جئت في زيارة لمنزل ابنتي الصغيرة لميس.. سأقضي معها يوم ونصف.. بعد قليل من المؤانسة عدت أقلب في حقيبتي الرمادية..هنا احتفظ بقميص من الهزاز وسفنجة بلاستيكية وفرشاة معجون.. وجدت نفسي اهتم بصفحة من الجريدة القديمة التي كانت تغلف الحذاء البلاستيكي.. دون سابق إنذار خرجت مني (سكلبة) أعقبتها بعبارة (أوب علي أوب علي).. جاءت لميس تجري نحو مجلسي في استجابة لنداء الاستغاثة.. وجدت دمعة تنحدر على خدي الذي ترك عليه الزمن تضاريسه.. شعرت بالحرج وأعدت تطبيق صفحات الجريدة القديمة. حاصرتني لميس بسؤال وراء سؤال.. لم يكن من اللائق أن أكذب عليها وفي ذات الوقت من حقي أن احتفظ ببعض الذكريات التي لا تهمها.. ببعض الحزم أخبرتها عرفت بموت زميل عزيز زاملني أيام الجامعة.. عادت لميس إلى الغرفة الأخرى تواصل مشاهدة مسلسل تركي طويل وممل.. قفزت إلى ذاكرتي كلمة ( promise).. عدت إلى الصحيفة ببعض الحذر.. تمعنت صورة عبد العزيز بكدوسه الأسود .. هذه الصورة تحديداً لا أنساها .. كان الذي وضع النعي أراد أن يغيظني.. هذه الصورة ملكي أنا عمرها خمسة وثلاثين عاماً. في ذلك المساء الحزين طلبت منه ورقة الطلاق.. خرجت من البيت دون أن انتظر رده الذي استغرق عامين.. لكن حكايتي مع عبدالعزيز بدأت منذ أول يوم جاء إلى مدرستنا الثانوية.. الحقيقة أن زميلتي علوية بنت الناظر كانت أول من نقل لنا خبر الأستاذ الوسيم الذي سيدرسنا الإنجليزي حسب إفادة والدها.. دخل أستاذ عبدالعزيز على فصلنا وشد انتباهنا ..كان وسيماً وأنيقاً في ملبسه..قبل ذلك كنت أكره مادة الإنجليزي ..كتب على السبورة كلمة (Promise).. انتقاني من دون الطالبات طالباً معنى الكلمة..ترددت كثيراً ولكن بخيتة صالح همست من ورائي بالمعنى الصحيح..أجلسني وبدأ يتحدي بخيتة اشطر طالبة ..كلما ادركت معنى اتى لها بكلمة أصعب ..عاد إلي ومنحني عشر كلمات .. من تلك اللحظة بدأت علاقة طالبة جميلة بمعلم وسيم . بعد ثلاثة أشهر طرق أستاذ عبدالعزيز باب بيتنا طالباً يدي على سنة الله ورسوله..قامت القيامة كيف يتجرأ رجل غريب للارتباط بكريمة العمدة..في لحظتها تم اتخاذ الخطوات اللازمة..تم نقلي إلى مدرسة الدويم الثانوية ..بعدها بأيام مارس أبي وعمي النائب في مجلس الشعب نفوذهما ..تم نقل أستاذ عبدالعزيز إلى مدرسة شندي الثانوية بنين.. ظنوا أن ذاك كافٍ ليقطع حبال العشق..وقتها لم أكن أرى رجلاً في الدنيا يماثله..انتظر سنة وأخرى..رفضت كل عروض الزواج.. تدخلت امي واقتنع والدي بصعوبة وتم الزواج الذي احتفت به مدينتنا الصغيرة. مضت السنوات متسارعة..بيت صغير تحفه السعادة من كل جانب..المرتب المتواضع مشمولاً بما أناله من بعض ميراثي في أبي وفر لنا حياة كريمة.. لكن الضيف المرتقب لم يظهر.. سنوات أخرى بدأنا نقلق..الأطباء أكدوا أن كل الفحوصات سليمة وعلينا أن ننتظر.. بعد خمسة عشر عاماً من الانتظار ..اتخذت القرار .. ناديت حبيبي إلى غرفة النوم..استخدمت كل الأساليب لإقناعه بضرورة الزواج..استعصم بالرفض..أكد لي أنه سيرضى بالقسمة ولكنه لن يتزوج امرأة أخرى..بكيت ..خرج من البيت غاضباً. من ذلك اليوم لم نناقش هذه المسألة مرة أخرى..بعد فترة طويلة جاءت والدته في زيارة لنا..بعد بداية الإجازة المدرسية أخبرني عبدالعزيز أنه سيسافر إلى قريته بأقصى الشمال بصحبة أمه..كان الوعد أن يعود بعيد أسبوعين..طال غيابه نحو شهر..توجست ..عاد بعدها ..منذ أن لمحته شعرت أن هنالك شيئاً غريباً.. كان يتحاشى النظر في عيني .. بحدسي الأنثوي أخبرته بأنني عرفت..لم يتمكن من النظر إلي ..اعترف ووجهه في الجهة الأخرى أنه تزوج تحت ضغط أمه.. لحظتها لم أعد أنظر أمامي خرجت من الباب ولم أعد مرة أخرى.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة