|
واسيني والمريود بقلم عماد البليك
|
02:57 PM Feb, 24 2015 سودانيز أون لاين عماد البليك - مسقط-عمان مكتبتي في سودانيزاونلاين
لا يحكى
صورة مؤثرة تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الفيسبوك تحديدا، تصور الروائي الجزائري واسيني الأعرج وهو يقف أمام قبر عبقري الرواية العربية الأديب الراحل الطيب صالح، تدس وراءها الكثير من المعاني عن فكرة الحياة وما تدثره وراءها من قيم أخرى كالموت والخلود والمطلق التي تتجاور كشيء واحد. توفي الطيب صالح في يوم الاربعاء 18 فبراير 2009 وهو اليوم نفسه الذي توفي فيه الفنان الكبير محمد وردي في 18 فبراير 2012 و18 يناير كان رحيل المفكر محمود محمد طه.. وقبله بيوم (17 يناير) رحيل مصطفى سيد أحمد ومحمود عبد العزيز. وكأن هذا الرقم 18 له قدر محبوك مع الموت. هذه نقطة عرضية. لكن المهم. أن القبر الذي بدأ بسيطا جدا وعليه لافتة كتب عليها تاريخ الوفاة 17 فبراير بدلا عن 18 فبراير.. جعلني في إرباك عن الحقيقة رغم ان اغلب المصادر على الشبكة التي رجعت لها أشارت إلى 18 فبراير، فلا أعرف من أين جاء الخطأ. أولا فإن المبادرة التي قام بها واسيني الأعرج وهو يزور قبر الحبيب، قبر المريود، كما يلقبه محبون، تستحق التجلة والتقدير، سواء كان هو صاحبها أم جاءت من شخص آخر. وبغض النظر عن الضجيج الذي صاحب زيارة واسيني إلى الخرطوم ودعوته من قبل اللجنة المنظمة لمسابقة الطيب صالح التي تدعمها شركة زين. واختلاف من اختلف حول إفادات الأعرج. فهذا الموقف يُجب الكثير جدا. ويختصر معان لا تحصر سواء تعلق البعد بالأديب الراحل أو الأديب الحاضر واسيني الأعرج الذي رغم عدم التقائي الشخصي مع نتاجه الإبداعي ورواياته التي أرى طغيان الذاتي والسياسي والأيدلوجي عليها، إلا أنني بمجرد أن رأيت هذه الصورة حتى احترمته كثيرا فهو موقف يسجله التاريخ، وهذه الصورة من الصور النادرة التي ستبقى في الذاكرة. اتكلم عن ذاكرتي وعن ذاكرة الكثيرين. إذ سرعان ما تداولها الناس وعلقوا عليها بكل اعتزاز وفخر ان في هذا الوطن ما يستحق الزيارة. مناسبة ذلك.. واقعة أخرى. ذكرها مرة صديق مهاجر في أحد دول أوروبا، قال إنه كان في إحدى المناسبات عندما سئل عن أي معلم أو شيء معين يفتخر به في بلده، بمعنى آخر ما هو الشيء الذي يمكن القول انه يعكس ضمير السودان النابض، يقول إنه تلفت يمينا ويسارا ولم يعرف ماذا يقول، أو بماذا يرد، إلى أن جاءته صورة نهر النيل وهو يشق الأرض السودانية عبر الغابات والمستنقعات والصحاري وصورة الخرطوم ومقرنها.. وتوتي.. لكنه تذكر فجأة أن هذا النهر ليس ملكا للسودانيين وحدهم، كما تذكر ايضا أن الشرط الذي يتعلق بالاختيار أن يكون ما ستفخر به هو شيء إنساني له صلة بالإنسان سواء كان شخصية يمكن الفخر بها أو معلم من صنع الناس، وليس هبة الطبيعة. قال الفرنسي إنه يفتخر بقوس النصر، وقال البريطاني ساعة جرينتش وقال الصيني سور الصين العظيم، وقال المصري أهرام خوفو، وهكذا.. أغلبهم إلا قلة وجد ما يشير به إلى بلده حتى أن الروسي تلفت وقال تولستوي.. يبدو انه لم يعثر على معلم بعينه. استمر السوداني في حيرته.. وأخيرا وبعد أن خرج فكر لماذا لم يذكر الطيب صالح. هذه القصة الواقعية التي غابت تفاصيلها عني وكان محمد جمال الدين أحد رواتها وهو شاب سوداني أديب مقيم في هولندا، أصدر رواية بعنوان "حرب الأنهار". تقود إلى أمر هام، أي شيء عظيم نجحنا في وضعه كصورة ذهنية طوال العقود الماضية من عمر هذا الوطن. وربما منذ الماضي السحيق. حتى الأهرامات التي يمكن أن نفاخر بها في ولاية نهر النيل، فهي ليست حضارتنا وحدنا. وعودة إلى البرج اليتيم بالخرطوم الذي ذكرته بالأمس. فإذا غاب عنها لا تعد للخرطوم إلا صورة القصر الجمهوري القديم. سنقول حدائق الدندر أو مدينة سواكن القديمة أو جبل مرة بجماله الباهي أو كسلا الخضراء أو الانقسنا وجبال النوبة وسد مروي حديثا. وووو. لكن السؤال أي معلم أو ملمح منها اكتسب الانتقال إلى فضاء العالم وبات صورة ذهنية رائعة يتجلى وراءه هذا الوطن. كثير من الدول نعرفها بمجرد صور كهولندا التي منها محمد جمال الدين، لأنه قطعا أصبح مواطنا هناك. فهي بلد الطواحين الشهيرة ومنذ الصغر كنا نشرب الحليب الهولندي في الصباح الباكر، في حين أن بلدنا مليء بالأبقار التي لا حصر لها، لكنها لا أحد يهتم بها. الطيب صالح قامة بحجم وطن. يرقد في هدوء بمقابر البكري في أمدرمان.. ذهب إلى الله في هدوء وترك وراءه تراثا يستحق النظر فيه.. واحد من الذين قدموا لهذا الوطن إضافة نوعية من خلال الصور الذهنية الرائعة التي رسمها عبر رواياته التي هي حفنة، كحفنة التمر وليست ذلك الكم الكبير، لكنها عميقة. رسم في "عرس الزين" صورة السودان الذي يمكن أن يكون موحدا ولكن لا أحد اهتم. ومرة كتبت ان عرس الزين تصلح لتدرس في الجامعات والمدارس فهي صورة مصغرة للسودان الذي يمكن أن يتعايش من خلال التنوع الثري الذي يتمتع به. بدلا من دراسة كتاب الأيام لطه حسين في فترة من الفترات أو الشاعر الطموح عن المتنبي وغيرها من الكتب التي لا ترسخ أي معنى ولا بعد معرفي ثقافي بالأرض والبيئة والموطن للطالب أو الطالبة. صناع القرار الثقافي والتربوي في البلاد، كما السياسي، يعملون برزق اليوم.. باليوم. فهم لا ينظرون بأبعد من اللحظة ولا يتأملون في المآلات أو كيف تُبنى الأمم، فهم ليس لديهم الوقت الكافي لذلك لأن ثمة هموم أخرى هي أهم. ويا لعجبي! لكن الأهم جدا أن الأمم هي ثقافة وحضارة وسياقات من التشابك المعرفي الذي يقوم على تعزيز معاني الوطنية والانتماء بعيدا عن كل الصراعات والقبلية والصور المجتزأة التي تعطي تلخيصات غير سليمة عن الأوطان والإنسان. شكرا واسيني الأعرج أن فعلت ذلك. شكرا لهذه الزيارة. ونأمل أن تكون هذه الصورة المعبرة بداية للاهتمام بالتراث الثقافي والإنساني في السودان. وأن يعزز الاهتمام بالطيب صالح بمتحف يحمل اسمه يكون قبره في وسط هذا المتحف. متحف يضم مقتنياته الشخصية ومخطوطاته والكثير من الأمور المتعلقة به وأن ينجز ذلك بالموافقة والتعاون مع عائلته في بريطانيا، ولاشك أنهم سيكونون في أشد السعادة لهذا الاهتمام. ان كثيرا من الوثائق والسجلات والمحفوظات للأسف تضيع لأننا لا نعرف كيف نهتم بها، صحيح ثمة جهود في هذا الإطار. لكن الضياع يحدث والفوضى تعم بمجرد أن لا يكون هناك من يهتم بشكل رسمي وعلمي بذلك بعيدا عن أي مصلحة مؤقتة يستفيدها ويعود لحاله. mailto:[email protected]@gmail.com
مواضيع لها علاقة بالموضوع او الكاتب
- المدن الملعونة ! بقلم عماد البليك 22-02-15, 01:26 PM, عماد البليك
- نهاية عصر البطل ! بقلم عماد البليك 19-02-15, 01:24 PM, عماد البليك
- ما وراء الـتويوتا ! بقلم عماد البليك 18-02-15, 01:24 PM, عماد البليك
- حوار مع صديقي مُوسى ! بقلم عماد البليك 17-02-15, 04:44 AM, عماد البليك
- شياطين الحب وأشياء أخرى ! بقلم عماد البليك 15-02-15, 02:12 PM, عماد البليك
- الحداثة المزيفة وما بعدها المتوحش بقلم عماد البليك 14-02-15, 03:32 PM, عماد البليك
- ما بين السردية السياسية والمدونة الأدبية بقلم عماد البليك 13-02-15, 01:31 PM, عماد البليك
- قوالب الثقافة وهاجس التحرير بقلم عماد البليك 11-02-15, 01:50 PM, عماد البليك
- لا يُحكى..أزمة السودان الثقافية بقلم عماد البليك 10-02-15, 05:15 AM, عماد البليك
- لا يُحكى فقر "سيتوبلازمات" الفكر السياسي السوداني بقلم عماد البليك 09-02-15, 05:13 AM, عماد البليك
- عندما يُبعث عبد الرحيم أبوذكرى في "مسمار تشيخوف" بقلم – عماد البليك 26-07-14, 08:31 AM, عماد البليك
- إلى أي حد يمكن لفكرة الوطن أن تنتمي للماضي؟ بقلم – عماد البليك 06-07-14, 00:32 AM, عماد البليك
- المثقف السوداني.. الإنهزامية .. التنميط والدوغماتية 02-07-14, 09:33 AM, عماد البليك
- بهنس.. إرادة المسيح ضد تغييب المعنى ! عماد البليك 20-12-13, 03:08 PM, عماد البليك
- ما بين نُظم الشيخ ومؤسسية طه .. يكون التباكي ونسج الأشواق !! عماد البليك 16-12-13, 05:11 AM, عماد البليك
- مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (2- 20) عماد البليك 05-12-13, 06:01 AM, عماد البليك
- مستقبل العقل السوداني بين إشكال التخييل ومجاز التأويل (1- 20) عماد البليك 02-12-13, 04:48 AM, عماد البليك
|
|
|
|
|
|