:: قبل الإنفصال، عندما تحرر القوات المسلحة مدينة بجنوب السودان، كانت الحكومة تشغل الرأي العام بهذا الإنتصار المحدود وتصرف الأنظار و العقول عن (جذور القضية)، و أسباب الحرب ..ولتحقيق هذا الهدف غير الإستراتيجي، كانت وسائل الإعلام المشاهدة والمسموعة تفتح أبواب الغناء و الشعر والرقص والطرب لكل من (هب ودب)، فيدخل أنصاف المواهب والمتنطعين الإستوديوهات أفواجاً بالأشعار والأغاني ( الهتافية ).. ولم يكن تهافت هؤلاء إلى الإستوديوهات محزناً، فالعقول - كما الزواج - قسمة ونصيب.. ولكن المحزن كنا نتفاجأ بين الحين والآخر بأحد العباقرة في ( سوق الكوراك)..!! :: واليوم في محاولة ذكية للإلتحاق بسوق الصخب، يطالب الناقد المسرحي الكبير السر السيد الدولة والشعب لمقاطعة المسلسلات المصرية، والبعض يصف دعوته هذه بأنها ضربة قاضية لأن مصر لم تعد تلعب من الأدوار العربية والإفريقية غير صناعة المسلسلات .. وليس في أمر دعوة السيد ما يُثير العجب، ولا في تأثير إستجابة الدعوة ما يُثير الترقب، فالمسيرة التي أخرجها إتحاد المرأة بإحدى قرى السودان قبل سنوات كانت قد توعدت أمريكا بالويل إن لم تفك الحصار عن السودان .. فالصخب ثقافة راسخة في سياسة السودان الخارجية، ولها صًناع مستوى تفكيرهم لا يتجاوز دائرة نصف قطرها ( مدى البصر)..!! :: ولكن المؤسف للغاية هو أن قامة ثقافية بحجم الأخ الأستاذ السر السيد تجتهد وتسعى للإلتحاق بسوق الصخب الراهن بمثل الإقتراح غير المؤثر - لا سلباً ولا إيجابا - في قضية الساعة.. فالمسلسلات يا حبيب، مصرية كانت أو إسرائيلية، ضرب من ضروب الإبداع المتفق عليه - وجدانياً - مهما كان حجم المحيط السياسي المحيط به، والدعوة إلى مقاطعة أي فن من فنون أية دولة كالدعوة إلى (الجهل والأمية).. ثم بالمسلسلات والأفلام والمسرحيات تتوحد وجدان الشعوب رغم أنف ساستها وأنظمتها، ولكن وحدة الوجدان هذه لا تكتمل ما لم تكن القيادة الثقافة بحجم التحدي و ليس بمستوى تفكير لا يتجاوز مداه وصداه ( قاطعوا )..!! :: والناقد - كما يصف التعريف الشهير - شخص يعرف معالم الطريق ولكنه لا يعرف قيادة السيارة، ولكن يبدو أن الناقد السر لم يعد يعرف المعالم ولا القيادة..ولوإستضافته قناة مصرية قبل أسابيع، وسألته عن الآليات التي يُمكن بها تقريب الشعبين - السوداني والمصري - وإزالة ما بينهما من ترسبات تاريخية وأزمات عابرة وتوهمات نفسية، لما تجاوز حديث السر السيد ( الآليات الثقافية)، ومنها المسلسلات ..ولكن بعد أن صار سياسياً لدرجة ( لحس الكوع)، ربما يطالب بالحرب بديلا للتفاوض، وبالشتائم بديلا للنقاش، وبالتهريج بديلا للموضوعية، وبالمقاطعة بديلا للتلاقي، كأفضل حلول لأزمات وقضايا البلدين.. !! :: كم مثل السر السيد في السودان؟، وكم مثل توفيق عُكاشة في مصر؟..فالإجابة هي جذورالأزمة التي يعيشها السودان ومصر حالياً.. نعم، فالأعلى صوتاً بالتهريج هم الذين يُديرون مصير الشعبين إعلامياً، ويفتون في قضايا البلدين إعلامياً، ويقترحون الحلول الشتراء إعلامياً.. ولذلك، ليس بمدهش أن ينزلق بعض أفراد مجتمعنا إلى قاع التطرف لحد وضع لافتة التطرف أمام المطعم والمتجر ( ممنوع دخول ... و...).. ثم ينشر صور التطرف هذه في مواقع التواصل، ولا يبالي برد فعل تصرفه هذا على ملايين الأسر السودانية وتلاميذها وطلابها بمصر.. حتى في الحرب، تُبادر حكمة الحُكماء بإخلاء الرعايا قبل إرسال الصواريخ..ولكن من أين نستورد الحكمة لبلد مثقفها يطالب بالمقاطعة الثقافية كحل للأزمات السياسية ..؟؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة