وماذا يمكن أن نسميها غير دكاكين؟ لا شيء آخر يمكن أن يطلق على عشرات الجامعات والكليات والمعاهد الخاصة التي تنشأ بشكل تصاعدي كل يوم غير دكاكين، فهي تقوم وتنشأ بنفس العقلية، وتتم إدارتها بنفس الطريقة، ويتم التعامل مع الطلاب باعتبارهم زبائن. وليس في الأمر أي قصد بالإساءة لأصحاب الدكاكين، فهم يقومون بعملهم بإمكانيات بسيطة، وبما يتيسر من البضائع، يبتغون الرزق الحلال، وغالباً ما يقوم صاحب رأس المال بإدارة الدكان، ومعه أحد أقربائه، ويتم تحديد الأسعار بما يناسب المنطفة الموجود بها المحل، لا ضير في ذلك. لكن حين يتم التعامل بنفس العقلية وطريقة الإدارة في مؤسسة تعليم عالٍ لا يجب أن نتوقع غير أنها ستنتج جيلاً يتمتع بجهله ويتمتع جهله به، ونحن المسؤولون عن ذلك. لا أعرف عدد الجامعات والكليات الخاصة، ولا أظن أن هناك من يملك المعلومة إلا إذا كان مسؤول السجل بالتعليم العالي، ففي كل يوم نجد إعلاناً في مكان ما، صحيفة أو إذاعة أو تليفزيون، أو لافتة على كبري، عن افتتاح كلية جديدة. وزارة التعليم العالي هي المسؤولة الأولى والأخيرة، فهي ليست مكتب تصديقات يتلقى الرسوم ويختم التصديق، لكنها من المفترض صاحبة التخطيط للتعليم العالي في البلاد، هي التي يجب أن تدرس وتحدد الاحتياجات أولاً، ثم هي المسؤولة عن تحديد المطلوبات الأكاديمية والفنية والإدارية والبيئية لأي كلية أو جامعة جديدة، لكن من الواضح أنها لا تفعل ذلك الآن. إن كانت للوزارة خطة مبنية على سوق العمل؛ لحددت إن كنا نحتاج لكلية طب أو هندسة أو تقنية كمبيوتر أم لا، ثم يلي ذلك المطلوبات والتجهيزات الفنية من مبانٍ ومعامل وأجهزة ومعدات، بحسب طبيعة كل تخصص. وكل هذا فيه خلل رهيب، كليات طب بلا مستشفيات ولا معامل ولا تجهيزات، إنما مجرد مبانٍ. وحتى في مسألة المباني هناك تجاوزات كبيرة، بعض ما يسمى بالجامعات والكليات يقيم في منازل ومبانٍ لا تليق بمدرسة ثانوية. ليست هناك مراجعات للمناهج المطلوبة، ومدى التزام الكليات بها، وليست هناك شروط أو متابعة ومراقبة لحجم الطاقم المطلوب ومستويات تأهيله. في سنوات ماضية كانت هناك شروط بعدد من الطاقم المؤهل لإنشاء تخصصات معينة، في شكل أساتذة بدوام كامل. لا أظن أن هناك أي إيفاء بهذا الشرط في الكليات الجديدة، لأن الكليات والجامعات القديمة تعمل بنظام أستاذ واحد معين بالقسم، ويتم إكمال البقية بنظام الأساتذة المتعاونين. وبالتأكيد لا يتوقع أن يوفر هذا النوع من التعليم ما يحتاجه الطالب من أستاذ مقيم يمكن أن يرجع إليه الطالب عند الحاجة. بل إن بعض جامعات الأقاليم تتعاقد مع أساتذة يقومون بتدريس المنهج خلال شهر، ثم يعودون للخرطوم. لا عجب أن قرأنا أن بعض الدول قد أوقفت إرسال مبعوثيها للجامعات السودانية لضعف المستوى، ولايظنن أن هذه الفوضى يمكن التغطية عليها، ومواراة سوءتها في صمت، فآثارها لا بد أن تخرج للعلن، وتضر بسمعة التعليم العالي بالسودان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة