(كلمة أرشيفية من باب "مع ذلك" بجريدة الحرطوم 14 سبتمبر 1988) كتب أحدهم يقول بأن فيضان 1946 وسيول 1988 هما تحذير من عنده تعالى لأننا سمحنا للحزب الشيوعي أن ينشأ بيننا وأن يحتفل بتلك النشأة في أربعينها هذا العام. وربط آخر بين احتفال الحزب الشيوعي بأربعينه واحتفال السفارة الأمريكية باستقلال أمريكا في شهر واحد. ويوحي هذا بشيء من عمالة الحزب الشيوعي أو ما يشبهها. هذه ركاكة عجيبة تُهدر فيها رجاحة العقل بالكلية. وفيها مؤشر لما يمكن أن تبلغه العقول الصغيرة من سقط التحليل وغلواء العداء. ولا سبيل إلى حرب هذه الركاكة إلاّ بنشر الاستنارة والتسامح. وهي معان للأسف لا يوليها حتى الحزب الشيوعي (الخاسر الأكبر من سيادة الجاهلية والتعصب) اهتمامه الدقيق. إن المكابر وحده الذي لا يثني على المعرض الجيد الذي أقامه الحزب الشيوعي في عيده الأربعين. والمعرض في صورته هذه إضافة مقدرة للتقليد الوثائقي الذي تميز به الحزب في حياتنا السياسية. فلقد سبق للحزب إصدار كتاب "ثورة شعب" (1965 وطبعة خاصة محققة 2014). وأضحى مرجعاً معتمداً في نضال شعبنا ضد الديكتاتورية الأولى. كما نشر المرحوم محمد سليمان "اليسار في عشر سنوات" وجمع فيه وثائقه لسنوات 1954 إلى 1963. . إن أفضل الديمقراطيات ما بُني على حس بالتاريخ لا حكمة منه كما هو القول الشائع. وأفضل حس بالتاريخ ما انبنى على وعي دقيق بمنزلة الوثائق وخطرها. ومما يُحْمَد للحزب تنمية هذا الحس على أنه الحزب الأكثر خسارة في وثائقه من جراء حالة الطواريء السياسية التي عاشها أكثر تاريخه. لم تعجبني مع ذلك الطريقة "الحزبية" التي سجل بها الشيوعيون تاريخهم. فقد رتبوا المعرض بصورة تطابق فيها تاريخ حزبهم مع تاريخ العقيدة "الصحيحة" المجازة فيه. فتاريخ الحزب باختصار هو تاريخ من استشهدوا فداء العقيدة الصحيحة، أو ما زالوا يجاهدون لأجلها. فلم أر مثلاً موضعاً في المعرض للسيد أحمد سليمان أول وزير شيوعي في السودان أو في الإمبراطورية البريطانية كما يروى أنه قال لملكة بريطانيا حين زارت السودان. وتكرر حذف الأدوار بالنسبة للسيدين عوض عبد الرازق (غير أنه إنتهازي) وعمر مصطفى المكي رحمهما الله وأحسن إليهما. يخل هذه الترتيب الأحادي للمعرض الأربعيني بالحس التاريخي. وهذه نقيصة كبرى في حركة كالحزب الشيوعي تزعم أنها تاريخية أي أن نصرها إملاء تاريخي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة