:: ذات عام، عجزت إدارة مشروع القرية عن توفير وقود الموسم، واجتمع الأعمام وشرعوا في طرح أفكار لانقاذ الموسم بتوفير التمويل.. ولكن أحدهم، وكان معروفاً بالرأي الأشتر، قطع حبل أفكارهم مقترحاً : (ح يحصل شنو يعني لو السنة دي خلينا الزراعة ؟)..قالها بمنتهى اللامبالاة، وسكت .. فاستاء الجميع، وكالوا له من السب والشتم ماكالوا، وإقترحوا بطرده من الاجتماع، ليرفض حكيم القرية قائلاً : ( ياجماعة ما تزعلوا، خلوه يتكلم، ده النوع البيفتح خشمو وينتظر الكلام يجي مارق براهو)..!! :: واليوم، لسان حال بعض من نسميهم بالمسؤولين لايختلف كثيراً عن حال صاحب ذاك (الرأي الأشتر).. وكأنهم يفتحون أفواههم، ويخرج التصريح ( لا إرادياً)، أي كيفما اتفقت كلماتها ومعانييها، وتوثقها أجهزة وسائل الإعلام ثم تنشرها أوتبثها ( كما هي)، أي تلطم به الرأي العام .. وعلى سبيل المثال، تعليقاً على ما حدث بمستشفى أمدرمان من إعتداء على الأطباء وتحطيم للمعدات، لم يجد وزير الصحة بالخرطوم ومدير عام المستشفى من أسباب هذا العبث غير إتفاقهما على وصف المعتدين بأنهم ( كانوا سكارى) ..!! :: إفادة غير مسؤولة.. ومراد بها تغطية مسؤوليتهما - الوزير والمدير - عن حوادث الإعتداء على الأطباء والمشافي .. نعم، لا فرق بينهما و تلك الفئة الطائشة من العامة المعتدية على الأطباء والمشافي .. أي بالفشل أو بالعجز عن توفير مناخ العمل - لكوادر الطب والتمريض - في المشافي، تعتبر الوزارة والإدارة من (عتاة المعتدين) ..وعندماً يلقى من نسميهم بالمسؤولين الطبيب مكتوفاً من الأيدي في بحر التردي المسمى - مجازاً- بالمشافي، فليس من العدل أن نطالبه بأن يكون ملائكياً في آداء الواجب ..!! :: فالوزارة تعلم، وكذلك الإدارة، بأن ساعات عمل الأطباء في بلادنا تتجاوز ساعات عمل خدم المنازل، وذلك لعجزهما وفشلهما - الوزير والمدير - في توفير الحد الأدنى من الكادر المطلوب بالمشافي وأقسامها، وإن لم يُكن هذا إعتداءً على الطب وإنتهاكا لحق الطبيب، فماذا يكون؟.. ثم أن الوزارة تعلم، وكذلك الإدارة، بأن الحال في المشافي بلغ حد تناوب الأطباء حتى الكراسي التي هم يجلسون عليها، وناهيك عن عجزهما وفشلهما - الوزير والمدير - في توفير الحد الأدنى من الأجهزة والمعدات ذات الصلة بأمراض المرضى، وهذه بمثابة إعتداء على الطبيب والمريض ..!! :: والذين يعتدون على الطبيب لا يعلمون بأن المعتدى عليه قد دفع - بهذا الإعتداء - ثمن عجز الوزير والمدير عن ترقية وتطوير (بيئة العمل)، وثمن فشلها في توفير (مناخ العلاج)..ولو كانوا يعلمون لحولوا غضبهم المشروع إلى المسؤولين، بحيث يغادروا مواقع المسؤولية غير مأسوفاً عليهم..ورغم أن هناك إجماع بأن بؤس المشافي العامة هو مدخل العنف، وأهم أسباب الإعتداء على الأطباء و كوادر التمريض..!! :: ومع ذلك، بدلا عن إصلاح هذا الحال البائس (وزاريا وإدارياً ومالياً)، يغطون فشلهم وعجزهم بالحلول الأمنية ويقترحون إنشاء شرطة حماية المستشفيات، أوهكذا الإختزال المخل للأزمة ثم الهروب من المسؤولية .. حسناً، فليكن المدير الطبي منتدباً من شرطة مكافحة الشغب، وأن يكون الغاز المسيل للدموع بديلاً للأوكسجين الطبي، ليسهل القضاء على ما تبقى من الناس ..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة