[email protected] · خلال زيارة قصيرة لمدينة دبي التقيت الدكتور كسلا -لأول مرة- فأهداني مؤلفه " محطات في حياتي" فله جزيل الشكر والتقدير على هديته الثمينة. · بعد أن أنهيت مطالعة هذا الكتاب الموسوعي رأيت أنه من المفيد أن أشرك فيه القراء ولو بقدر يسير، لأن الكتاب ليس مجرد محطات كروية في حياة نجم عشق الكرة لتبادله عشقاً بعشق وتمنحه حب جماهيرها داخل وخارج البلد. · لم أجد المؤلف مجرد حكاوي وقصص ومواقف مرت بصاحبه أثناء ممارسته للكرة، بل هو قطعة أدبية قيمة وكتاب أشبه بالموسوعة تم تأليفه باحترافية كبيرة ليسلط الضوء على مسيرة كسلا كلاعب ومدرب وإداري ومحلل بطريقة مفيدة لمن يريد أن يتعلم من تجارب الآخرين. · أثناء مطالعتي لمقدمة الكتاب التي أعدها مربي الأجيال الأستاذ والكوتش الراحل هاشم ضيف الله رحمه الله رحمة واسعة وتحديداً كلماته " سيجد القارئ – لاعباً كان أو إدارياً، ناقداً أو مشجعاً متحمساً، لذة فائقة في قراءة هذه القصة الممتعة وأستبعد أنا شخصياً أن يضع الكتاب جانباً قبل أن يكمل قراءته من الغلاف إلى الغلاف".. أثناء قراءتي لهذه الكلمات قلت لنفسي " كثيراً ما تنطوي مثل هذه المقدمات على شيء من المجاملة فالأفضل لي أن أتجاوزها سريعاً إلى قلب الموضوع." · لكن بعد إطلاعي على عدد محدود من صفحات الكتاب تأكد لي أن أمثال هاشم ضيف الله ( رحمه الله ) لا يمكن أن يجاملوا أو يخدعوا الناس بعبارات رنانة دون أن يعنوا حقيقة كل حرف فيها. · سريعاً ما اكتشفت أنه كان على حق، حيث وجدت صعوبة كبيرة في الانقطاع عن مصافحة الكتاب، وكلما فرضت علي الظروف ذلك وجدت نفسي أنتظر في لهفة لحظة المواصلة. · الكتاب -حقيقة لا مجاملة- يستحق القراءة المتأنية، سيما من قبل لاعبي الكرة الشباب ففيه الكثير من النصائح ذات القيمة العالية من رجل عرف الملاعب وعرفته. · كما قدم كسلا عبر محطاته الثرة أفكاراً ورؤى للنهوض بالكرة وكيفية التعامل الجيد مع النجومية، المدربين والإداريين، علاوة على رأيه حول الصحافة الرياضية وإدارة أندية الكرة وطريقة عمل اتحادات الكرة في السودان. · باختصار لم يترك الكتاب شاردة ولا واردة دون أن يعطيها الاهتمام الذي تستحقه. · وفوق هذا وذاك سيكتشف القارئ من خلال قراءته لهذا الكتاب التجارب الثرة التي صنعت كسلا النجم، الإنسان والطبيب. · فقد كنت – ربما يشاركني آخرون في هذا الافتراض - أظن أن موهبة كسلا اقتصرت فقط على الكرة والبراعة في مهنة الطب، لكنني اكتشفت أنه امتلك ناصية اللغة أيضاً وغاص في تجارب عميقة في شتى مناحي الحياة، حيث عرفني الكتاب بمواهب الدكتور كسلا المتنوعة ويبدو أنها سر نجاحه الباهر كلاعب ومحلل وطبيب. · في الكتاب ستجد عزيزي القاريء ما يشبع نهمك إن رغبت في الحصول على معلومات مفيدة عن بعض مناطق السودان والبلدان التي زارها كسلا لاعباً ومدرباً وطبيباً.. مثلما ستجد مواقف حول العديد من القضايا عبر عنها صاحبها بكل صراحة ووضوح. · وبعد أن أنهيت الكتاب كاملاً تمنيت لو أن جميع لاعبي الكرة السابقين ألفوا كتباً شبيهة، لأن هذه وسيلة هامة للغاية في تحقيق عملية تواصل الأجيال التي ركز عليها كسلا كثيراً في كتابه، مثلما ركز على ضرورة أن يقتبس لاعب الكرة من مواهب من سبقوه في الميادين. · والواقع أن انقطاع التواصل بين الأجيال يعد أحد أهم أسباب تدهورنا في شتى مناحي الحياة وليس في الكرة أو الرياضة وحدها. · فعلى صعيد الأحزاب والسياسة مثلاً عندما تُطالع القصص المتداولة عن زعيم الزعماء إسماعيل الأزهري وأبناء جيله ، زهدهم, أمانتهم ووطنيتهم وتقارنهم بمن يحكموننا اليوم لابد أن تردد قول أديبنا الأريب الراحل الطيب صالح أنزله الله منزلة الصديقين والشهداء وتغمده بواسع عفوه ورضاه " من أين أتى هؤلاء" وتتساءل هل حقاً ينتمي هؤلاء لذات السودان الذي أنجب الأزهري والمحجوب وبقية العقد النضيد؟!. · وفي الفن عندما تقارن ما قدمه ويقدمه عظماء الفن السوداني أمثال الفنان الضخم مصطفى سيد أحمد (رحمه الله واسعة) والمبدع أبو عركي البخيت بغثاء بعض من يُسمون مطربين اليوم لابد وأن ترفع حاجب الدهشة تجاه التحول الذي طرأ علينا. · وفي الكورة يكون طبيعياً أن تسمع عبارات من شاكلة " فلان من لاعبي اليوم لا يوجد له نظير" طالما أن غالبية مشجعي الكرة اليوم لم يشاهدوا كسلا وقاقرين والدحيش والطبق الطائر والرشيد المهدية وابراهومة الديسكو وشيخ إدريس كباشي (رحمه الله) وسيماوي وآخرين من أجيال تعاقبت على ميادين الكرة ليملئونها ابداعاً وفناً. · لم تشاهد أجيال اليوم أولئك الأفذاذ وهم لايُلامون في ذلك، بل يقع اللوم على انعدام التوثيق والتواصل. · خلال اللقاء القصير الذي جمعني بالدكتور كسلا في دبي والذي تصادف مع حضور الصديقين العزيزين عبد الرحمن الحاج وصلاح الشريف لزيارتي سألناه عما إذا كانت هناك تسجيلات فيديو تمكننا من الوقوف على موهبته التي قرأنا وسمعنا عنها الكثير دون أن تسعفنا الظروف بمشاهدتها، فكان رده هو أن الشيء المحزن حقيقة أن أشرطة الفيديو على قلتها قد تم مسحها أو حرقها، وهو أمر أشار له في الكتاب أيضاً. · تخيل عزيزي القارئ تلفزيون السودان يحرق أشرطة احتوت تسجيلات لمباريات المنتخب الوطني الذي فاز ببطولة أمم أفريقيا أو مباراة الهلال وسانتوس البرازيلي التي كانت حدثاً كبيراً وقتها! · لما تقدم أجد في كتاب الدكتور كسلا فرصة جيدة لتحقيق شيء من التواصل بين مختلف الأجيال في مجال الكرة، متمنياً أن يحذو زملاؤه مثل قاقرين، فوزي التعايشة، حسين عبد الحفيظ ، الرشيد المهدية وغيرهم حذو الدكتور كسلا ويوثقوا لفترات ممارستهم للكرة. · ليس بالضرورة أن يملك كل لاعب كرة سابق موهبة الكتابة، لكن يستطيع من لا يتصفون بهذه المواهب أن يسجلوا تجاربهم بأي صورة وسيجدون العون من أكثر من مختص لإخراجها بشكل لافت وجاذب. · والآن دعوني أطلعكم على بعض أكثر ما جذب انتباهي في الكتاب. · عن مراحله الدراسية الأولى يقول كسلا " تلقينا آنذاك الدروس الأولى في تكوين الذات وتطوير الشخصية والشجاعة الأدبية وأذكر أنني كنت عضواً بفريق المدرسة للتمثيل وقد شاركت في عدة مسرحيات البعض منها كان في شكل نصوص مترجمة من الأدب العالمي. · ولك عزيزي القارئ أن تلاحظ مدى الاهتمام المبكر بتطوير المواهب، ولهذا علاقة بأن يكون النجم شاملاً، فلا يركز على مجال محدد ويهمل بقية المجالات. · كرر المؤلف في كتابه مفردة ( الجمباز) كثيراً ويبدو أن اتقانه وحبه لهذه الرياضة قد لعب الدور الأكبر في مرونة جسمه الشيء الذي يعين لاعب الكرة كثيراً بلا شك. · أطلق عليه معلمه الجليل صبري محمد سعيد لقب " شكسبير في الفصل وبيليه في الميدان" وذلك بسبب قدرته على التوفيق بين اللعب والدراسة واهتمامه باللغة الإنجليزية على وجه الخصوص، وفي هذا تأكيد أيضاً على أن صقل الموهبة أياً كانت بالعلم والمعرفة أمر ضروري لكي يصبح النجم نجماً بحق وحقيقة. · أثناء دراسته بمدرسة كسلا الثانوية تلقى رسالة بريدية فرح بها فرحاً شديداً عندما علم أنها من الحارس الكبير سبت دودو الذي قاله له فيها " كتب لنا صديقنا جلال سعيد عنك من القضارف، وعرفنا أنك هلالابي ويسعد الهلال أن تنضم إلى صفوفه". · الفرحة الغامرة التي ملأت قلب طالب الثانوية كسلا وقتها تؤكد احترام تلك الأجيال لبعضها البعض وتقديرهم الشديد لمواهب وإمكانيات من سبقوهم. · وإن قارنا بين أولئك وأجيال اليوم عزيزي فسوف نجد فرقاً شاسعاً، وجميعنا نذكر كيف تعامل لاعبو منتخبنا في نهائيات غانا 2008 مع أبناء الجيل الذي فاز باللقب الأفريقي للمرة الوحيدة في تاريخ السودان، فقد ظن أبناء المنتخب أنهم أكبر من أولئك اللاعبين وأكثر نجومية منهم ولم يعبروا لهم عن أي نوع من الاحترام عندما قاموا بزيارتهم في غانا. · وفي هذه الجزئية تحديداً سيجد كل من يطالع الكتاب كيف أن تلك الأجيال السابقة احترموا بعضهم ولذلك استفادوا من تجارب بعضهم البعض وتواصلوا كما يفترض أن يكون التواصل. · يتذكر كسلا أيام لعبه بمدينة كسلا وقبل مجيئه للخرطوم مشيراً أن مباراة تجريبية قد أجريت لمنتخب مدينة كسلا مع الفريق القومي السوداني قيل لهم أن من يبرز فيها ربما يتم اختياره لمعسكر الفريق القومي الذي كان يستعد لخوض نهائيات أمم أفريقيا 70، وبعد المباراة قال كسلا " جاء من يخطرني عقب اللقاء بأنه تم اختياري لمعسكر الفريق القومي، غير أنني بالرغم من شعوري بسعادة غامرة إلا أنني سارعت بشكرهم والاعتذار نظراً لظروفي الدراسية، ثم أنني لم أكن قد تخطيت وقتها المرحلة الإقليمية بعد وعمري في ملاعب الدرجة الأولى سنة واحدة وتكويني الجسماني لم يكن مقنعاً.. وقد كان الفريق القومي يعج بنجوم يكفينا شرفاً أن يجمعنا معهم ملعب واحد كعبد العزيز عبد الله، جكسا، أمين زكي، نجم الدين، بابكر سانتو، كاوندا وآخرين. · ما تقدم يعكس حالة الاحترام التي أشرت لها آنفاً، وكيف أن هؤلاء النجوم كانوا يعرفون قدر أنفسهم حقيقة ولا ينتفخون زهواً وغروراً كما يفعل بعض لاعبي اليوم. · بالطبع انضم كسلا بعد ذلك للفريق القومي وقت أن شعر بقدرته على تقديم ما يرضيه ويجعله جديراً بلبس شعار الوطن. · نواصل في المقال قادم بإذن الله. لازمة: · الرياضة نشاط لتحفيز البدن والعقل وليس لتغييب الأخير وتخدير صاحبه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة