في كتابه الجديد الذي يوثق لممارسات ما يعرف بجهاز الأمن الشعبي اضافة للكثير من حوادث القتل التي ارتكبها اهل الانقاذ بدم بارد في حق مواطنين سودانيين لم يرفعوا سلاحا في وجه سلطتهم الغاشمة، والى جانب عشرات الوثائق التي تفضح النظام وعقليته الأمنية الغارقة في التآمر ضد شعبنا ومصالح وطننا. يواصل الاستاذ فتحي الضو سلسلة كتاباته التوثيقية القيمة، بإضافة جديدة تجذب الى دائرة الضوء جزء من جرائم التنظيم السري الموازي الذي أنشأته الانقاذ لتوطد به أركان حكمها المتهاوي، غير الشرعي، وليصبح الجهاز السري هو الحاكم الفعلي لبلادنا .
يلفت الكاتب الإنتباه في بيت العنكبوت، لقضية مهمة ضمن توثيقه لجرائم الإغتصاب والتعذيب التي تعرضت لها المرأة في عهد الانقاذ: أن المرأة تعرّضت للتعذيب والقتل فقط في العهد الإنقاذي، ويروي الكاتب قصة اللواء طلعت فريد مع المناضلة فاطمة أحمد ابراهيم في عهد الفريق إبراهيم عبود. قال اللواء طلعت لفاطمة بعد مشادة كلامية لولا انك إمرأة لوضعتك في السجن!
الصديق الاعلامي محمد عبد الحميد حكى أيضا قصة تغطيته لمحاكمة أحد المنتمين للجان الثورية بتهمة تهريب سلاح من ليبيا الى السودان في العهد المايوي. وكيف ان المحكمة كانت تجري في جو أكثر من( سوداني) لا ضغوط من اي نوع على المتهم، بل ان المتهم قام أمام المحكمة بالتعارك مع شاهد الاتهام في القضية ، وتمادى الى التهديد انه سينتقم منه حالما يخرج من السجن! لم تتدخل المحكمة أو الحضور من شرطة وغيرهم سوى بمحاولة إصلاح ذات البين بين المتهم والشاهد بوصفهما مواطنين سودانيين! لا فضل لأحدهما على الآخر. ورغم خطورة القضية لكن المتهم لم يتعرض لتعذيب أو أية معاملة سيئة، وقدم محاميه مرافعة قوية اصبحت جزءا من التراث القانوني في بلادنا.
وهكذا كانت بلادنا قبل غزوة التتار التي سميت إنقاذا! حتى في عهود الاستبداد العسكري، كان هناك حد أدنى من إحترام الانسان السوداني، تبخّر ذلك كله في العهد الانقاذي. ولم يعد للانسان أوحتى للأرض من قيمة. فالانقاذ التي خاضت تجارب بناء السدود الفاشلة التي لم تسمن أو تغني من جوع للكهرباء أو التنمية، ولم تثمر شيئا سوى القروض التي دخلت الى جيوبهم لتتراكم الديون التي تثقل كاهل شعبنا، يصرون على تكرار التجربة نفسها في أقصى شمال السودان لإفراغ الأرض من حضارتها وبقية سكانها. فقط للحصول على بعض القروض التي تضخ الى دائرة فساد جهنمي تتناسل دوائرة الشيطانية لتغطي كل شئ.
الجبهة الاسلامية القومية لم يكن لها من برنامج لحكم الشعب السوداني سوى القمع والقتل والتعذيب. الكاتب ينقل مقولة للترابي في سجن كوبر أثناء فترة إحتجازه الكاذب، أيام : أذهب للسجن حبيسا وانا للقصر رئيسا، يقول فيها اثناء حوار مع بعض زملاء الاعتقال: ان الشعب السوداني لا يمكن إخضاعه الا بالقهر. وحين يرد عليه أحدهم بأن القهر يولد الانفجار يرد بما معناه، أنهم سيعتادون على القهر بعد قليل!
ذلك هو برنامج الانقاذ ولا شئ غيره. التنظيم المجرم عرف منذ البداية أنه لا يمكن إخضاع شعب قاد ثورتين خلال أقل من ربع قرن فقط من أجل إرساء قيم الحرية والعزة ودولة القانون. الا وفق معادلات جديدة، تعيد صياغته وفق أوهامهم. عبارة تكشف عن مدى الاستبداد الذي غرقت فيه العصابة، التي لا ترى في شعبنا سوى مجموعة من الجهلة الذين يمكن قيادتهم وصياغتهم وفق برنامجها. ما حدث أن مجموعة من المفسدين استولوا على مقاليد السلطة في بلادنا، وتبين بعد مرور السنوات انهم هم الجهلة المجرمون وأن شعبنا الصابر المعلّم سيظل ممسكا على جمر قيمه وعشقه للحرية وكراهيته للاستبداد حتى تحين ساعة الحساب.
التوثيق مهم وجزء من إعداد ذاكرة بني وطننا ليوم الحساب القريب. لا يعوّل القتلة على شئ مثل ضعف ذاكرتنا. يغيّرون في الوجوه والمشاهد املا في دفن جرائمهم في النسيان. يحاولون عبر إعادة بعث نظامهم بمسميات ووجوه جديدة تمديد فترة حكمهم وبث الأمل الكاذب في قلوب الناس بتغيير وشيك في كل شئ يتبع التغيير الطفيف في الوجوه والمسميات.
التحية للاستاذ فتحي الضو وهو يوثق لكل جرائم العصابة التي لن يسقطها تقادم، ولابد أن يتم يوما إعادة فتحها ومحاسبة مرتكبيها وإن طال العهد بها
للحصول على نسخ بي دي اف من بعض اصداراتي رجاء زيارة صفحتي:
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة