علق أحد الاخوة على مقال لي بصحيفة الراكوبة الاليكترونية مشيراً إلى أن الهدف من الحوار جاء على لسان البشير فى مارس 2014 عندما قال " الناس افتكروا ان الوثبة والحوار سيؤديان الى تفكيك الانقاذ نفسها.. الهدف هو "استرداف" من يؤمنون ويوافقون على طروحاتنا .. طروحات الانقاذ ورؤيتها وبرامجها" .
و نقرأ تنويراً قدمه الامام/ الصادق المهدي ، عقب التوقيع على خارطة الطريق، يقول فيه:- ".... التوقيع يعطينا فرصة كبيرة إذا انتهزناها سنحاصر النظام فإما أن يعطي الشعب حقوقه أو ينتزع الشعب حقوقه كاملة وهذا التوقيع بداية وليس نهاية..."
أما السيد/ ياسر عرمان فيقول لنا:- "... لن نسلم سلاحنا الا بعد أن يسلم سلاح الجنجويد والمليشيات ويسلم سلاح المؤتمر الوطني والاسلاميين ونعمل جيش جديد لكل السودان، جيش ليس حق الحركة الشعبية ولا حق المؤتمر الوطني"
و ينبري أركو مني مناوي مخاطباً السودانيين الذين حضروا مراسيم التوقيع:- " مشكلة البشير انه لا يريد إقالته من الرئاسة نحن مشكلتنا بطريقة مصغرة وضعناها في هذه الطاولة ونحتاج لتعديل خطواتنا, أمس رفضوا لي بالتحدث أمامكم."
من خلال هذه الكلمات نرى نذر صراع خفي ( داخل نداء السودان).. و نرى كذلك شرر صراع مرير سينشب بين ( استرداف) البشير لناس الصادق و بين ( حصار ) ناس الصادق لنظام البشير، و سوف يحتدم صراعٌ أمَر حين يرفض الجيش الشعبي تسليم سلاحه ما لم يتم تسليم أسلحة الجنجويد و المليشيات المتأسلمة.. و نتنبأ بحدوث صراع إرادات سياسية أعنف من أي صراع في ميادين القتال.. و سوف تكون ساحاته التطلعات المختلفة و الأفكار المتباينة بينما التوجهات تتعارض نحو تحقيق المصالح الشخصية منها و غير الشخصية..
إن ببيئة العمل السياسي المريحة التي أتيحت للمؤتمر الوطني طوال 27 عاماً و نيف سوف تفرض نفسها على قرارات النظام.. و ستكون للعلاقات الاجتماعية المرتبطة بتلك البيئة ( الإخوانية) الكلمة النهائية في سير الأحداث.. و سوف يدافع الكل عن الكل ( إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) على عكس ما رمى إليه الحديث الشريف.. و لن يتنازل المتنفذون بما فيه الكفاية عن نفوذهم لمصلحة السودان بتاتاً..!
قلنا من قبل أن بعض مكونات قوى نداء السودان سوف يُلدغ من جحر المؤتمر الوطني مرتين؟ و جميعهم ماضون إلى نفس الجحر على هدى خارطة الطريق.. و نحن لا نشك في نواياهم الوطنية.. لكننا نشك في أن المؤتمر الوطني سوف ( يسمح) لهم بالعمل على تحويل امبراطورية البشير إلى جمهورية ديمقراطية تتمتع بحكم راشد.. و من حقنا أن نتكئ على شواهد سابقة دون سفسطة.. و قد أشرنا و أشار العديد من الكتاب إلى تلك الشواهد..
و لا يزال بعضنا يتساءل عما إذا كان التوقيع يعني الالتحاق بحوار ( الوثبة) أم يعني المشاركة في الحوار؟ و الالتحاق و المشاركة كلمتان مدلولهما في قاموس النظام واحد و هو أن تكون المعارضة ( تِرِلة) خلف شاحنة المؤتمر الوطني.. أو أسداً مروضاً في حديقة النظام! لكني لا أعتقد أن قوى نداء السودان سوف تكون سهلة الترويض في حديقة المؤتمر الوطني.. كلا، لن تكون!
و حين قال المهندس عمر الدقير:- ( التسوية ما كعبة، الكعبة التسوية الكعبة)، فهو يشير إلى شيئ من عدم الخضوع لأمنيات النظام.. و يؤيد الدقير كثيرون.. و يتمنون أن يكون التوقيع على خارطة الطريق بداية لتحقيق (تسوية ما كعبة) .. تمنوا ذلك، و هم يعلمون أن الأماني لا تتحقق لمجرد تمنِّيها It wishes were horses, beggars would ride! .. يتمنون و الشك يحاصرهم.. إذ ليس في ما خبروه في ما مضى من تحركات و أفعال عمر البشير المعروفة و من أقواله و وعوده المُنَكَص عنها، ما يجعل العديد من المراقبين يطمئنون على مستقبل السودان و على مصير الأجيال القادمة طالما البشير هو المنوط به تولي رئاسة ( جميع) اللجان التي تدير الحوار الذي يفضي إلى دستور يحدد ذلك المستقبل..
يقيني أن عامل الثقة لن يتوافر بين المتحاورين ما لم ينزل المؤتمر الوطني إلى الأرضية التي تفسح للمناخ العام أن يساعد على نمو تلك الثقة في تبادل مستمر.. و ذاك ما يعتقد المراقبون أنه لن يحدث.. و أن النظام لن يتنازل ب ( الساهل) عن رئاسته ( المغتَصَبة) للبلد و لا عن أمواله المنهوبة من الشعب.. و أنه سوف (يعَكُلِت) و يمدد في الزمن.. و يناور للإيقاع بالمعارضة في فخاخه.. و مهما طال زمن الجدال و الحوار أم قصر، لا بد من أن يأتي زمن فيه تفرز المعارضة عيشتها عن المؤتمر الوطني لاختلاف جوهري يتبناه كل منهما..
نعم في الأفق صراع إرادات ينتظر نداء السودان.. صراع تعرفه الحركة الشعبية جيداً.. و قد انتصرت على المؤتمر الوطني في صراعاتها معه في الماضي.. لكنها تفتقر حالياً إلى العوامل التي مكنتها من الانتصار عليه أيام الشراكة شبْه المتكافئة.. و تجربتها في التعامل مع المؤتمر الوطني تجعلها تفهم، شيئاً من تغلغله في أجهزة الدولة و مفاصلها.. لكنها ربما لا تعلم أن تغلغله قد ازداد عمقاً أعمق مما كان عليه خلال فترة الحكومة الانتقالية.. فأشياعه تكاثروا تكاثراً جرثومياً في شرايين البلد.. و يهيمنون هيمنة تامة على جميع المنظمات المدنية من اتحادات مهنية و منظمات تطوعية.. و هناك هيئات افتراضية تتحكم في المال و الأعمال و الاقتصاد..
لقد نجح المؤتمر الوطني نجاحاً مدمراً للكفاءات و الاقتصاد في السودان، و جيَّر كل مداخيل الأفراد في السودان كي تصب في ماعونه بطريقة ما..
و أكرر، تم العرس اليوم.. و لا نتمنى للطلاق أن يكون غداً يا سيدي الإمام! لكنكم سوف تخوضون معارك صراع إرادات سياسية شرسة مع المؤتمر الوطني و قد جهز كل خبثه ليخوض تلك المعارك غير المتكافئة معكم في بيئة غير صديقة لكم.. بكل المقاييس!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة