( - صور بديعة. ومن هذا الرجل الممسك بعجلة الفخار؟ -يسمونه خنوم، يا أبت.. الإله خنوم، الذي كان القدماء يعتقدون أنه يصنع البشر من طين الصلصال، ثم ينفخ فيهم آمون، ليهبهم الحياة. عقيدة قديمة يا أبت.. عقيدة قديمة. - خنوم، اسم عجيب. هل يذكرك بشيء يا هيبا؟ - نعم يذكرني بأشياء.. ولكن كيف عرفت يا أبت المبجل؟ - من اضطراب قلبك، بل أرى عينيك تكادان تدمعان. لم يكن البوح يوما من صفاتي، ولا الاطمئنان لأحد. غير أني رحت ليلتها، أحكي لنسطور عن معبد الإله خنوم الذي يستقبل جريان النيل، عند الطرف الجنوبي من جزيرة إلفنتين الواقعة جنوب مصر، بالقرب من أسوان حكيت له عن المهابة المعتقة والقدسية المبثوثة في أرجاء المعبد وأسواره منذ قرون، وحكيت عن أبي الذي كان يحمل السمك كل يومين للكهنة الحزانى المتحصنين في المعبد منذ سنين، الكهنة المحصورين، المتحسرين على اندثار ديانتهم، مع انتشار عقيدة المسيح. كان أبي يصحبني في قاربه، كلما زار المعبد ليقدم للكهنة نصف ما علق في شباكه من سمك، خلال اليومين كنا نذهب للمعبد خفية، وقت الفجر. لم أستطع منع ما انفلت من دموعي، حين وصفت له فزعي المهول ذاك الفجر المروع، يوم كنت في التاسعة من عمري؛ فقد تربص بنا عوام المسيحيين عند المرسى الجنوبي، القريب من بوابة المعبد. كانوا يختبئون خلف الصخور من قبل رسو القارب، ثم هرولوا نحونا كأشباح فرت من قعر الجحيم. قبل أن نفيق من هول منظرهم، كانوا قد وصلوا الينا من مكمنهم القريب.. سحبوا أبي من قاربه، وجروه على الصخور ليقتلوه طعنا بالسكاكين الصدئة التي كانوا يخبئونها تحت ملابسهم الرثة. كنت أزوم متحصنا بانكماشي في زاوية القارب، وكان أبي غير متحصن بشيء، يصرخ تحت طعناتهم مستغيثا بالإله الذي كان يؤمن به. كهنة خنوم أفزعتهم الأصوات التي شقت السكون فاصطفوا بأعلى سور المعبد ينظرون إلى ما يجري تحتهم بوجل واضطراب.. كانوا يرفعون ايديهم مبتهلين لآلهتهم ومستصرخين! ما كانوا يدركون ان الآلهة التي يعبدون، ماتت من زمن بعيد وأن دعاءهم الفزع، لن يسمعه أحد..) .. وما أن وصل الراهب المصري هيبا بطل رواية عزازيل في سرد قصته للقس نسطور عند هذا الحد الذي ما ان تأملته على ضوء العديد من الحقائق والشواهد والمشاهد تساءلت بدوري: ترى أو بات حال السودانيين الوارثين الثقافة المصرية عن جد .. عن أم عن جدة عن جدة .. هؤلاء السودانيون المتشربين بثقافة مصر حد التشبع أو بات حالهم حال جهرهم بحبهم لثقافتهم المصرية حال اولئك القلة من المصريين كهنة معبد الإله خنوم الحزانى المتحصنين في المعبد منذ سنين، الكهنة المحصورين،المتحسرين على اندثار ديانتهم، مع انتشار عقيدة المسيح؟!! و .. ونواصل مع مصر .. [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة