· التقيت صديقتي اللدودة بعد غياب طويل، وقبل أن تلقي علىّ التحية باغتتني بسؤال عجيب: ألا تتفق معي في أن الكثير ممن يفترض أنهم حملة مشاعل الوعي عندكم يحتاجون لمن يرتقي بوعيهم؟
· حاولت قدر المستطاع إخفاء غضبي وقلت: أنت هكذا دائماً يا صديقتي تباغتينني بأسئلتك حتى قبل إلقاء التحية أحياناً، لكنك في الكثير من الأحيان( تشطحين) وتفترضين ما هو غير صحيح.
· قالت: أفهم من ذلك أن اتهامي لكم بالحاجة لمزيد من الوعي قبل أن تقوموا بدوركم في توعية الآخرين أغضبك يا عزيزي!
· أجبتها سريعاً: ليس تماماً، لكنني أرى أنك تبالغين أحياناً، فنحن نتمتع بالوعي الذي يمكننا من أداء رسالتنا تجاه أفراد مجتمعنا كما يجب.
· أطلقت ضحكة عهدتها منها في مثل هذه المواقف قبل أن تقول: تزعمون أنكم تناهضون النظام الحالي وأنتم بمؤسساتكم المعارضة أول من يروج له ولرموزه وكتابه وإعلامييه وأكثر من تحققون له أهدافه..
· وأضافت: تحاربون من يقفون معكم في خندق واحد أكثر من حربكم لهذا النظام..
· واستطردت: وتصدقون الكثير من الأكاذيب وحملات التضليل لتهدرون وقتاً ثميناً في مناقشتها وتداولها فيما بينكم وبعد كل ذلك تقول لي أنكم تتمعون بالوعي اللازم!!
· قلت محاولاً حسمها حتى لا تستمر في حديثها المثبط للهمم: لكي لا يكون الكلام على عواهنه أرجو أن تسندي ما تقولين بالأدلة.
· ردت بأسرع مما تخيلت بالقول: ألم يجلس الكثيرون ممن يُعتبرون منارات للوعي في بلدكم أمام التلفاز لساعات طويلة لسماع خطب الإعلامي حسين خوجلي وقت أن أوهمكم جميعاً باطلاق حملة معارضة للنظام عبر قناته الخاصة؟!
· قلت: لا يعني جلوسنا أمام التلفاز لمتابعته أننا نؤمن بما يقوله يا عزيزتي.
· قالت: أعرف ذلك بالطبع، لكن ألا تتفق معي أن خدعته أخذت منكم الكثير من الوقت الذي كنتم بلا شك تحتاجونه فيما هو أهم!
· وقبل أن أعقب على ما ذكرته استطردت قائلة: وقبل ذلك ألم يصدق الكثيرون منكم أن الدكتور الراحل حسن الترابي وحزبه قد أصبحوا مع معارضتكم في خندق واحد يوم أن اختلفوا مع بقية إخوانهم في الحكومة؟!
· قلت متساءلاً: ومن قال لك أنهم لم يتحولوا إلى جانب المعارضة فعلاً لا قولاً!
· أطلقت ضحكة مجلجلة هذه المرة قبل أن تضيف: يعني ما زلتم تصرون على خداع أنفسكم، ألم تسمع رأيهم في اضراب الأطباء الأخير يا صديقي! كيف يكونوا معكم في خندق واحد ويدعون دفاعاً عن الحريات وفي نفس الوقت يضنون على الأطباء بحق الاضراب السلمي بغرض تحسين وضع الخدمات الطبية؟!
· اعترفت لها صراحة ودون مواراة: والله في هذه الغلبة لك يا صديقتي.
· يبدو أن الاعتراف فتح شهيتها للآخر فمضت تقول: ليت الأمر توقف على ذلك فقط يا صديقي، فحتى المؤسسات الإعلامية المعارضة التي يفترض أن تكون منابر لكل من يحمل رأياً موضوعياً في النظام أراها تفتح أبوابها لمؤيدي الحكومة أكثر مما تفتحها لمن يعارضون هذه الحكومة.
· قلت بحسم: هل تريدين منهم أن يمارسوا نفس الطغيان ويحجروا على آراء من يخالفون توجهاتهم!
· قاطعتها بالقول: لا هي ليست شعارات، بل الحقيقة أن بعض مؤسساتنا الإعلامية المعارضة تفسح المجال دائماً للرأي والرأي الآخر.
· قالت: أولاً يا عزيزي احتكاماً للحال الذي تعيشونه وتكميم الأفواه والشتائم التي يتعرض لها المعارضون من بعض الأقلام المؤيدة للنظام يفترض أن تكون مؤسساتكم الإعلامية المعارضة أكثر حسماً مع هؤلاء، ولا أعني بذلك أن ترفض نشر موادهم، لأن في النشر أحياناً كشف وتعرية للأرزقية والمخادعين، لكن أعني عدم المبالغة في الاحتفاء بما يكتبون في بعض الأحيان.
· قلت: لا أفهم ما تقصدين بالمبالغة في الاحتفاء!
· ردت بالقول: أعني أنك قد تحتفي بمقال محدد لفكرته الواضحة أو لمعلوماته التي تخدم قضيتكم، وفي هذه الحالة ليس هناك أدنى مشكلة، لكن المشكلة تكون عندما يتم الاحتفاء بالاسم مع خلو المادة من أي فكرة تستحق، وكأنكم سعداء بالشهرة التي حصل عليها كتاب الحكومة.
· يبدو أن المقام مقام حجر آراء حقيقة.. فقد استمرت صديقتي في حديثها دون أن تمنحني الفرصة للتعقيب قائلة: هي في النهاية شعارات براقة منكم يا صديقي العزيز فأنا أعلم تمام العلم أن الكثير من وسائل إعلامكم تمنح الأصدقاء وذوي السلطة والجاه ومن تربطهم بأفرادها علاقات جيدة- حتى إن كانوا من المعسكر الآخر- فرصاً أكبر مما تمنحه للآخرين.
· وأضافت: إن كانت بعض هذه المؤسسات تحجر حتى على كتاب الرياضة ولا تمنح الفرصة لمن ينتقدون بعض الإداريين لكونها، أي هذه المؤسسات تستفيد من علاقاتها ببعض الأثرياء الذين يديرون أنديتكم.. إن كان الوضع كذلك في الرياضة فكيف تريدني أن أقتنع بليبراليتكم المطلقة وافساحكم المجال واسعاً للتعبير عن الآراء بحرية تامة! كل شيء في بلدكم يا عزيزي محكوم بالعلاقات سواءً في الحكومة أو المعارضة وما لم تعترفوا بذلك لن تتقدموا شبراً للأمام.
· مرة ثانية لم أجد مناصاً من الاعتراف بجزء مما سمعته من صديقتي النكدية فقلت: بصراحة لدينا بعض الإشكالات في هذا الجانب لكن أعدك بأن تُحل في أقرب وقت.
· قالت: وهل تظن أن مشكلتكم في اقناعي من عدمه حتى تعدني! المهم عندي يا صديقي أن تصارحوا أنفسكم بما تعانونه حتى تصبحوا لديكم معارضة حقيقية بدلاً من اهدار وقتكم في النقاشات الطويلة وتكرار أنفسكم بهذا الشكل الذي لا يغير شيئاً، عسى ولعل أن يسهم ذلك في تصحيح أحوال بلدكم الذي بلغ مراحل تدعو للأسى، خاصة عندما يقارن المرء ما أنتم فيه الآن بما كنت عليه في وقت مضى.
· واختتمت حديثها بالقول: أذكركم دائماً بضرورة التريث وعدم إهدار وقتكم الثمين في مناقشة أمور وقضايا تُثار عن عمد لإشغالكم بها والمؤسف أنكم في كل مرة تنفذون الأهداف المرسومة دون أن تتعظوا من دروس الماضي.. فتارة تصدقون أوهام شيخهم الكبير.. ومرة تنسون تلك الكذبة الكبرى ليقبل بعضكم بتحالفات تكتيكية معه ومع حزبة.. وفي مناسبة أخرى يضحك عليكم أحد أكبر الأبواق بكلمتين فتصدقوه إلى حين.. وفي مناسبة أخرى تطالعون مقالاً لمتكسب من النظام لتسارعو بفتح أبواب النقاش حوله .. وكل ما لاحت فرصة التغيير تهدرونها بغرابة، فبالأمس القريب دخل أطباؤكم في اضراب كان من المفترض أن يستقطب بقية أهل المهن، لكنهم بدلاً عن ذلك اكتفوا جميعاً بالإشادات والثناء على ما فعله الأطباء.. فإلى متى يا صديقي إلى متى؟!
· وقبل أن أشكرها على صراحتها ودعتني وانصرفت على أمل اللقاء بي مجدداً متى ما سمحت ظروفها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة