يروي رجل الأعمال أمين النفيدي حكاية مثيرة..كانت شركتهم واحدة من الشركات التي تعمل في مجال نقل الإغاثة إلى الشعب الإثيوبي من ميناء عصب..جاءت شحنة إغاثة مجانية من القمح.. بدأت الشاحنات في تحميل الهدية ..بعدها جاءهم هاتف تحمل طياته انزعاج..المسؤول طلب منهم أن يتوقفوا وأن تعود الشاحنات التي غادرت إلى ذات الميناء..الأثيوبيون رفضوا منحة القمح حتى لا تتغير الثقافة الغذائية من الذرة المنتج محليا إلى طعام يأتي من وراء البحار..عبر هذه الفكرة حافظت إثيوبيا على استهلاك الذرة وتجنبت مصيدة القمح.. في ذلك الوقت كنا نستهلك نحو ربع مليون طن من القمح ..معظمها يأتي في مساعدات غذائية.. الآن نستهلك من القمح ما يتجاوز مليوني طن صباح الجمعة استيقظ السودانيون على وقع مفاجأة..الحكومة زادت أسعار كثير من السلع..الزيادات شملت الكهرباء والوقود والجمارك..أي زيادة في الطاقة المحركة تعني تلقائيا زيادات أخرى في الموصلات والغذاء والمساكن التي سترتفع كلفة تشييدها ومن ثم ايجارها لمحدودي الدخل.. القراءة الاقتصادية العميقة تؤكد أن الحكومة لم تكن بين يديها خيارات أخرى غير رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية..وذلك بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، وزيادة الشقة في الميزان التجاري..العام الحالي يتوقع أن يصل حجم العجز ما بين صادراتنا ووارداتنا نحو 4.7 مليار دولار، حدث هذا رغم سياسة الحد من الواردات التي وفرت للحكومة نحو ملياري دولار..الصحيح في الاقتصاد أن تزيد الصادرات بدلاً من تخفيض الواردات التي تعني التدخل في رفاهية الناس بمنعهم من استيراد ما يرغبون..في الاتحاد السوفيتي في أيام الشمولية كان يمنع استيراد الجنز الأمريكي ..وكانت هنالك سوق سوداء وتجارة رابحة لهذه السلعة المحرمة هنالك بعض الجوانب المهمة في هذه السياسة التي حاولت معالجة التشوهات في الاقتصاد..زيادة المرتبات تمت بعدالة جعلت الحد الأدنى في الزيادة نحو 420 جنيهاً..فيما الحد الأعلى 1200جنيه ..في السابق كان أصحاب الياقات البيضاء من أصحاب القلم لهم نصيب الأسد من كل زيادة في المرتبات..هذه الزيادات من الممكن أن تعالج بعض الفروقات الناتجة من الارتفاع المتوقع في الأسعار.. إلا أن الأهم من ذلك أن زيادة الكهرباء استهدفت الأثرياء الذين يستهلكون أضعاف مضاعفة من الكهرباء..في دراسة أجريت مؤخرا تستهلك أحياء شرق الخرطوم أكثر من كل ولايات شرق السودان التي تنتج معظم صادراتنا من الذرة والسمسم..لكن الزيادة في الوقود ربما يدفع ثمنها الفقراء قبل الأغنياء..جاءت الزيادات في وقت يتوجه فيه المزارعون نحو زراعة الموسم الشتوي وحصاد محاصيل الصيف الماضي..إذاً ما لم تنتبه الحكومة لهذا التوقيت ربما انصرف الزراع عن الزراعة وصوبوا وجهتهم نحو الخرطوم ليبحث أن عن مهن هامشية بديلة.. في تقديري إن أول أخطاء الحكومة إنها نزلت سياساتها بليل ولم تدر حواراً مكثفاً حتى مع حلفائها أو حديقتها الخلفية في الحزب الحاكم..الوجه الأكثر سوءا أن الحكومة أبعدت نفسها من تحمل الفاتورة الجديدة.. كل ما قاله وزير المالية مجرد وعود حول تخفيض الإنفاق الحكومي بنحو عشرة بالمائة..الجهاز التنفيذي ما زال مترهلا وسيشهد مزيداً من الترهل عقب توزيع غنائم الحوار الوطني..مازال الوزراء ينعمون بسيارات متعددة وسفريات على درجات رجال الأعمال بصراحة ..كان من المأمول أن تبدأ الحكومة بنفسها في سياسة ربط الأحزمة على البطون الممتلئة... للأسف هذا ما لم يحدث ولن يحدث..حكامنا لم يتعودوا على التقشف الذي هو وصفة شعبية akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة