لم أفهم - حتى الآن- المنطق الذي استندت إليه الحكومة السودانية في الاستيلاء على المدارس التركية التي قيل إنها مملوكة لجماعة فتح الله غولن، أوتأميمها كما جاء في بعض الصحف. تتهم حكومة أردوغان السيد غولن بأنه كان وراء الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا الشهر الماضي. وعقب ذلك قامت الحكومة التركية بإغلاق المؤسسات التعليمية والخدمية والإعلامية التابعة لجماعة غولن، وهذا إجراء يمكن الجدل حول مدى قانونيته، لكنه - على الأقل - حدث داخل إطار سيادة الدولة التركية. وأقول إنه يقبل الجدل؛ لأن أي دولة تعمل في الإطار الديمقراطي لا يمكنها اتخاذ إجراء مثل هذا، إلا بأمر القضاء، وبعد ثبوت التهمة على الجماعة المتهمة بحكم قضائي. أما أن يتم بأوامر مباشرة من رئيس الدولة بقرار منفرد؛ فهو يتناقض مع أسس الديمقراطية التي يفترض أنها لا تزال تحكم الدولة التركية. المدهش أن تنجح الدولة التركية في ممارسة نفس الإجراء خارج حدودها، فتقنع الدولة السودانية باتخاذ قرار مماثل في مدارس منشأة بموجب القوانين السودانية، وفي داخل بلاد السودان التي لا تخضع لسيادة دولة أخرى، أو هكذا يفترض. الأمر الطبيعي الذي كان مفترضاً أن يحدث هو أن تطالب الحكومة السودانية السلطات التركية بإثبات أن هذه المدارس قد كان لها دور في الانقلاب، أو أنها كانت مكاناً لممارسة نشاط معاد لتركيا من داخل السودان، وهذا ما لم يثبت حتى الآن. ما يبدو واضحاً؛ أن الدولة السودانية قد وقعت أسيرة علاقة القربى الآيدلوجية بين الحزبين الحاكمين في البلدين، وتصرف الحزب الحاكم في السودان في شؤون الدولة السودانية، وكأنها مجرد امتداد لممتلكاته وتعهداته الآيدلوجية مع الأحزاب الحليفة له في الخارج. غير ذلك فإن عملية التأميم تبدو مهددة بشكل مباشر لمناخ الاستثمار الذي تدعي دولتنا أنها تعمل على خلقه وتمتينه؛ ليجذب مزيداً من الاستثمار الأجنبي. فالمدارس هي ملك لمستثمرين أتراك، دخلوا السودان علانية، وأكملوا إجراءات إقامة المدارس وفقاً للقوانين، أو هكذا يفترض، وبالتالي يجب أن يعاملوا بموجب هذه القوانين. ومن الطبيعي أن لا يتعرضوا لأي مشاكل أو عقبات، دعك من التأميم؛ ما لم يخالفوا القوانين السودانية، سواء في مجال الاستثمار أو أي قوانين أخرى. ما الذي يمكن أن يقنع أي مستثمر آخر أنه يمكن أن يخضع هو نفسه وأملاكه للتأميم نتيجة لخلاف سياسي بينه وبين حكومته، أو بين حكومته والحكومة السودانية. ما هي الضمانات التي يمكن توفيرها له لطمأنته وجذب استثماراته إن كانت لنا سابقة تأميم ومصادرة لأسباب لا علاقة لها بمخالفة قوانين الاستثمار؟ أعتقد أن ما فعلته الحكومة السودانية هو قرار خاطئ وضار بسمعة السودان، ولا يعكس الفهم المطلوب للحزب الحاكم للفصل بين معتقداته وعلاقاته ومصالحه، وبين مفهوم الدولة السودانية ومصالحها والتزاماتها الدولية. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة