لم أقل ذاك الكلام أنا، قاله عدد من الذين سمعوا عن، أو قرأوا ما نشرته صحيفة الراكوبة الاليكترونية عن تسلل " مجموعة من اللصوص إلى شقة يستخدمها القيادي البارز بحزب البشير ومحافظ بنك السودان السابق ورئيس القطاع الإقتصادي بالحزب صابر محمد الحسن، كمقر لادارة اعماله، وتمكنت من سرقة (28) ألف يورو و(32) ألف دولار، بجانب بعض المبالغ بالعملة المحلية والعملات الاجنبية."
و قد علق أحد القراء قائلاً:- " صابر الخائن ان شاء الله الحرامى اصبح فى المويلح ومنها ادخل الجنوب"! ليس هذا القارئ هو المتعاطف الوحيد مع اللص.. بل بارك السرقة عدد من الذين علموا بالحادثة وتمنوا للص النجاة من البوليس و الأمن و كل من يحاول إعادة المال المنهوب من عرق الشعب إلى الناهب من الشعب..
و لهذا التعليق و تلك المباركة دلالات خطيرة تشير إلى أن الناس تعاطفت مع الحرامي ( المسكين) الذي لم يضرهم في شيئ و يصبون جام غضبهم على الحرامية الكبار الذين سطوا على الأموال بالفساد و القهر و الافقار و كل ما ضار في حياتهم اليومية..
إن أول مؤشرات الفساد أن يفرض الحكام وظائف دستورية دون ( أعباء) لكل من يواليهم.. و يمنحون رواتب مهولة و امتيازات تبدد المال العام دون تقدير للظروف المالية و الاقتصادية للبلد.. إنهم يثرون ثراء فاحشاً نتيجة فساد لا يخالف الدستور و لا يخالف اللوائح التي ابتدعوها لإثراء ذواتهم دون اعتبار لمعاش باقي الشعب..!
و يكتنز المتنفذون العملات الصعبة ( جداً) في بيوتهم بعيداً عن التداول في السوق ( الرسمي) الذي يُسعَّر الدولار فيه في حدود 6.8 ألف جنيهاً.. بينما يتمخطر الدولار في دلال في السواق ( الموازي) ليطالب في موازاته 17 ألف جنيهاً.. و لا زال يتعالى في شموخ و الجنيه يتضعضع في خنوع.. و ( الساقية لسه مدورة).. و منتسبو المؤتمر الوطني هم الذين يملكون ناصية الارتفاع المتوالي للعملات الصعبة : دولار ريال.. شيك سياحي...! فإنهم، بالتأكيد، من بيدهم كل العملات الصعبة، و إلا فمن أين أتى هؤلاء المتنفذون بكل هذه العملات الصعبة التي لا نسمع عن امتلاكهم إياها إلا بعد أن يعتدي لص ( شريف!) على بعض منها في منزل أحدهم أوفي شقته ( المكتبية)..أو حتى في صندوق تحت سريره؟
إن د. صابر محمد الحسن اقتصادي مرموق، و مدير سابق لبنك السودان المركزي، و يُفترض فيه أن يكون عارفاً بالتأثير السالب لتواجد العملات الصعبة بكميات كبيرة خارج النظام المصرفي، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن كل فرد من متنفذي النظام يمتلك آلافاً من العملات الصعبة في مكتبه أو مزرعته أو قصره.. كما يُفترض في د. صابر، باعتباره عارفاً ببواطن النقد الأجنبي، أن يكون حريصاً على المساعدة في حصر ذلك النقد في دائرة النشاط المصرفي تحت رقابة جهاز مراقبة النقد الأجنبي ببنك السودان المركزي.. لكنه آثر تطبيق مقولة ( حاميها حراميها) عملياً.
لم يعد بنك السودان يمتلك صلاحية وضع السياسات المالية للتحكم في النقد الأجنبي.. و لم تعد لوزارة المالية و الاقتصاد دور في وضع السياسات الاقتصادية التي تفضي إلى اختراق الحالة الاقتصادية المتردية باستمرار.. و الجميع يتعامل بعقلية ( التَّشَاشين) و السماسرة في السوق.. واضعين كل ما لديهم من معارف علمية جانباً من أجل السيطرة على موارد البلاد لذواتهم..
و ذكرتنا صحيفة الراكوبة بالخبر الذي شاع و عم البلد، قبل نحو ثلاث سنوات، عن " التعدي على منزل د. قطبي مهدي القيادي البارز في حزب البشير ورئيس جهاز أمنه الاسبق و سرقة عملات صعبة مقدارها:- ( 40310 يورو و 11,336 فرنكاً سويسرياً و 9 ألف ريال سعودي و 5 آلاف جنيه استرليني و(645) ألف ليرة لبنانية، و(420) ألف ليرة سورية، و(20) ألف جنيه مصري، و(26) ألف دولار و(91) ألف جنيه سوداني)"!
إن تنوع العملات المسروقة من منزل قطبي مهدي يكشف لنا أن قطبي إما أن يكون من هواة جمع العملات.. أو ربما يكون أحد سماسرة السوق الأسود الذي يبتلع كل رصيد السودان من الأمل في تحسين أحوال الجنيه..
كلا الرجلين القياديين البارزين في المؤتمر الوطني يخربان الاقتصاد السوداني بأسلوب السماسرة.. و غيرهما سماسرة قياديون بارزون في المؤتمر الوطني يخربون الاقتصاد.. و من ثم يلهثون وراء القروض من الدول ( الشقيقة) و ( الصديقة).. و عندما يتحصلون عليها، يهربون منها ما شاء لهم أن يهربوا و ينشئون بالباقي مشاريع وهمية لا يرجى منها نفعاً و لا جدوى لها سوى لمصلحتهم..
قد يسأل سائل، ما الغرض من الاحتفاظ بتلك الكميات من العملات الصعبة في غير محلها يا ترى؟ و يرد ساخر بأن ( الجماعة) يجهزون أنفسهم ليوم ( الكعة) و الهروب الكبير متى دارت ( الدائرة) عليهم.. و قائل يقول أن المبالغ المسروقة نثريات فقط، رأس جبل الجليد ليس إلا، و أن العملات الصعبة المودعة في الخارج أعظم..
إن التجارب أثبتت أن الفائدة التي تلي منسوبي النظام تلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد السوداني.. و لا شيئ يهمهم.. يأكلون المطيبات و المرطبات و يشربون ( إكسير الحياة) و يسكنون الفلل و القصور وينكحون ما طاب لهم من النساء.. لا خريف يهمهم و لا يلقون بالاً لهجير الصيف.. و يتداولون العملة الصعبة خارج النظام المصرفي في السوق الأسود الذي أسموه السوق الموازي.. كما و أن اقتصادهم ( الخاص جداً) هو الاقتصاد الموازي لاقتصاد البلد.. " يا نيل!.. يا ليل! يا بلد!.. يا بلدي يا حبوب.. يا أو جلابية و توب!"
حتى الجلابية صرنا نستوردها من الصين و التوب من سويسرا.. و المركوب صار مركوب بلاستيك من واق الواق!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة