لَم نكن نرجم بالغيب ولا نقرأ كَف المُستقبل القادم حين كتبنا هنا في الأسبوع الماضي أربعة أعمدة مُتتالية عن مسألة التوقيع المُنتظر لقوى نداء السودان على خارطة التوقيع. كان مُلخّص حديثنا هنا أنّ على هذه القوى إن كانت مُقتنعة تماماً بالتوقيع أن تُصارح جماهيرها بذلك وتشرح المُسبِّبات دون أيِّ مُراوغات. واستشهدنا بعدم وجود أيِّ دليل أو مُؤشِّرات على إمكانية إجراء أيِّ تعديل على خارطة الطريق، أو نيّة الوساطة توقيع ملحق. كان ذلك واضحاً من قراءة نص الخارطة وقراءة مواقف الحكومة ولجنة الوساطة برئاسة أمبيكي. مَا حَدَثَ الآن أنّه قد تَمّ التوقيع دون إضافات أو تعديل، ولا حتى بيان من لجنة الوسطاء يتضمّن المُلحق أو مُلاحظات المُعارضة، البيان التوضيحي صدر من قوى نداء السودان نفسها وليس أيِّ طرف آخر، هذا قد يكون من عوامل إضعاف الثقة بقُدرة هذه القوى للتأثير على الوسطاء الإقليميين والدوليين، خَاصّةً أنّه حتى القوى التي أيّدت التوقيع على الخارطة، من غير القوى الأربعة، لم تُتح لها الفرصة لذلك لأنّها غير مذكورة في خارطة الطريق. مَا حَدَثَ قَد حَدَثَ، تبقى ما كنا نَتَحَدّث عنه، وهو أن تملك قوى نداء السودان رؤية واضحة ومُحَدّدَة حول المُفاوضات، لأنّ ضربة البداية سَتُحدِّد قدرة هذه القوى على إدارة المُفاوضات بشكل يضمن تحقيق حد من المَكاسب المَعقولة، ولو كانت تعديل ميزان القوى وديناميات الفعل السياسي في الداخل. أمام قوى نداء السودان فُرصة ذهبية تكسب بها أكثر من عصفور، أن تطرح اشتراطات تهيئة المناخ التي طرحتها قوى الإجماع الوطني، في اللقاء التشاوري، أياً كان اسمه، كإجراء ضروري قبل بداية أيِّ عملية ذات صلة بالحوار الوطني. لو فعلت هذا سَتكون قَد خَفّفت من ضُغوط الوسطاء والمجتمع الدولي عليها، من ناحية، ووَضَعت الحكومة أمام تحدي الاستجابة لهذه الشروط، وأوفت بالتزاماتها لشُركائها في قوى الإجماع. لماذا نقول هذا، لأنّ هناك التباسات أيضاً في موقف قوى الإجماع الوطني. الثابت من الوثائق والبيانات الرسمية الصادرة من قوى الإجماع الوطني أنّها أعَلنت أنّها ليست ضد الحوار، ويُمكن أن تُشارك فيه إذا تمّ تنفيذ إجراءات تهيئة المناخ، ونفس الموقف تكرّر في البيان الأخير للحزب الشيوعي. فقد ورد فيه "أكّد الحزب أنّه لا يرفض الحوار، ولكن للحوار مطلوباته" وقد كرّر نفس المطلوبات التي وردت في بيان قوى الإجماع الوطني، وقف الحرب وفتح المسارات الإنسانية وإلغاء القوانين المُقيّدة للحُريات وتكوين حكومة انتقالية. هذه المطلوبات تبدو منطقية ومَعقولة عدا مَطلب تكوين حكومة انتقالية، فهذا يجب أن يأتي نتيجةً للحوار، ولكي تشرف على تنفيذ ما تَمّ الاتفاق عليه. إذا وافق المؤتمر الوطني على كل هذه الشُّروط بما في ذلك تكوين حكومة انتقالية، فَلِمَ الحوار إذاً؟ في هذه الحالة تتّجه القوى السّياسيّة للعمل وسط الجماهير والاستعداد للانتخابات دون حوار، "والحشاش يملأ شبكته". قوى الإجماع نفسها مُطالبة بموقف واضح مع جماهيرها، امّا أنّها ترفض الحوار من ناحية المبدأ ولديها خيارات أخرى، وأمّا إنها راغبة وقادرة على الدخول فيه مع شُروط إجراءات تهيئة المناخ، وإظهار الجدية في ذلك.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة