|
المواصلات اليوم: و ليت الزمان يعود القهقرى؟! بقلم أبوبكر يوسف إبراهيم
|
§ مما لا شك فيه أن مجتمعنا السوداني كما مجتمعاتنا العربية تعيش كباقي المجتمعات الإنسانية مجموعة من المشاكل الإجتماعية،لكن مايثير التساؤل: هل فعلا نعيش هذه المشاكل بنفس الكيفية التي يعيشها الاخرون في مجتمعات يمكن أن نطلق عليها لقب مجتمعات متقدمة ؟ ... الجواب سيكون بالنفي، وذلك لسبب واحد وهو أن المشاكل التي نعيشها والنكسات التي تتخلل تجاربنا الحياتية إكتست طابعا كوميديا لكن هذه الكوميديا التي نقصد ، ليست بالكوميديا الساخرة التي نعرفها، بل هي كوميديا سوداء تعرض لمجموعة من المواقف الحياتية المؤلمة بشكل ساخر لكنها تحمل طابع السواد الذي يدل على الرغبة في التغيير . وإليكم هذه الفصول المسرحية المواصلاتية!! § الفصل الأول : لازلت أتذكر وأنا في اخر سنة من الدارسة الجامعية، حين كنا وباقي الطلاب نستقل بص مواصلات الخرطوم كما كانت تسمى يومذاك والتي كعادتها تكون ممتلئة عن اخرها فتحس وأنت بداخلها وكأنك في حمام مغربي من كثرة العرق والأنفاس الساخنة ، فيختلط العرق ببعض روائح عطور الفتيات ، كل هذا تعودنا عليه لكن المضحك المبكي هو أن يطلب منك السائق في كل محطة توقف بأن تتجه للخلف حتى تفسح المكان للصاعدين وكأنه لا يعلم بامتلاء الحافلة!!
§ الفصل الثاني الثاني : وكغيري من الركاب المتذمرين من الوضع توجهت للسائق لإستفساره حول توقفه المتكرر رغم أن الحافلة تعدت حمولتها المقررة من الركاب ، وياليتني ما سألته حيث إنفجر في وجهي غضبا حتى أحسست بقطرات من ريقه تغطي وجهي وهو يقول : قل الحمد لله لأنك وجدت حافلة تقلك؟ وكأنه يقدم لي خدمة مجانية متناسيا أني دفعت ثمن تذكرتي ... وأضاف :هل تريد أن تركب وحدك ؟ هل تريد أن تجلس مكاني ؟ فما كان مني إلا أنني رجعت بعد جهد جهيد إلى مكاني أجرجر أذيال الخيبة والأسى على وماوصلت إليه المواصلات في عالمنا العربي يومذاك . وأتساءل هل هذا مانستحقه كطلاب علم ؟!!
§ الفصل التالث : وبعد معاناة مع سائق الحافلة والزحام فإذا بي أتوجه إلى الباب الخلفي فإذا بي أفاجىء بالكم الهائل للراغبين في النزول وفي وسط الزحام تلاحظ تخلي البعض عن القيم والسلوكات المدنية من قبيل السماح لكبار السن والفتيات بالتقدم لكن لا شيء من ذلك حصل . وكأن الجميع يحاول الهروب من جحيم البص !!
§ الفصل الأخير : بعد نزولي ببضع دقائق وتجاذبي لأطراف الحديث مع أحد الأصدقاء جاء على لسانه بأن الحافلة التي نستقلها هي مرتع خصب للصوص المتخصصين في سرقة ونشل محفظات النقود ،نظرا للزحام الذي يعرفه هذا الخط واسترسل قائلا أنه قد شاهد أحد اللصوص يمر مابين الصفوف . عند نطقه لهذه الجملة الأخيرة وضعت يدي داخل جيبي فإذا بي أصدم بان محفظة نقودي قد سرقت وبداخلها بطاقتي وأوراقي وبعض المال الذي حصلت عليه من خلال صرف منحتي الدراسية ،فماكان من صاحبي إلا أن إنفجر ضاحكا وما كان مني إلا أن قلت حسبي الله ونعم الوكيل لكن بعد ذلك إنفجرت ضحكا أنا الاخر حينما رأيت أن حذائي الجديد الذي إشتريته مؤخرا قد تمزق من كثرة الزحام وبذلك حكم علي بالرجوع للحذاء القديم الذي أصبح إسكافي حينا يعرفه بشكل جيد من كثرة إصلاحه عنده .
§ ختاما ربما سيجد البعض منا أن هاتيك المواقف تثير الضحك لكننا ننسى أن ضحكاتنا في بعض الأحيان لا علاقة لها بالموقف بقدر مالها علاقة بسخريتنا من واقعنا الحزين . ويدفعنا للتساءل : - ألا تلاحظون معي أن سخريتنا من الواقع هي سبيل ووسيلة ناجعة لتغييره ؟ - وهل إنقلبت المفاهيم عند البعض ليعتبر الواجب معروفا مثل هذا السائق ؟!! § كل هذا حدث يومذاك ، عندما حاولت أن اعود بالزمان والذكريات القهقرى ، ولكن إذا ما قارنت ذاك الزمان بما يحدث اليوم في البص الذي تطور إسمه فاصبح (حافلة) لحمدت الله على ما كنا عليه يومذاك ، وكنا نطلق عليه يومئذٍ (معاناة)، ففي الحافلات اليوم تشاهد النشل والتحرش وخطف الموبايلات واللابتوبات والتعدي البدني واللفظي، وإذا حاول أحدكم الاحتجاج على فعل السيد اللص النشال لطعنك بمطواه -وللعلم الاسم الحركي للنشال عند لأولاد المهنة (ملقاط)!! - ، أما السباب القذعة فحدث ولا حرج ، اليوم لا صغير يوقر كبير في السن ، ولا شابة تتنازل عن مقعدها لعجوز في عمر جدتها في البص ، يومها كنا نعيش زمان الراديو الترانسستور والتلغراف وقطارات البخار وكنا نعيش ونمارس القيم الاخلاقية الرفيعة ونتذمر أيضاً ، أما جيل اليوم فهم يعيشون عصر الموبايل و الانترنت والفيس والواتس أب .. انه تعاقب الاجيال الحتمي المتزامن مع تطور التقنيات وانحطاط اخلاق البعض ، والله المستعان!! بس خلاص... سلامتكم،،،،،،
|
|
|
|
|
|