في الحلقة الثانية من شهادته على العصر تحدث الترابي عن الآتي: 1) التعريب في السودان. 2) مبدأ المحاسبة على الفساد. 3) كيف إشتعلت ثورة أكتوبر.
كذلك فقد تطرق الترابي إلى الحديث عن تجارب خاصة به في سنوات دراسته خارج السودان . وعن معايشته لنماذج من المجتمعات الأوروبية و الأمريكية .. ونختصر التعليق في هذا الجانب بالقول أنها تظل تجارب حاصة ؛ لم يفلح الترابي في إقناعنا بأنها كانت لها تأثير إيجابي على المستوى العام في بلاده ... فلا رأينا من الترابي (حين كان بيده القرار) حرص على حقوق الإنسان والتنوير والثقافة والفنون .. ولا رأينا منه تكريسا للديمقراطية والتعددية .... ومن ثم فلا نراها سوى شهادة على نفسه لا علاقة لها بالعصر.... ولو ترك لكل شخص الفرصة في الحديث عن نفسه لأطال وصال وجال ؛ وملأ الأقداح في الإطناب والمدح الذاتي . وأتى لنفسه من الفضائل ؛ وقال فيها ما لم يقله إبن تيمية في فضل الصلوات الخمس. ................................. تطرق الترابي لتاريخ وواقع التعريب في السودان ؛ من زاوية ظل الترابي يحاول جهد إيمانه أن يختص فيها بالفضل لنفسه وحده دون غيره . أو كأنّ تاريخ السودان لم يبدأ وينتهي إلاّ بــه. وفي هذا المعرض فقد إدعى الترابي لنفسه وحزبه ونظامه السياسي الذي سيطر على مقاليد الحكم في البلاد منذ عام 1990 وحتى عشية عام 2000م .. إدعى أنه أفلح في نشر اللغة العربية في كافة أرجاء السودان . وخص بالذكر أقصى الشمال ؛ و دارفور ؛ وجنوب السودان قبل الإنفصال. الواقع الذي أفرزته تجربة الترابي يشير إلى أنه قد تسبب بكارثة وطنية أصابت الشعب السوداني في كبده . وأودت بالكثير من التراكمات الثقافية والاجتماعية التي عكف هذا الشعب العظيم على إضافتها جيلا بعد جيل ؛ منذ دخول العرب المسلمون المنظم إلى السودان بعد توقيع إتفاقية البقط . يحملون في أيديهم أسباب الحضارة الإنسانية الجديدة المتمثلة في تعاليم الإسلام الحنيف وعلى هدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . فكان على يد هؤلاء الفضل الأوحد في دخول وإنتشار اللغة العربية في السودان . وبالمقابل نـرصـد ماذا فعل الترابي حين سلطه الله سيفا على الرقاب والعباد ؟ سارع الترابي إلى إعلان "الجهاد الإسلامي" تجاه ما كان يعرف بجنوب السودان .. وتجاه قبائل جنوب كردفان والنيل الأزرق . ودون سند من الشرع أو إكتراث بأن شروط "الجهاد" لا تنطبق هنا جملة وتفصيلا. فالجهاد الإسلامي لم يفرض لأسباب سياسية أو وطنية. الجهاد لا يكون وسيلة شرعية لتأسيس دولة. الجهاد لا يكون إلا في سبيل الله. والجهاد الإسلامي لم يفرض سوى كرد فعل ضد الحكام أو الدول التي تمنع أنظمتها دخول الإسلام إلى أراضيها كديانة ورسالة سماوية ؛ من حقها أن تجد حظها في التعايش والتفاعل كعقيدة إلى جانب العقائد الأخرى ..... ومن ثم نفهم هنا المدخل إلى أنه لا جهاد إلا في سبيل الله.
والذين يتعللون من تلاميذ الترابي بحروب (جهاد) تحالف الفونج والعبدلاب ضد مملكة سوبا المسيحية كسابقة .. فإن إعادة قراءة للتاريخ الوطني تؤكد أن دمار سوبا لم يكن لغرض ديني جهادي . بقدر ما كان لبسط هيمنة مملكة سنار على الممالك المتناثرة جنوب وشمال مقرن النيلين .... وما كان لعمارة دنقس وعبد الله جماع الإضطرار إلى تلك الحروب لو كانت مملكة سوبا قد نفضت يدها عن التبعية للخارج ؛ ورضيت الرضوخ والدخول في بيت الطاعة السناري الوطني.
وفي المقابل ؛ لم تمنع الحركات المسلحة في الجنوب أو جنوب كردفان والنيل الأزرق الدعوة إلى الإسلام ، وتشييد المساجد أو إقامة الصلاة أو تعليم وتحفيظ القرآن ، وتمتع المسلم بشرائع الإسلام في حياته ومعاشه وزواجه وطلاقه ومماته .. إلخ في أراضيهم حتى يعلن الترابي في حقهم الجهاد. .. بل على العكس من ذلك كان الإسلام في تلك المناطق والجهات (مجتمعة) هو دين الأغلبية . أو الشريحة الأكبر وسط غيرها من المسيحيين والوثنيات . وأكثر الديانات إنتشاراً وقدرة متنامية على التغلغل في مفاصل المجتمع.
والأنكى وأفضح من كل هذا وذاك أن الترابي حين كان يحكم البلاد من وراء ستار وأمام ستار خلال عقد كامل من الأعوام .. كان يرفع راية الجهاد على الهوى والتفسير السياسي الذي يحقق مصالح حزبه ويعزز سلطاته .... ثم وحين خرج من القصر مطرودا غير مأسوف عليه صبيحىة عام 2000م .... فوجئنا به لا يستحي ، ويعلن نكوصه عن فتواه بالجهاد والشهادة ، وتمزيقة صكوك وشهادات بحث تمليك حجرات وشرفات الفردوس وحورها العين لموتاه...... ويعلن أن كل من مات في حروب (الجهاد) إنما هم محض فطيس ... ومصيرهم إلى رميم.
وكانت الكارثة الكبرى أننا أصبحنا نعاني اليوم من تمزق في النسيج الإجتماعي والعنصرية البغيضة . وتنامي الشعور بالحقد والكراهية لكل ما عربي لدى قطاعات واسعة من السودانيين ؛ الذين وإن كانوا يتحدثون العربية إلا أنهم لا ينتمون عرقيا إلى العرب. ولم يعودا يثقون بهم.
عليه . فإن والحال كهذه . فلربما يتساءل البعض عن الفرضيات التي أسهمت في إنتشار اللغة العربية في ربوع السودان . وتطور هذه اللغة المضطرد على مر السنوات حتى أصبحت "الوعاء والأداة" التي إرتضاها أهل السودان للتعبير المشترك عن ثقافتهم المتنوعة . وفي هذا الجانب ينبغي الإشارة إلى أن هذه المساحة التي تحتلها اللغة العربية كأداء للتعبير الحضاري والثقافي الجمعي ؛ إنما نشأت وتوسعت وتراكمت على أكتاف الجميع سواء العرب أو غير العرب من أهل السودان.
إنتشر الإسلام في السودان بالقدوة الحسنة والأخلاق الكريمة التي تحلى بها أهله وبعض الصحابة القادمون لتوهم من جزيرة العرب. وحيث أن القرآن الكريم قد تنزل باللغة العربية الوسيطة على الحبيب المصطفى الذي ينحدر من أصلاب العرب المستعربة ....... فإنه حين إعتنق معظم أهل السودان الإسلام فقد دخلت إليهم اللغة العربية كتعبير وجداني لهذا الدين الجديد الذي تميز عن غيره من الرسالات السماوية بأن حباه الله بميزة الحفظ في الصدور ؛ والتلاوة من الذاكرة على ألسن سبعة تهتز له الأبدان وتنفتح القلوب الضارعة وتنشرح له الصدور . وتستعيد النفس تناغمها وإنتظام خلاياها بما يزيل عنها توترها ويرخي المشدود من أعصابها......... فإننا هنا إنما نرد الفضل إلى القرآن الكريم في إنتشار اللغة العربية.
بدأ إحتكاك أهل السودان بالإسلام واللغة العربية منذ عام 21هـ (642م) حين أرسل عمرو بن العاص والي مصر .. أرسل القائد عبد الله بن سعد إبن أبي سرح إلى شمال السودان في عشرين ألف من الفرسان. ثم سرعان ما أعادهم إلى مصر بعد أن أيقن بعبقريته وذكائه الفطري أن حال العرب والدين في هذه الأرض السمراء الجديدة لن يجدا طريقهما إلى الإستقرار والإنتشار إلا بالتي هي أحسن.
وربما يغيب عن البعض حتى يومنا هذا الملاحظة والرصد الدقيق للشخصية السودانية التي عادة ما تكون أكثر قابلية للتشكيل عندما يتم التعامل معها بالحسنى ... وأن غير العرب من أبناء السودان إذا تركوا وشأنهم ؛ دون محاولة لبسط الهيمنة الثقافية عليهم ؛ فإنهم أسرع ما يكونون إلى تعلم وتبني وإستيعاب اللغة العربية والديانة الإسلامية ؛ ويخرج الله من أصلابهم جيلاً بعد جيل من يعلي من شأن هذا الدين واللغة... ويثري العادات والتقاليد المرتبطة بهما.
لقد أصبحت اللغة العربية هي لغة الدولة ، ولسان معظم القبائل المكونة لسلطنة دارفور منذ عهد السلطان سليمان الأول 1445م.
وكانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية والمتداولة لدى كافة قبائل الشمال قبل بزوغ شمس مملكة سنار عام 1505م
وكانت اللغة العربية هي الوسيلة التي حملت رسائل الإمام محمد أحمد المهدي وأسس وقناعات دعوته الإستقلال عن الحكم الأجنبي إلى كافة أهل السودان ......... ولكن للأسف فقد أهمل الناس "رسائل المهدي" ؛ وما تحويه من النصوص الثورية البالغة الثراء الأدبي والعقائدي ؛ ولم يهتموا سوى بتكريس "راتب المهدي" حتى يقللوا من شأن الثقافة الوطنية السودانية . ويحاصروا الدعوة المهدية الوطنية داخل أسوار بيت طائفي وراثي ؛ وأوراد تعبدية . ...... وبوجه عام لا يمكن إغفال دور الخلوة والمسيد في نشر وتعليم اللغة العربية. وإرتباطهما بتثبيت دعائم الممالك الإسلامية طوال الفترة التي سبقت الغزو والإحتلال المصري للسودان عام 1821م.
وفي التاريخ المعاصر .. ولغرض الإنصاف لا غير ... فقد كان "للثورة التعليمية" أو بما يسمى بالسلم التعليمي الجديد الذي وضعه الخبير التعليمي د. محي الدين صابر قيد التنفيذ عام 1970م ؛ خلال عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري .... كان من نتائج تطبيق هذا السلم التعليمي الجديد بمناهجه المعربة وإنتشاره الجغرافي .. كان له الأثر الفاعل في نشر اللغة العربية وإحتكارها جانب التحصيل العلمي والتأهيل الأكاديمي ......
ولعله من الطرافة بمكان أن نذكر بأن الدكتور محي الدين صابر لاينتمي عرقيا إلى العرب . ولكنه من أبناء القبائل النوبية أقصى شمال السودان ...
ومن جميع ما سبق سرده ؛ يستغرب المرء كيف يأتي الترابي عام 2010م ليدعي لنفسه وللنظام الذي خرج من جلبابه الفضل في نشر اللغة العربية؟ ................ وفي معرض شهادته على العصر فقد حاول الترابي تفريغ مبدأ المحاسبة على الفساد من معناه ؛ حين قال أن الشعب السوداني بطبيعته مسامح ؛ ولا يميل إلى محاسبة الساسة والمسئولين بعد تنحيتهم أو إسقاطهم عن كراسي السلطة ....
إن الشعب غير منوط بالمحاسبة الجنائية للفاسدين وإلا فإن الأمر سيتحول إلى فوضى .. ولكن المسئولية أمام الله والشعب تقع أولاً وأخيراً على النظام الحاكم.
سبحان الله .... لم نعرف نكوصا عن محاربة الفساد والمحاسبة عليه إلا في ظل الترابي ونظام الإنقاذ الساري ؛ تعلل فيها بشتى المزاعم وتحريف تفسير الآيات القرآنية. وإنكار الأحاديث النبوية تحت مسمى ضعيف وموضوع ...
وقد أغرى ذلك كافة الفاسدين الذين أسكرتهم السلطة فنسوا أنفسهم ، ولم يبالوا بما أنزل الله من شريعة يحاسبهم عليها منذ بداية إنتقالهم إلى الدار الآخرة وقت أن تبلغ الروح التراقي وتلتف الساق بالساق ..... أو كما قال عز وجل في محكم تنزيله من الآية (93) في سورة الأنعام : [ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون] . ثم تبعتها الآية رقم (94) من التي تشير إلى عذاب القبر حين يدفن الظالم وحده ... ويذهب عنه المنصب والجاه وأهله والأحباب والأصدقاء . [ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون]. وهذه حالة إختص بها الله عز وجل محاسبة أهل الظلم ؛ وهي تختلف عن تلك الحالة التي أختص بها أهل الكفر في قوله من الآية (50) في سورة الأنفال: [ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ].
والشيء الذي يحفظه التاريخ للديمقراطية الليبرالية في السودان . أن البرلمان السوداني في عهد الديمقراطية الثانية كان قد أجبر أكثر من وزير على الإستقالة لأسباب تتعلق بشبهات فساد أو تورط فيه . ومنهم (دون ذكر الأسماء) وزير مواصلات حوسب على شبهة فساد مرتبط بعطاء شراء محطة أقمار صناعية للإتصالات ففضل هذا الوزير الإستقالة .. وكذلك وزير صحة أخر أضطر للإستقالة بسبب عدم تبليغه الشرطة بعرض رشوة عليه مقدارها 300 جنيه سوداني . في زمان كان راتب النائب البرلماني دون بدلات 150 جنيه في الشهر.
كذلك لا ينسى التاريخ للديمقراطية الليبرالية أنها قد أخرجت للواجهة قانون "من أين لك هذا؟" ..... ولكن للأسف فقد كان إنقلاب جعفر نميري في مايو 1969م كفيلاً بوأده قبل أن تتمكن الدولة من تقنينه وتكريس الأدوات والوسائل واللوائح التي تجعله فاعلاً قيد التنفيذ.
واليوم ...... وعلى الرغم من الضغوط التي يمارسها أصحاب الأجندة الوطنية الصرفة ... فإن الرأي العام يعيب على حكومة الإنقاذ إصرارها عدم الإلتفات إلى المطالب الملحة بضرورة تفعيل قانون "من أين لك هذا" ... حتى تصبح المحاسبة واضحة على أسس سليمة ؛ ما بين الحالة المالية للشخص وأسرته وأصهاره قبل توليه المنصب ، ثم حالتهم الإستفزازية بعد سنوات من تقلده المنصب .... وإنتهاء بحالتهم الميارديرية الأخرى بعد إقالته عن المنصب. ................. أخيراً يأتي حديث الترابي عن دوره الجوهري المفصلي في إشعال ثورة 21 أكتوبر 1964م بالصدفة .... يأتي حديث الترابي هنا محض خرافة أضحكت عليه كافة قطاعات الشعب السوداني حتى الإتكاءة.... وربما لأجل ذلك آثر الترابي أن تبث قناة الجزيرة هذه الحلقات من شهادته على العصر بعد مماته ودفنه تحت الثرى ؛ حتى يتحاشى ضحك وسخرية أبناء بلاده عليه في وجهه.
والطريف أنه جعل من مشاركته في ندوة عامة من ضمـــن ندوات متسلسلة اقامها إتحاد طلاب جامعة الخرطوم في ذلك العام ؛ تناولت الحريات السياسية . وشارك فيها العديد من النخب الأكاديمية وقادة الأحزاب والتنظيمات السياسية والعقائدية .. جعل الترابي من مشاركته الوحيدة هذه سببا لإشتعال ثورة أكتوبر الشعبية المجيدة ..... وربط بينها وبين خروج طلاب جامعة الخرطوم في مظاهرة سقط فيها طالب السنة النهائية بكلية الهندسة "أحمد القرشي"... والتطور اللاحق الذي شهده ما بعد تشييع جثمان القرشي إلى مثواه الأخير من ميدان عبد المنعم ؛ عبر مسيرة هادرة شاركت فيها كافة قطاعات الشعب . والصور موثقة وموجودة على الإنترنت .. ولكننا لا نرى فيها حسن الترابي سائراً على قدميه في مقدمة الصفوف كما إدعى .. بل نرى ذلك التوثيق الوطني والمهني النبيل لنماذج من الطاقم الطبي في مستشفى الخرطوم .... وحيث ألهمت الممرضات والطبيبات الشعب السوداني صحوة الروح . وأعادت إليه معاني الرجولة . فسجلت المرأة السودانية بذلك السطور الأولى لهذه الثورة الشعبية المنقطعة النظير ، والتي أصبحت الركيزة في إستلهام الشعب لقدراته مهما كان حجم الصدأ أو أصاب النفوس الوهن. ومن جهة أخرى فإن هذه الصور الموثقة لهذه المسيرة التي حملت جثمان شهيد الثورة "أحمد القرشي" ... وجدت هذه الصور طريقها للنشر في الصحف السودانية على الفور . وشاهدها أبناء الشعب السوداني في كافة أرجاء البلاد صبيحة اليوم التالي. .... ومن ثم فإن هذا الواقع ينفي مزاعم الترابي بأن إشتعال الثورة إنما جاء صدفة ..... فكيف والحال كذلك من حيث إقدام الصحف اليومية على نشر هذه الصور في صدر صفحاتها لو لم تكن السلطة قد بدأت تتسرب من بين أيدي المجلس العسكري الحاكم . فحال ذلك دون قدرتهم على مصادرة هذه الأعداد ... أو بما يعني من جانب آخر أن هذه المسيرة إنما كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير .
واقع الأمر فإن الترابي حين وصف إشتعال ثورة أكتوبر بأنها إنما جاءت محـض صــدفة ... فإنه هنا يرغب في أن يغطي على حقيقة أنه كان آخر اللاحقين والمتسلقين بالعربة الأخيرة في قطار ثورة أكتوبر المجيدة .... وأنه لم يحد طريقه إلى المشاركة فيها إلا في الثواني الأخيرة ؛ حين إلتفت الثوار الأصليون حولهم فلم يجدوا وسطهم ملتحي متأسلم يجلسونه في الكرسي الفارغ حول الطاولة الوطنية.
والحقيقة أن المظاهرة الطلابية المشار إليها إنما جاءت كرد فعل من جانب إتحاد الطلاب على قرار حكومة الرئيس إبراهيم عبود بمنع مواصلة عقد الندوات داخل الحرم الجامعي ؛ بعد أن لاحظ جهاز أمن الدولة (البوليس السري) آنذاك ؛ لاحظ زيادة عدد الرواد المضطرد . ومشاركة العديد من الناشطين السياسيين والنقابيين وطلاب الثانويات والمعاهد الأخرى بالحضور والإستماع والمناقشة ..... وتناول بعض الصحف لأمر هذه الندوات وما يدور فيها .. وبعد أن تطور موضوع هذه الندوات ليشمل مشكلة الحرب في الجنوب . وأسلوب المجلس العسكري الحاكم برئاسة إبراهيم عبود في معالجة التمرد بالحديد والنار لا غير ... وتفشي شائعات قوية بأن المجلس العسكري الحاكم بصدد معالجة التمرد بإسقاط قنابل حارقة ونابالم على المتمردين والأهالي داخل الغابات والأحراش .
وعليه ، فقد كان من الطبيعي أن يصاب العديد من قطاعات الشعب السوداني بالذهول : لكون أن الترابي قد تجرا على الكذب أمام عدسات برنامج "شاهد على العصر" . دون أن يضع في حسبانه أن مقاله ومزاعمه هذه ستكون خصما تراكمياً على مصداقيته عبر العصور . بوصف أن المواطن السوداني سيكون أول من يستمع إليها ... ولكن ربما لم يضع الترابي الشعب السوداني في حسبانه .. وظن أنه يكفيه تلميع سيرته أمام الرأي العام العربي والإسلامي ..... ربما يكون ذلك هو السبب في جرأة الترابي على الكذب ... ولكن متى كان الشعب السوداني وإزدهاره ومصالحه لا بل وحتى خاطـره يشكل أولوية لدى الترابي الذي ظل طوال حياته مفتونا بتنظيم "الأصولية العالمية" وأكثر إحساساً بالواء لها بالمقارنة مع الولاء لوطنه . وإلى درجة لم يبالي فيه برهن حاضر السودان ومستقبله لهذا التنظيم الأصولي العالمي ؛ الذي نشأ في ألمانيا ثم إنتقل بعدها إلى تركيا وليجعل من السودان حقل تجارب لما يسمى بالإسلام السياسي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة