الموت في زمن ثورة الأناشيد! بقلم احمد الملك

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 12:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-12-2016, 01:19 PM

أحمد الملك
<aأحمد الملك
تاريخ التسجيل: 11-09-2014
مجموع المشاركات: 278

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الموت في زمن ثورة الأناشيد! بقلم احمد الملك

    01:19 PM Jan, 12 2016

    سودانيز اون لاين
    أحمد الملك-
    مكتبتى
    رابط مختصر





    وأدركت في المنفى إنه كلما علا صوت النظام قلّ فعله، وكلما كثرت الأناشيد
    كثرت الهزائم ، وإنه بقدر ما يرتفع الزعيم في العلالي اندفن الشعب في
    التراب !

    محمود السعدني - كاتب وصحفي مصري.



    كان عبد الستار رجلا طيبا مستور الحال، يعيش في بيت صغير يقع في أعلى
    بقعة في إحدى جزر نهر النيل ، كان يفلح قطعة أرض صغيرة ورثها من أسلافه،
    ورغم إنتاجها القليل الا أنه كان كافيا ليستمر علي قيد الحياة مع
    المساعدات القليلة التي كانت تصله من بعض أقاربه الذين يعملون في دول
    الخليج .



    ورغم أنّ عبد الستار لم يشتهر بالورع، اذ لم يكن يعرف من الفروض الدينية
    الا ما يكفيه بالكاد لأداء الصلاة، إلا أنه كان يقف أحيانا بعد صلاة
    الجمعة ليتحدث في بعض المسائل الصغيرة، والتي كانت في طابعها العام أقرب
    الي الدنيا منها الي الدين، وفي الغالب فإن أحدا لم يكن يعر كلامه أدني
    اهتمام، وكان الناس يضطرون للجلوس للإستماع له بدافع المجاملة، او الخوف
    فقد كان يتمتع بجسم ضخم وقبضة حديدية أتاحت له مرة اثناء استعراض
    للمهارات قتل ثور بضربة واحدة علي الرأس، وفهم الكثيرون محاولاته لتنصيب
    نفسه كواعظ متطوع بأنها مجرد رغبة من رجل طيب يحاول تذكير الناس بأنه
    موجود وأن الشيخوخة لن تجبره علي التسليم والإنخراط في إستعدادات إنتظار
    الموت بنفس الطريقة التقليدية القديمة لمن فرغت مهمته في الحياة..



    كان عبد الستار يعيش وحيدا، لا يؤنس وحدته سوي جهاز راديو قديم، كان
    الراديو الوحيد في العالم الذي لا يحتاج لأي نوع من الطاقة من أجل
    تشغيله، بل مجرد ركلة قدم قوية تحرك طاقة منسية في أحشائه فيبدأ علي
    الفور في ترديد الشعارات الوطنية بصوت مرتجف، وكان يمكن لبرنامج حياته أن
    يمضي علي الوتيرة نفسها حتي لحظة تشييعه الي مثواه الأخير، لولا الانهيار
    الاقتصادي الرهيب الذي طال كل مستويات الحياة اليومية، منذ بدء ظهوره مع
    بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، وفجأة وجد عبد الستار نفسه وهو علي
    وشك ان يبدأ أول ايام الشيخوخة علي حافة الإفلاس، إنقطع الايراد القليل
    الذي كان يصله من أقربائه في الخارج بسبب تدهور أحوالهم، لم تنقطع غلة
    أرضه ولكن تكلفة الانتاج باتت عالية جدا وأسعار المحاصيل الزراعية لا
    تكفي للوفاء بالتكلفة المرتفعة للإنتاج، لم تكن هناك مشكلة في إيجاد
    التمويل اللازم للزراعة فقد فتحت عدة بنوك تجارية أبوابها علي مصراعيها
    وكانت علي أتم إستعداد لإقراض المزارعين أية مبالغ يطلبونها ودون تردد،
    الا ان عبد الستار أدرك مبكرا ان الطريق نفسه الذي يؤدي الي البنك كان
    ينتهي في السجن، لأنه وبمجرد أن يتم حصاد المحصولات الزراعية كانت
    أسعارها تنهار فجأة وكأن الامر يتم بفعل فاعل، وتقوم البنوك التجارية
    بتحصيل قروضها بالإستيلاء علي المحاصيل بأسعار زهيدة ولأن ذلك لا يكون في
    العادة كافيا للوفاء بالقروض يتم جرجرة المزارعين الي السجون، حتي أن
    الكثيرين كانوا يفهمون عبارة انا ذاهب الي البنك وفق معناها الحقيقي وهو
    : انا ذاهب الي السجن ! .



    لم يصدق عبد الستار الأناشيد التي كان يرددها جهاز الراديو والتي تحث
    المزارعين علي زيادة المساحات المزروعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، شاعرا
    انه لن يحقق اذا ما انجر وراء تلك الشعارات سوي اكتفاء ذاتي من الهموم،
    وهو لم يكن في حاجة للمزيد منها فقد أصبح يضطر في الفترة الأخيرة لتغيير
    الطريق الذي يسلكه في وسط القرية ليتجنب المرور من أمام دكان السر ود
    الحاج، بسبب تراكم ديون حوائجه المنزلية، وطوال أيام إستغرقه قلق شديد
    حتي أنه كان يعبر أمام جيرانه الجالسين فوق كثبان الرمال في ضوء القمر في
    إنتظار حدوث فرج ما، كان يمر بهم دون أن يلقي السلام أو حتي يكترث للذين
    كانوا ينادونه بألقاب ساخرة من إستغراقه الفلسفي، فكر في مخرج آخر يضمن
    له البقاء علي قيد الحياة دون تنازلات جوهرية قد يدفع ثمنها من أوهامه
    المستقبلية، نظر حواليه فلم يجد شيئا، وإنتظر طوال عدة أيام على أمل ان
    يطرق باب بيته طارق متعجل يسلمه خطابا دسما من أحد اقربائه، ولكن مرت
    الأيام رتيبة، لا جديد فيها. تمضي ساعات النهار الطويلة ببطء، لم يعد
    يشعر فيها بطعم الحياة القديم في ساعات الضحى وغناء القمري فوق أشجار
    النخيل.



    ركل جهاز الراديو ركلة اخيرة فانطلقت ثورة الأناشيد التي تؤكد بأنه يعيش
    في نعيم ارضي يأكل فيه مما يزرع ويلبس مما يصنع، رغم إنه لم يأكل شيئا
    منذ يومين، ورغم مظاهر الجحيم الراكد من حوله، اغلق جهاز الراديو وتركه
    يختفي مع ثورة أناشيده خلف انسجة العنكبوت واتخذ قرارا مصيريا مهما :
    قرّر ركوب الموجة ! اهمل حلاقة ذقنه عدة أيام كانت كافية لتنمو لحية
    صغيرة، قرر أن يتوكأ عليها لتحقيق مآرب اخري، وعن طريق بعض معارفه عرف ان
    هناك فرصا للتقدم لوظيفة داعية لم يكن أمامها من عقبات سوي دورة تدريب
    ضمن قوات الدفاع الشعبي ثم دورة تأهيلية بعد ذلك تؤهله لاعتلاء المنابر .
    إعتبر عبد الستار أن دورة الدفاع الشعبي ستكون مجرد رحلة قصيرة لن تخلو
    من تسلية ما دامت الحكومة ستتكفل نفقات إبقائه علي قيد الحياة طوال تلك
    الفترة .



    ولإضفاء صبغة عملية علي توجهاته الحضارية الجديدة، أصبح عبد الستار يقف
    ليتحدث بعد صلاة الجمعة بلسان جديد، أصبح يحث علي الجهاد والتضحية
    بالنفس، وكان يدعو ببطن مترهل الي عدم مسايرة هوي النفس وقهرها بالصوم،
    وفي كل مرة كان يختتم حديثه بالقول المأثور : إخشوشنوا فان النعم لا
    تدوم.



    في البداية اعتقد الجميع بأنه كان يمزح، أو يمر بفترة إكتئاب بسبب الفراغ
    او قلة المال، تجعله يتقمص دورا تبشيريا تقشفيا. ولم تخل تحولاته من
    مخاطر فقد طرق باب بيته السر ود الحاج مطالبا بديونه، قال له : ما دامت
    ذقنك قد طالت هكذا فلابد أنه سيكون معك ما يكفي لسداد ما عليك !، الا ان
    عبد الستار اكد له انه لم يتغير شئ حتي الآن سوي ظهور تلك الذقن، ووعده
    بالسداد بمجرد أن تنفرج الاحوال قريبا، بعد الحصول على فوائد ما بعد
    الذقن!



    بعد أيام اختفي عبد الستار وعرف أهل القرية بأنه اختير كداعية وأن
    الاختيار وقع عليه مع امرأة من نفس القرية وإنهما سافرا لتكملة دورة
    الدفاع الشعبي، نقل عبد الستار الي معسكر في منطقة القطينة وبسبب سمنته
    المفرطة فقد واجه عسف المدربين، وكان أحدهم يطعن عصاه كل يوم في بطن عبد
    الستار المترهلة ويقول له : هذا اللحم الحرام يجب أن يخرج ! كان المدرب
    في كل يوم يكيل له الاتهامات منددا باللحم الذي يكتنزه والذي لم تفلح في
    زحزحته كل حفلات العقاب اليومي والجوع الاجباري والاكل الردئ .



    في النهاية توصل عبد الستار الي قناعة ان المعسكر لم يكن للتدريب ، بل
    للحقد، وان كل رأسماله الذي تبقي له من الدنيا من صحة الجسم التي يدخرها
    لأيام المرض والشقاء، كان معرّضا وبصورة متواصلة لحقد يومي معلن، فور
    توصله لتلك القناعة المتأخرة غادر المعسكر، كان يؤدي طقوس العقاب المسائي
    اليومي حيث يقف ويداه مرفوعتان طوال الليل حينما غادر المكان فجأة ودون
    مقدمات، لم يكترث للصافرة التي انطلقت تدعو المجندين لايقافه، ولا للمدرب
    الذي اتخذ وضع إستعداد إطلاق النار لايقافه، غادر المكان دون هوادة ولم
    يكلف نفسه ولا حتي بالبحث عن باب المعسكر فقد حطم أقرب جدار مواجه وغادر
    المكان .



    في الخارج توقف أمام شارع الاسفلت المقفر علي أمل مرور عربة ما، كان
    المساء ينذر بعاصفة خريفية فقد كانت السماء ملبدة والبرق يضئ قفر اشجار
    الطلح والسيال من حوله، لم يكترث عبد الستار للعاصفة الوشيكة، كان مشغولا
    باسترجاع شريط الاهانات اليومية التي تعرض لها طوال ايام، فجأة توقفت
    بجانبه سيارة فارهة، فتح الباب الامامي ليصعد للسيارة ففوجئ بمنظر الرجل
    الجالس الي عجلة القيادة، وجده ملتحيا، كان مظهره ومظهر سيارته يدل على
    أنه أحد النافذين في حكومة ثورة الأناشيد، أثارت اللحية فيه كل مواجع
    أحقاده، لم يصعد الي السيارة، صفق الباب بعنف وأصدر للرجل باشارة حادة من
    يده أمرا بالانصراف. قضي الليل كله ماشيا حتي لاحت تباشير أول مدينة، ومن
    حسن حظه فقد كان يحتفظ بمبلغ قليل من المال أتاح له ركوب المواصلات الي
    الخرطوم التي أمضي فيها بضعة أيام قبل أن يغادرها عائدا الي قريته .



    لدي عودته لبيته استأنف فور وصوله تفاصيل حياته السابقة نفسها، نفض
    الغبار عن جهاز الراديو وركله بحقد، فوجده يردد نفس أناشيد الاكاذيب
    السابقة فأغلقه بركلة أخري، شعر رغم ضيق الحال بأنه بدأ يستعيد هدوءه
    السابق وان لم يستطع مكافحة شعور بالخجل بسبب عودته بخفي حنين دون أن
    يحرز لقب شيخ، وانه سيتعين عليه ان يحتفظ بسلوكه العلماني نفسه بسبب فشله
    في الحصول علي ترخيص لهداية الناس !



    الاّ أنه لم يستسلم، فبعد مرور عدة أيام شعر بأنه لا يمكن أن يعلن عودته
    الفاشلة من رحلة العذاب تلك، فإستهل دورة تدريبية عسكرية دعا لها تلاميذ
    المدرسة الأساسية وبعض الصغار الذين سحبهم آباؤهم من المدارس بعد أن
    عجزوا من سداد رسوم الدراسة الباهظة، أفرغ عبد الستار كل أحقاده في
    التلاميذ، زاعما أنه ينفذ توجهات الثورة، حلق لهم رؤوسهم بقسوة، بالطريقة
    نفسها التي كان يحلق له بها، مستخدما أمواسا قديمة أو قطع زجاج، وطوال
    ايام العطلة أخضعهم لتدريب قاس حتي ضج أولياء أمورهم .



    وذات يوم بعد أداء صلاة الجمعة وقف أحد آباء التلاميذ وتساءل ان كانت
    هناك بالفعل تعليمات حكومية تخول لهذا الرجل حلاقة رؤوس أبنائهم بتلك
    الطريقة المهينة وتعريضهم لذلك التدريب الشاق . لم يتلق الرجل ردا كان كل
    من يحمل صفة مسؤول في القرية وهم كثيرون، كان كل واحد منهم يتلفت حواليه
    بحثا عمن أصدر التكليف الرسمي، وحين بات واضحا أن عبد الستار كان متطوعا
    لإثارة المشاكل واصل الرجل كلامه قائلا : لقد ذهب عبد الستار من هنا
    ليتدرب في معسكر للدفاع الشعبي، وسافرت معه من هنا إمرأة، وهرب عبد
    الستار من معسكر الدفاع الشعبي عائدا، بينما لم ترجع المرأة حتي الآن !



    شعر عبد الستار برأسه يكاد ينفجر من الغيظ، فقد تم إيقاف دورته التدريبية
    بقرار من مجلس آباء المدرسة الأساسية، عاد عبد الستار الي البيت محنقا،
    ركل جهاز الراديو فسمعه يردد الأناشيد الحماسية دون حماسة بسبب ملل
    التكرار، أشعل عبد الستار سيجارة (قمشة) سحب منها نفسا واحدا وإستلقي علي
    عنقريبه جوار جهاز الراديو .. ومات! .





    للحصول على نسخ بي دي اف من بعض اصداراتي رجاء زيارة صفحتي:

    https://www.facebook.com/ortoot؟ref=aymt_homepage_panel

    أحدث المقالات
  • الحق فى تقرير المصير و شعوب الهامش فى السودان، جبال النوبة نموذجا (2-1) بقلم ادريس النور شالو
  • أمينة الأمينة.. نرحب بطائرك الميمون مجدداً بقلم كمال الهِدي
  • هل هذه المنظمات.. مراقبة؟ بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين
  • جذور الفهم بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • من المسؤول ؟؟ بقلم صافي الياسري
  • مذبحة قرية مولي كتبت ـ صباح أرباب
  • حتى أنت يامطيع : لن تستقيل ؟! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • لجان الحوار الغارقة في المحاور بقلم نورالدين مدني
  • الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (79) الانتفاضة تفضح شخصية نتنياهو بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de