|
فليستعد الغرب للمزيد من موجات الهجرة!
|
07:16 AM Sep, 08 2015 سودانيز اون لاين أحمد عثمان عمر- مكتبتى فى سودانيزاونلاين
تتظاهر بعض حكومات الغرب الأوربي مؤخراً بأنها فوجئت بموجة الهجرة الأخيرة التي حفزتها أحداث الشرق الأوسط المؤلمة، و تحاول أن تسوقها كخطر داهم على المجتمعات الأوربية. و تتصرف و كأنها لا تعلم بأن ما يحدث نتيجة طبيعية و حتمية للحالة التي تردى إليها الشرق الأوسط، و تجتهد لتوظيف هذه الموجة من الهجرة في سبيل سن قوانين هجرة أكثر تشدداً، عبر بيع الخوف من المهاجرين لمواطنيها. و الكل يعلم أن في هذا المسلك الكثير من النفاق و التخلي عن قيم المجتمعات الأوربية نفسها التي أنتجتها برجوازيتها في حال صعودها و قبل إنحدارها و تحولها لمجرد شرائح تخدم الإحتكارات العالمية عابرة الحدود. فالحكومات المرائية و المنافقة التي تتحدث عن موجة الهجرة الراهنة، تدرك أن عدم الإستقرار في الشرق الأوسط و إن كان أساسه داخلياً ، إلا أنه تم تحفيزه و ضخ الدماء فيه من الدول الإستعمارية في الغرب نفسها. فإن كان الإستبداد السياسي و إحتكار السلطة و الثروة يشكلان أساساً للصراع الحاد الراهن و لغياب الأمن و الإستقرار، فإن الداعم الأول للنظم الإستبدادية في المنطقة هو الغرب الإستعماري. فهو الذي دعم جميع النظم الإستبدادية في المنطقة و مازال يدعم من بقي منها، و هو الذي لا يرغب في و جود نظام ديمقراطي بالمنطقة، ليقينه بأن النظم الديمقراطية خطرة على مصالحه ، و معرفته بأن شعوب المنطقة إن إمتلكت قرارها سوف تبحث أولاً عن إستكمال تحررها من الإستعمار بجميع أشكاله. و لسنا في حاجة للتذكير بأن الغرب هو من أطلق مصطلح الفوضى الخلاقة لبناء الشرق الأوسط الجديد، و هو الذي أحال ثورات الشعوب بالمنطقة إلى حروب أهلية مدعومة منه و ممن هم منخرطون في مشروعه الإستعماري في المنطقة. و هو من منع القوى المنتفضة من الوصول للسلطة و تأسيس حكوماتها عبر دفع جنرالات الجيوش لإستلام السلطة تحت دعاوى الإنحياز للشعب تارةً، و التحالف مع الإسلام السياسي و معاداة قوى المجتمع المدني تارةً أخرى. و بسلوكه هذا، أجهض إنتفاضات الشعوب ضد الحكام المستبدين الذين كانوا حلفاءً و ثيقين له، و أنتج نظماً إستبدادية جديدة أو بالعدم أغرق البلدان التي استعصت عليه في فوضى المليشيات التي أفقدت المواطن أدني حدود الأمن و أسس الإستقرار. فالدول الفاشلة التي أنتجها الغرب و حلفاؤه في المنطقة، هي دول لا يأمن الفرد فيها على حياته ناهيك عن أن يكون آمناً في عمله في جو تتوفر فيه الخدمات و الإحتياجات الأساسية لحياة البشر. فالسلطات الإستبدادية التي لم تسقط و التي كانت سبباً في نجاح التدخل السلبي للغرب و حلفائه الذي صادر إنتفاضة الشعوب تقصفه من ناحية، و المليشيات التي تحتل أراضيه بنوعيها متطرفة و معتدلة تسومه سوء العذاب و تنكل به و بعضها يذبحه. أما الدول التي حدث فيها تغيير ، فهي ما بين مطرقة المليشيات الدينية المتصارعة و نكاية الإرهاب الديني، و سندان الغرب المؤيد و الحليف للإسلام السياسي، أو في أحسن الفروض تحت سلطة مدنية هشة لا يريد لها الغرب نجاحاً لأن الإسلام السياسي لا يسيطر عليها. يعلم الغرب كذلك أن المليشيات التي دعمها سراً و علانية ، أو ترك دعمها لحلفائه بالمنطقة، قد نجحت نجاحاً كبيراً في تهديم البني التحتية للدول التي تدور أو دارت فيها النزاعات . فبعد ضرب الجيوش و تفكيكها لمصلحة المليشيات و في سبيل إضعاف النظم الحاكمة التي لم تسقط، تقوم هذه المليشيات البربرية بتدمير كافة بني الخدمات من صحة و تعليم ، بل و أنها تستخدم قطع مياه الشرب من الأحياء السكنية كوسيلة للضغط على النظم الحاكمة، و تفجر خطوط الغاز و الكهرباء و تحول المدارس لمراكز قيادة و عمليات، و تقصف كذلك المناطق الآهلة بالسكان. و في سبيل تطبيقها لما تسميه شرع الله، تغتال موظفي القطاع العام بعد تكفيرهم، و تحيل المحامين لبائعي خضار، و تعيد هيكلة الخدمة المدنية وفقاً لتصورها استناداً للنهج الذي كان سائداً قبل أكثر من ألف عام. و تشتط أكثر فتتدخل في كيفية لبس المرء و حلاقته لشعره بصورة تفوق تدخل أباطرة الصين القديمة. و بالطبع لا تقتصر هذه المليشيات الموظفة لخدمة المشروع الغربي بغض النظر عمن قام بتأسيسها و رعايتها، لا تقتصر على مواطني البلد المنكوب، بل يجد هذا المواطن أن غرباء عن بلاده هم من يستعبدونه ومن يسترقونه و يفرضون عليه رؤيتهم الدينية التاريخية المتشددة تحت تهديد السلاح. فماذا كان ينتظر الغرب من مثل هذا المواطن؟ هل كان يعتقد بأنه سيبقى ليقدم عنقه للمليشيات، أم أنه توهم بأن هجرته ستكون محدودة و سيتم إستيعابها بإعتبارها ضرر عرضي مصاحب (Collateral Damage ) يمكن ضبطه عبر قوانين الهجرة؟. الأنكى من ذلك أن الغرب توهم بأن هذه الموجة من الهجرة سوف يتم إستعيابها بدول الشرق الأوسط نفسها و لن تطاله بل سينتقي ما يريده هو منها من أيدي عاملة و أقليات لا يرغب في تعكيرها لنقاء الصراع الطائفي . و لكنه لم يجب قبل ذلك على أسئلة رئيسة أهمها ما يلي : لماذا يهاجر مواطن من دولته المستبدة لأخرى شبيهة بها إن لم تكن أسوأ منها؟ كيف ستستقبله دول الشرق الأوسط و هي تعمل بجد لطرد سكانها الذين يخالفون نظم الحكم أو يختلفون معها في الرؤية السياسية؟ كيف سيدخلون إلى دول الشرق الأوسط الغنية و قوانين الهجرة الخاصة بها صعبة و من العسير الحصول على وسيلة لدخولها خصوصاً في غياب حدود مشتركة معها في معظم الحالات؟ كيف ينتقل للدول الفقيرة التي ليس لديها ما تقدمه لشعوبها و تستأثر فيها النخب بكل شئ و تتاجر حتى باللاجئين؟ لماذا يبقى في الشرق الأوسط و لديه فرصة في الذهاب للغرب حتى و إن إكتنفتها الأهوال و المخاطر؟ لم تشغل الحكومات الغربية نفسها بالإجابة على الأسئلة السابقة، لأنها لو طرحتها على نفسها لتوصلت إلى أن كل من سيملك أجر المهربين سيأتي إليها. ففي مخيلة مواطن الشرق الأوسط المحروم من المواطنة، أن دول الغرب دول ديمقراطية يتوفر له فيها الحد الأدنى المتمثل في حقوق اللاجئ، و يتوفر له فيها الأمن و الإحتياجات الأساسية و ربما فرص العمل لاحقاً و المواطنة الكاملة. و فيها سوف يتسنى له أن ينعم بالديمقراطية و حقوق الإنسان التي حومه منها المستبدون في بلاده و ظاهرهم وشد من أذرهم الغرب ، الذي بدأ مع علمانييهم و أنتهى بزواج المصلحة مع إسلامييهم. وهو يرى أنه طالما أن الغرب شارك في حرمانه ليس من حقوقه كإنسان بل حتى شجع الفوضى في بلاده، فمن حقه أن يذهب إليه ليتمتع بهذه الحقوق التي يرى الغرب أنها مقصورة عليه. و هو كذلك لا يرى أنه يتسول الغرب أو يثقل عليه، لأنه يعلم أن مستوى الرفاه الإقتصادي الذي تعيش فيه معظم دول الغرب أسس له النهب الإستعماري و إستعباد الشعوب. و طالما أن الغرب مصر على إستمرار الإستعمار الإقتصادي لدول العالم الثالث، فمن حقه أن يهاجر إلى هذا الغرب ليلحق بجزء مما نهب من الثروات و ينال حظاً يسيراً بدلاً من البقاء حيث يتم إستغلاله بإستمرار. مفاد ما تقدم هو أن للمهاجر كامل الأسباب و المبررات التي تجعله يستميت في الهجرة للغرب و ليس لبلاد الإسلام و المسلمين. فهو من الممكن أن يصوت للإسلام السياسي أو يحمل أفكاره، لكنه يفضل الهرب من سلطته حين تصبح واقعاً يكرس الفشل و الفساد و الإستبداد و المحسوبية لمحازبيه و الظلم المستمر للمواطن العادي. إذ أنه لا يمكن أن يبقى في بلاد حياته فيها مهددة من جميع النواحي ، و إحتياجاته البسيطة لا سبيل لتلبيتها فيها. و هو بالقطع لا يرغب في الإنتقال لدول الشرق الأوسط الأخرى لأنها غير قادرة على حل مشكلته بشكل جذري، و يجد في نفس الوقت ما يحفزه للذهاب إلى الغرب ، و ما يبرر له الشروع في الهجرة و إن كانت المخاطر تجعله يهرب من موت إلى موت، حيث يدفعه أمل في الحياة لم يعد له من بصيص في بلاده. لذلك مالم يغير الغرب سياسته الإستعمارية اللا إنسانية، عليه أن يستعد للمزيد من موجات الهجرة!
|
|
|
|
|
|