرطوم . وستنبري الأقلام الموالية ، وتشحن الأبواق في مدح هذا القرار وإستثماره إيجابياً لأقصى درجة ممكنة.... وكل المطلوب من هؤلاء أن يضعوا في حسبانهم أنهم لم يعودوا الأداة الإعلامية الوحيدة في الساحة .. وبالتالي فعليهم التحلي بالموضوعية . وإحترام أقلامهم أولاً . ثم وعقول شعبهم بالكف عن معانقة النجوم ولزوم ما لا يلزم ثانياً. 2) القرار الروسي يمكن (شعبوياً) إعتباره بمثابة قرص مسكن للصداع النصفي الذي يعاني منه الرئيس البشير جراء إتهامات المدعي العام ، ومذكرة الجلب الصادرة في حقه من المحكمة الجنائية الدولية.
3) وعلى إعتبار أن صوت نظام الخرطوم في قدح وذم المحكمة الجنائية قد كن خافتاً . فإن دخول دولة عظمى قطب رحى على الخط في نفس إتجاه الخرطوم .. لاشك أنه سيسهم جملة وتفصيلا في إيصال هذا الإنطباع السلبي عن المحكمة الجنائية الدولية إلى كافة أركان الكرة الأرضية اليوم.
4) وتوافقاً مع (رقم 2) أعلاه . نتمنى على الرئاسة السودانية أن ترفع من رأسها قليلاً لأجل تراب الوطن وعزته وكرامته . فلا تمضي في السكوت المخجل والمبادرة إلأى تقديم التنازلات المجانية للعديد من الدول الجارة خاصة مصر وأثيوبيا ، وتشاد ودولة جنوب السودان فيما يتعلق بتعديات وإحتلال هذه الدول لأراضي ومناطق ومدن سودانية .. لا بل وإستغلال بعضها لثروات تلك المناطق المعدنية والزراعية دون وجه حق كما هو جاري في حلايب وشلاتين التي تحولت في عهد السيسي إلى مناجم لإنتاج الذهب . والفشقة التي تحولت إلى سهول رعوية غنية ؛ وأراضي زراعية خصبة منتجة مثمرة تحت حماية البندقية الأثيوبية.
5) لن يؤدي سحب روسيا توقيعها على النظام المؤسس إلى حل المحكمة ، وإلغاء مذكرات الجلب الصادرة بحق الرئيس عمر البشير . ولكنه سيعزز ويبرر جهود الخارجية السودانية في محاولتها تعرية المحكمة الجنائية الدولية ؛ بما يخفف كثيراً من الضغوط الإقليمية والدولية التي يواجهها عمر البشير شخصياً والنظام الحاكم في الخرطوم عامة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة