قرأت في الزميلة "الجريدة" أمس خبراً عجيباً.. عن اتجاه للاتفاق على (منع الرافضين لتوصيات الحوار الوطني من ممارسة الحريات)..!! حسناً.. من الحكمة أن نسأل بكل عفوية.. كيف سيتم منع ممارسة الحريات؟ هذا طبعاً بافتراض أن الحوار الوطني أنجب الحريات المنشودة.. ثم أعلن عن (حظر الحريات) ضد كل من يرفض الحوار الوطني.. كيف سيكون المنع؟؟ بأوامر إدارية؟ أم بتعديلات دستورية؟ أم بتعليمات من أمانة الحوار الوطني؟؟ كيف ينفذ هذا المنع؟ بالطبع سؤالي ليس في انتظار إجابة من جهة مختصة.. لكنه محاولة لاستنطاق المنطق الذي يفترض أن الحوار الوطني سيصنع واقعاً جديداً فيه إعلان عن فتح الحريات.. مع استثناء –طفيف- لكل من يأنس في نفسه الكفاءة ليجهر برفضه الحوار الوطني.. فإن كان بالإمكان منح الحريات باليد اليمنى.. ومنعها باليسرى.. تفقد الحريات هنا كونها حقاً دستورياً.. وتصبح مجرد (منحة) مثل (منحة العيد) التي تمنحها الحكومة للعاملين في القطاع العام وتحرمهم منها حسب الظرف.. الحريات هي أصل وثيقة الحقوق الأساسية التي لا يمكن إخضاعها لمنطق (شباك الصراف).. وبالضرورة الحوار الوطني سيجد نفسه في حرج ومأزق كبير لكون الحريات المنصوص عليها في الدستور أكبر كثيراً مما تصور المتحاورون.. وأن الحوار طالما سيرفع توصياته في (وثيقة وطنية) فإن الوثيقة ستكون أقل قامة من الحريات المتاحة بنص الدستور الآن.. فكيف تستطيع أمانة الحوار الوطني إصدار وثيقة وطنية تحرم على الرافضين الحوار الحريات التي أتاحها لهم الدستور.. مثل هذه الأخبار حتى ولو كانت مجرد مناقشات داخل لجان مكلفة بتنسيق التوصيات للمؤتمر العام فهي خطيرة للغاية لأنها ترفع معدل الإحباط العام ليس في توصيات الحوار بل في (رشد) بعض القائمين على أمر هذا الحوار.. لا تزال النقاط الخلافية في توصيات الحوار الوطني محل نظر.. بل ربما ازداد الخلاف حولها.. وبالتحديد التوصيات التي تحوم حول حمي (الحريات).. وعندما تبرز للرأي العام (تهويمات) من مثل توزيع الحريات بالبطاقة على الموافقين وحجبها عن الممانعين.. فإن ذلك يعني عملياً أن الحوار الوطني وبعد طول انتظار لم يحقق إلا إعادة (اكتشاف العجلة).. حيث أن الغالبية العظمى من توصياته هي من المتفق عليه بالضرورة.. ولم يبق إلا توصيات الحريات هي مثار الخلاف.. الحرية لا تتجزأ.. ولا تُمنح وتُمنع حسب البطاقة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة