|
الطيب صّالح: رواياتٌ لم يَعتادها غربٌ من الشرْق (4) "أطمح في تغيير الشخصية السودانية العادية لإلياذا
|
11:23 AM May, 19 2015 سودانيز اون لاين محجوب التجاني-تنسى-الولايات المتحدة مكتبتى فى سودانيزاونلاين
قال أديب السودان والأدب العربي المعاصر
محجوب التجاني ناشفل - تنسي
نهج صالح الأدبي أكد الروآئي صالح في مقابلاته مع الأدبآء الصحفيين ليلي صالح وطلحة جبريل وعيسي الحلو بين آخرين، إنه لا يقدم شخصيات حقيقية في رواياته. لكنه يرسم صورة واقعية للقرية السودانية في الشمال ويحكي عن تفكيرها وعلاقاتها وسطح حياتها اليومية وغوص أعماقها. فلم يكن من صفات الرواية كما كتبها أن تطبع صورة فوتغرافية عن الحياة. والفنون بكافة أنواعها لا تفعل ذلك. ولكنها شأن المنتجات الفنية، تضفي علي الواقع خيالا مثيرا وغرابة تنبه المشاهد، وربما تشد تفكيره وإحساسه بما يري.
مهم هنا أن يلتفت القارئ إلي نهج كتابي معين في علمانية الطيب صالح الذي أمسك بأبواب الثقافة الغربية ولم يفرط في إنتمآءاته المتعددة لآداب الشرق مشددا علي هويته العربية، فأوجد لمصادره الأدبية الأكاديمية متنفسا واسعا في بيئةٍ قروية سودانية قلّ ما قرئ مثلها في الأدب الحديث. في حوار عليم أجراه معه القاص الأديب عيسي الحلو، يبين الطيب مقصده الروآئي فيما يلي: "إن طموحي، تعاليا بدا أم تواضعا، هو أن أغير الشخصيات الإقليمية العادية السودانية إلي شخصيات اسطورية مشابهة لشخصيات الإلياذا. شخصيات الإلياذا حقيقية، ولكن هومر غيّرها إلي رموز فنية تمثل أشخاصا عديدة. لقد كبّرتهم الصيغة الفنية إلي حجم أكبر من حجمهم الفعلي. ولا يناقض هذا التكبير الحقيقة الفنية".
حذق الطيب صالح وتوظيفه أدوات الفن الروآئي لم تجعل من طموحه امرا مستحيلا: فمن خلال ما أرسله من توليفة متواصلة من مكونات الشخصية السودانية ودلائلها الولود ضمن معاني رواياته لقرآء الأدب وعلمائه في وسع البسيطة علي امتداد إقامته الطويلة في أوروبا والخليج العربي. إكتسبت شخصيات القرية صيتا عالميا أصبحت به أمضي رسول وأبهي سفير لصورة فنية أصيلة للسودانيين في قرية صغيرة في الشمال، رأي العالم في معتلج حياتها معالم حضارية خاصة واستقلالا وثقافة ملفتة. صار مصطفي سعيد رمزا؛ وحسنآء الزين والمريود رموزا؛ ولكل شخصية إمرأة أو رجلا رمز يكاد.
سُوينْكا وصالح لعل في الإمكان أن نعقد مقارنة سريعة بين الطيب صالح والأديب الإفريقي ول سوينكا، الحاصل علي جآئزة نوبل في الآداب 1986. لقد عني سوينكا في أقوي مسرحياته "الموت وفارس الملك" بإجماع النقاد؛ وكان واضحا في مسرحيته تبعية المعِّية السياسية العميآء رؤسآءها، واصطدام رموز السلطة والثقافة القديمة بالحداثة والتقدم. يحكي سوينكا صراعا حادا في مدينة أويو القديمة لقبيلة اليوربا في نيجريا عام 1946 مبعثه اعتزام قآئد فرسان ملك متوفي قتل نفسه كما تجري العادة ويتطلب القانون، حتي يلحق بروح ملكه في السمآء. وهنا ينضم إبنه العآئد من إنجلترا طبيبا إلي المأمور الإنكليزي المستعمر في رفض هذه الطقوس.
هذه صورة تحفل بالتناقض ما بين الثقافات المحلية وإلزاماتها والقيم الدولية وقوانينها، ويطلق الشاعر الأديب المسرحي سوينكا من الأسئلة النفسية العويصة مجالا للتفكر في إرادة الفرد، والعقل الجمعي، والمؤثرات العالمية. ولقد راعنا آنفاً عنآء الطيب صالح بالأحاجي من ورآء ما يقصُّه الراوي ويعلق عليه في رواياته. ومع اختلاف مدي الأسطورة، وما ذهبت إليه الثقافة من خيال، نلمس في أعمال الأديبين السامقين تعلقا صريحا بالأصول، وتفخيما لمعانيها المحلية، وحرصا علي عرضها بطبيعتها المميزة، ومحاولة تطويرها بما أنعم عليهما الخالق من علم وإبداع، ارتفعا بها فوُضع فنهما في مصاف العالمية. ولعلنا نطيل المقارنة بمؤلفين أخر في القابل ، بإذن الرحمن.
كتابٌ أخلاقي المعني أسفر كتاب بركلي عن مادة أخلاقية في صلب موضوعاته ممَنْ شارك في محتوياته في نفس الوقت. فالكل جّم التواضع، يتأدب للعامة، يتمعن تراثهم، ويصّورمعانيه. ما يكون هذا إن لم يكن أدبا جماهيريا لإعلآء كلمة الشعب؟ إن مادة الكتاب تذكرنا بأدب الرأي والفكر في السياسة السودانية وصحافتها المسؤولة قبيل إستلاب الوطن من دولة الأخوان بمعاداة شعبنا بالتسلط والجهالة. أقام رواد حضارتنا القواعد علي أخلاق البلد، أعفآء كانوا. ساروا علي مبدأ: الأدب إحساس الشعب، والأديب إنسان المجتمع؛ لا يتشدقون.
في القطعة التالية، تكشف كونستنس بركلي عن رفعة الفن الروآئي بقولها: "علي الرغم من أن أدب الطيب صالح يبدو [لأول وهلة] بسيطا أو غير إبداعي، فإن القارئ يُمّكن من نيل إدراك دقيق لما في هذا الفكر من ظلال، وكيف تقود الحّبكة المؤلف إلي حياكة المواضيع والأشخاص، فتنبثق صورة منبئة عن الطيب صالح سيدا ممتلكا للحرفة. إن معرفتي بهذا الإفتقاد الثقافي الذي يعود إلي خارجيتي عن بيئة الطيب، حفزني إلي الإجتماع الدآئب مع العديد من الزملآء العرب وتلمس آرآئهم حول تراجمي وفهمي للمعطيات الثقافية وما حوت. وقد أعانتني مونا أميوني بالقرآءة النهآئية لأحدث ما ترجمت ووقفت علي تحريره. ضممنا في هذا المؤلف ترجمة سابقة أعددتها لرواية صالح "الرجل القبرصي"، وكانت في الأصل جزءأ من رسالتي للدكتوراه".
"هذه القصة الغامضة تقدم للقآرئ جانبا غير معتاد عن خيال صالح الروآئي. وقد حاولت في مقالة أن أبين توليفة صالح التي تنفرد بشاعرية الراوي في تناوله غير العادي للشخصيات بما يبدو من مآثر الأدب العربي القديم: "المقامات": إلا أن الطيب يُجّسم الصيغة بإضافة أساليب وتكنيكات السرد الشفهي. وفي مقالتي عن إختيار الزين "العوير" [زوجا لحسنآء القرية] محاولة لتعيين موقع القصة القصيرة في أدبيات صالح. وتقع عرس الزين في الوسط الفني للدراما أكثر منها رواية. إنني أعتقد في صحة هذا الرأي بالنظر إلي عصور التقليد الشفهي القديمة، كمثل ما عليه معظم روايات الطيب. وعرس الزين هو الأقرب في الشكل والقصد لدراما من القصيد الغنآئي."
"مقالتي الثالثة في التحليل الإنتقادي تدور حول الزمن شخصا سياسيا في موسم الهجرة، فتركز علي الدراما ومبتغاها في الرواية. حاولت أن أناقش مفهوم الزمن كعنصر حي؛ لأثره الطبيعي والتاريخي تأثير لا مفر منه، أو فلنقل إنه يحمل أشخاص الرواية علي التكيف [مع الحياة وأحداثهاٍ] بأسلوب لا يقع إلا أثنآء فترة محددة من الوقت". بعبارة موجزة تقول بركلي "إن كلا من أبطال الرواية يفقد وعيه الثقافي السابق التحكم في مسلكه الإجتماعي بفعل الوصمة أو بإعادة البنآء النفسي في الرواية، فيضحي مصطفي سعيد [في موسم] شخصا غريبا في عقول القرويين السودانيين الذين عاد لهم في الرواية سعيا للدخول من جديد في المجتمع السوداني".
دروسٌ في صحافةٍ أدبية أبرزت لقآءات مع صالح أجراها الصحفي الأديب عيسي الحلو وطلحة جبريل رئيس تحرير صحيفة الصباح في الرباط، ومؤلف "علي الدرب مع الطيب صالح" حقآئق مضيئة عن حياة صالح في القرية. علقت "علي الدرب" بركلي قآئلة: "إن طلحة نفسه صحفي منجز وينحدر من نفس المنطقة الشمالية التي ينتمي إليها الطيب. ولهذا السبب، تطرح أسئلة طلحة ووصوفه لثقافة الطيب الولادية صورة تنطق بمصداقية عسيرة المنال علي كاتب من غير أهلها مثلي".
نتابع في الحلقة الأخيرة موجزا للقآءات الصحفيين الهامة، فخاتمة.
وغدا يومٌ جديد.
أحدث المقالات
- وداعا.. ياوطن الجثث! بقلم هاشم كرار 05-19-15, 10:51 AM, هاشم كرار
- المعراج وفضاءات العقل بقلم * أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي) 05-19-15, 10:49 AM, أحمد إبراهيم
- السودان علي أعتاب مرحلية مفصلية "1" بقلم جمال عنقرة 05-19-15, 10:45 AM, جمال عنقرة
- مفكرة لندن (1 و2): تيسير وغردون والسفيرة بقلم مصطفى عبد العزيز البطل 05-19-15, 10:43 AM, مصطفى عبد العزيز البطل
- يا وردي، لماذا هذه الظاظا للأحزاب؟ بقلم عبد الله علي إبراهيم 05-19-15, 10:36 AM, عبدالله علي إبراهيم
- عمر البشير واعطاء الكرسى حقه بقلم سعيد ابو كمبال 05-19-15, 02:53 AM, سعيد أبو كمبال
- مشاكل تُواجه المُغتربِينَ وأبنائِهم فى وزارة التعليم العالي بقلم إبراهيم عبدالله احمد أبكر 05-19-15, 02:50 AM, إبراهيم عبد الله أحمد أبكر
- محطة الباشا ! بقلم عماد البليك 05-19-15, 02:46 AM, عماد البليك
- عذاب !!! بقلم صلاح الدين عووضة 05-19-15, 02:44 AM, صلاح الدين عووضة
- هؤلاء الأشرار ليسوا هم البديل بقلم الطيب مصطفى 05-19-15, 02:43 AM, الطيب مصطفى
- مشروع وطن ..!! بقلم الطاهر ساتي 05-19-15, 02:41 AM, الطاهر ساتي
|
|
|
|
|
|