عزلت تونس مدير تلفزيونها الرسمي، مباشرة في أعقاب بث الشاشة الرسمية الصغيرة، صورة رأس طفل، كان قد ذبحه متشددون.
بالطبع الصورة صادمة.. بل فظيعة.. لكن القرار، أعاد إلى الأذهان الجدل حول دور الإعلام إزاء الفظائع: هل يكشفها بالصورة مهما كانت فظاعة هذه الصورة، أم يحاول أن يلتف عليها خبريا، فقط؟
المدير المقال، أراد أن يقول في رسالته الصورة: أنظروا إلى هذه الوحشية. أراد أن يقول بالصورة: ما أفظعهم.. تبا لهم!
الصورة، مقال.. بل أنها- في عالم الصورة اليوم- لهى أشد تأثيرا، من المقال. هى في عالم الرعب هذا، أداة رعب، لذلك يعمد المتشددون إلى الصورة بكل فنياتها الإخراجية- لتمكين الرعب في الأفئدة والقلوب، وحين يتمكن الرعبُ يسهل الإجتياح، والتمدد، والتوسع، ففي زمان الرعب ، يكون الفرار، وحيثما كان الفرار، كان الإحلال والإبدال.. والطبيعة منذ أن كانت طبيعة، تكره الفراغ!
تلك استراتيجيتهم..
السؤال، هل النشرُ يساعدُ في ترسيخ إستراتيجية الرعب هذي؟
السؤال الآخر: إذا أغمض الإعلامُ الرسمي عينيه عن الصورة الفظيعة، فهل يمكن للإعلام الحافي- ذلك الذي يتجول دون حسيب أو رقيب في الإنترنت- أن يكف عن نشر الصورة الصور الفظيعة؟
الإعلام الحافي، في متناول هاتفك الذكي، هذا الصغير جدا. هو معك في المكتب، والبيت، وفي الشارع والمسرح.. هو مع زوجتك ووالديك وأطفالك، وبنت الجيران، ولا... ولا فرار-إذن- لأي منكم من الصورة الفظيعة.. ولا نجاة؟
السؤال الثالث: إذا كانت استرتيجية الإرهاب في بث الرعب، هى الصورة.. فلماذا لا تكون استراتيجية الإعلام المنازل للإرهاب هى ذات الصورة: الصورة الإدانة. الصورة التحذير. الصورة لحشد كل الخيرين في هذا العالم، في جبهة واحدة، ضد الشر.. ضد الأشرار.. ضد الفظائعيين، في كل مكان؟
تلك أسئلة.. والإختلافاتُ في الإجابة لا تزالُ قائمة، حتى بين دهاقنة الإعلام أنفسهم!
للإنسان، كرامة.. حيا وميتا.
تلك بدهية.. ومن هذه البدهية، ينطلقُ الكثيرون، في معارضتهم لنشر الصورة الفظيعة.. لكن السؤال الذي يشبُ- في الوقت ذاته- أوليس في قتل الإنسان- أولا- بمثل هذه الصورة الفظيعة، فيه أسوأ انتهاك، بل إهدار لكرامته.. ثم أوليس في بث الصورة الفظيعة، تعليقُ جرس الفضيحة والخزى والعار، في رقبة المنتهكين، المهدرين للكرامة الإنسانية؟
أنصارُ النشر، يرافعون: بنشر الصورة لا تعلقُ الأداة الإعلامية، ذلك الجرس، في رقبتها، بأية صورة من الصور!
" القضية".. لا تزال بين الإدعاء والدفاع. أي منهما يحشر الآخر في الزاوية الضيقة، ويعصره عصرا.. والقاضي- المجتمع- لا يزال حائرا بين مرافعتى الإثنين، رأسه يشتعل أكثر بالبياض، وهو يمسكه - بكلتا يديه- ليس فقط من تعقيد القضية، وإنما في الوقت ذاته، من.. من فظاعة الصورة! أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة