|
انتهاء مراسم العزاء بحفل زفاف! بقلم فيصل الدابي/المحامي
|
بتاريخ 31/1/2015 ، أوردت جريدة القدس العربي الخبر الآتي: القاهرة- دخلت الابنة إلى غرفة الغسل لتشارك في غسل والدتها استعدادا لتوصيلها إلى مثواها الأخير، وبدلا من أن تعود إلى منزلها ودموع الفراق تملأ عينيها، دخلته على وقع “الزغاريد” وفي يدها أمها! لم تكن هذه المفارقة من نسج خيال مؤلف سينمائي أو حكاء، لكنها حقيقة شهدتها محافظة المنيا المصرية وسط أمس، وكانت بطلتها سيدة مسنة تدعى علية محمد حسن (67 عاما)! وتقول صباح محمود (38 عاما) نجلة هذه السيدة لمراسل الأناضول : ” والدتي أصيبت بحاله اعياء شديدة، وأعلن الأطباء على إثرها وفاة والدتي بعد توقيع الكشف الطبي عليها “! كانت هذه اللحظات صعبة وقاسية على صباح، وتسبق دموعها كلماتها وهي تضيف: ” شاهدت غسل والدتي وقمنا بتكفينها ووضعناها في النعش وذهبنا بها إلى المسجد للصلاة عليها”. وتمسح صباح دموعها، وتنفرج أساريرها قبل أن تواصل سرد قصة والدتها قائلة: “في مسجد الفتح وسط المدينة حيث ذهبنا للصلاة عليها كانت المفاجأة السعيدة، إذ لاحظ المصلون أثناء الصلاة عليها حركة شديدة داخل نعشها ليتبين أنها لا زالت على قيد الحياة”! وبدلا من توصيل “الحاجة علية” إلى القبر حيث مثواها الأخير، تصطحب صباح وأشقاءها وأقاربها والدتهم من المسجد إلى المنزل، لتتحول مراسم العزاء التي أقيمت أمام المنزل إلى ما يشبه عرس الزفاف! ويقول حسن محمود ” 42 عاما ” نجل السيدة للأناضول: “فرحتنا لا توصف، فبدلا من الوداع إلى القبر، قمنا بزفاف أمي إلى الدنيا مره أخرى”! ورغم حالة السعادة بتحول المأتم إلى عرس، يبقى السؤال الذي يبحث الابن محمود عن إجابة عليه: ” هل الذين أعطونا تصريحا بالدفن بعد توقيع الكشف الطبي على والدتي أطباء أم أنهم يعملون في مهنة أخرى؟ “!! ولم يتسن الحصول على تعقيب فوري من السلطات المصرية المختصة. بتاريخ 24/10/2005، نشرت لي جريدة الراية القطرية القصة التالية وهي قصة حقيقية مماثلة حدثت في مشرحة الخرطوم: الجثة الحية! في مدينة الخرطوم اعتاد عمال المشرحة علي التعايش مع الموت علي مدار الأربع وعشرين ساعة فقد أصبح التعامل مع الجثث بالنسبة لهم مجرد عمل روتيني يومي يمارس دون أدني قدر من الانفعال! ذات يوم قُتل شاب في مشاجرة مفاجئة فأحضرت جثته إلي المشرحة، تم إجراء التشريح واستخراج تقرير الوفاة حسب الإجراءات الرسمية المتبعة ثم أخرجت جثة الشاب التي كانت ملفوفة ببطانية حمراء من ثلاجة الجثث ووضعت علي أحد الأسرة تمهيداً لتسليمها إلي ذوي المرحوم! في تلك الليلة الشتوية الباردة كانت نوبة العمل من نصيب أحد العمال بالمشرحة، أحس العامل الذي أصبح وحيداً في المشرحة، بالبرد القارس يسري في عموده الفقري وتلفت حوله فرأي البطانية الحمراء الملتفة حول جثة الشاب القتيل وعندها همس لنفسه "الحي أولي من الميت" ثم قام في لحظة واحدة بتجريد الجثة من البطانية وانزالها من السرير ووضعها في مكان آخر ثم تمدد علي سرير المرحوم وتدثر ببطانيته الحمراء وراح في سبات عميق! بعد نصف ساعة حضر ذوو المرحوم وأنهوا الإجراءات الرسمية ثم حملوا ما اعتقدوا أنه جثة فقيدهم وغادروا المشرحة علي عجل! تم وضع الجثمان في الجزء الخلفي من سيارة مكشوفة وجلس إلي جانب الجثمان أخ المرحوم واثنان من أصدقائه وقد خيم عليهم صمت مروع مشوب بحزن رهيب بينما كانت الدموع الساخنة تتساقط من مآقي بعضهم في الظلام الدامس! تحركت السيارة التي تحمل الجثمان وقد تبعها رتل من السيارات الأخري المحملة بعدد من أهل القتيل ومعارفه الذين تسابقوا للقيام بواجب الدفن، ثم أخذ موكب السيارات يشق طريقه إلي إحدي المقابر النائية الواقعة علي بعد عدة كيلومترات خارج المدينة! كانت السيارة التي تحمل الجثمان تسير في مقدمة السيارات وهي ترتج من حين لآخر بسبب المطبات والحفر التي يعج بها الطريق الترابي الوعر، وفي لحظة ما خيل لأخ المرحوم أن الجثمان قد تحرك بطريقة ما! إلا أنه سرعان ما عزا ذلك إلي الارتجاجات المتكررة التي كانت تصيب هيكل السيارة المسرعة! بدأ عامل المشرحة يستيقظ شيئاً فشيئاً وفجأة انتفض وخرج من تحت البطانية، ليصاب أخ وصديقا المرحوم بالجنون والهلع فقفزوا جميعاً في جزء من الثانية من علي متن السيارة المسرعة ولا أحد يعرف مصيرهم حتي هذه اللحظة! في ذات الوقت أحس العامل بالذعر المطلق فأخذ يصيح ويخبط بعنف علي زجاج السيارة الخلفي محاولاً إيقافها وقد طار صوابه فقد خيل إليه أنه قد تعرض لعملية اختطاف من قبل مجهولين وأن خاطفيه يتوجهون به إلي جهة غير معروفة تمهيداً لارتكاب جريمة مجهولة الدوافع! أصيب خال المرحوم بالرعب المطلق، فما أن رأي الجثة وهي تتحرك، تصرخ وتخبط علي الزجاج الخلفي لسيارته حتي أطلق العنان لفزعه ولسرعة سيارته ويقول مصدر عليم، والعلم عند الله، أن السيارة المعنية قد تحولت إلي صاروخ فضاء وأنها قد خرجت بالفعل من نطاق الجاذبية الأرضية! أما قطيع السيارات الأخري فقد جفل وفر في جميع الاتجاهات ولم يتم العثور علي بعض السيارات الهاربة حتي تاريخ اليوم! (انتهت القصة) تعليق أخير: من المؤكد أن مسالة تحديد وفاة الإنسان هي مشكلة طبية وقانونية شائكة وتشكل نقطة نزاع مستمرة بين قانونين طبيين ، فقانون بعض الدوائر الطبية يحدد الوفاة بتوقف نبضات القلب توقفاً نهائياً بينما قانون بعض الدوائر الطبية الأخرى يحدد الوفاة بتوقف وظائف المخ توقفاً تاماً! من المؤكد أن التقدم الطبي يكذب الرأى الشائع الذى يحدد وفاة الإنسان بتوقف نبضات القلب وتوقف التنفس لأنه مخالف للواقع مثال على ذلك: المريض الميت دماغياً الذي يرقد في غرفة العناية المركزة ويتم وضعه على الأجهزة الطبية التى تجعل القلب ينبض والتنفس مستمراً، مما يجعله - حسب الرأى الشائع لتحديد الوفاة – في عداد الأحياء، بينما هو من الناحية الطبية والعملية إنسان ميت إذ بمجرد نزع هذه الأجهزة يتوقف القلب فوراً عن النبض ويتوقف التنفس على الفور ولهذا فإن نزع الأجهزة الطبية عن المريض الميت دماغياً فى غرفة الإنعاش لابد أن يسبقه إعلان رسمي بوفاة المريض وإلا سيكون الطبيب قد ارتكب جريمة قتل! لهذا السبب الطبي والعملي والقانوني يتجه العالم حالياً لتحديد وفاة الإنسان بموت المخ! ولكن ما معنى موت المخ؟ وما هى علاماته؟ المقصود بموت المخ هو توقف المخ تماماً عن أداء جميع وظائفه، نتيجة تدمير خلاياه تدميراً كاملاً، وحسب معايير جامعة هارفارد لتحديد موت المخ، فإن موت المخ يعني : عدم الاحساس أو الادراك، عدم الاستجابة للمؤثرات ، عدم وجود أي حركة تلقائية كالتنفس ، عدم وجود أي فعل انعكاسي ، ثبات حركة حدقة العين ، استمرار العلامات السابقة لمدة 24 ساعة ، تأكيد الكشف الاكلينيكى برسم المخ لعدم وجود أي وظائف حيوية لمدة 24 ساعة ، أخيراً يجب التفريق بين موت المخ بمعنى توقف جميع وظائفه عن العمل، والجنون أي فقدان العقل، فالإنسان الذى يفقد عقله، هو كائن حى فقد بعض وظائف المخ ولكن ليس كلها، فهو لا يزال يدرك ويحس ويتحرك ويتنفس ولهذا فهو يعتبر مجنوناً وليس ميتاً بأي حال من الأحوال! الوضع القانوني لتحديد الوفاة بعض القوانين كالقانون المصري تحدد الوفاة بتوقف نبضات القلب نهائياً وفي معظم ولايات الولايات المتحدة الأمريكية تحدد الوفاة بتوقف نبضات القلب وتوقف التنفس نهائياً ، لكن هناك بعض الولايات الأمريكية التي عدلت ذلك القانون الطبي وحددت الوفاة إما بتوقف نبضات القلب والتنفس نهائياً، أو توقف وظائف المخ توقفاً تاماً! لكن المشكلة مازالت قائمة فيمكن لأحد الأطباء أن يعلن وفاتك بسبب توقف قلبك عن النبض دون أن يلاحظ أن مخك ما زال يعمل ولو بربع دوام ، وعندما تستيقظ من غيبوبتك المؤقتة ، بإذن الله، فقد يفر من حولك جميع أهلك وأحبابك وهم بصرخون: المرحوم قام بعاتي ! أعوذ بالله من جهل البشر رغم التقدم العلمي المزعوم ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فيصل الدابي/المحامي مكتبة فيصل الدابي المحامي
|
|
|
|
|
|