|
نظرة توحيدية في التجديد الديني (1) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
التجديد الإسلامي بين القرءان الكريم والسنة صار الحديث عن التجديد الشغل الشاغل لكل من يهمه أمر الدين بسبب القفزة العظيمة التي انجزها العقل البشري عبر العلوم بينما ما زل الفهم الديني يراوح مكانه. التجديد سنة من سنن الحياة وما لا يتجدد يتجمد ويموت. والإسلام يساير الفطرة السليمة بصفته دين حي موحى به من حي. يقول الرسول (ص): "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" (أخرجه ابو داؤود والحاكم والبيهقي). ولكن لا يمكن حل التعارض بين هذا الحديث والآية التي تقول: "مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)" الأحزاب، إلا إذا فهمنا بأن النبوة ختمت لأن النبوة من الله ولكن باب الرسالة مفتوح. فالرسول قد يكون رسولاً من القرءان والسنة وقد يكون رسولاً من النبي (ص). فالرسول ليس بالضرورة ان يكون مرسلاً مباشرة من الله وإنما هو إنسان صاحب رسالة مكلف من السماء وليس بنبي من الله يتلقى وحياً مباشراً. فالمجدد رسول من القرءان وهو كالنبي، وإن لم يك نبي، يرى ما لا يراه الناس. كذلك يتعارض حديث المجددين مع حديث آخر يقول "خير القرون قرني...". ولا يفهم هذا الحديث إلا في إطار تدهور أوضاع المسلمين روحياً بعد وفاة الرسول الكريم مباشرة، ولكن لا يقصد به التدهور المستمر، فإنه عبر المجددين الذين يبعثهم الله على رأس كل قرن يتم بعث الدين من جديد ليواصل مسيرته الصاعدة القاصد إلى الله. وبذلك يكون الدين مستقبل وليس ماضي.
لا بد للعلماء من كسر حالة الركود بناءً على ما سبق نرى ان على العقل المسلم أن يقوم بدوره الكامل في كسر حالة الركود الحالي لبعث الدين في مشروع جديد. ولكي يقوم العقل بذلك نحتاج للحرية ولثورة فكرية تفك عقال الجمود الطويل الذي عاشه العقل المسلم. فعبر تاريخ الإسلام لم يعترف بالإجتهاد والإبداع عند أهل السنة إلا للإئمة الأربعة وكل ما تلى ذلك من إجتهادات كان إجتهاد مذهب أو إجتهاد ترجيح أو إجتهاد فتوى وكلهم فاقدون "لأهلية الإجتهاد المطلق ... كل من عدا المجتهد المطلق يدخل ضمن طائفة المقلدين، والمقلد عاجز عن الإبداع والخلق، فكيف ينتظر منه إنماء الفكر الفقهي؟" (كتاب قضايا إسلامية – التجديد في الفكر الإسلامي- العدد75 ص 206). المنهجية الفكرية التجديدية التي بصدد طرحها هنا غير معنية بتفاصيل الأحكام وتقليدها وإنما معنية بتقديم منهجية تجديدية كلية تتضمن وسيلة للإجتهاد في الأحكام مع تقديم بعض النماذج للتوضيح. جاء في بيان القاهرة الذي القاه الدكتور محمود حمدي زقزوق رئيس مؤتمر التجديد في الفكر الإسلامي (31/5-3/6/ 2001). "وقد كان ختم النبوة مؤذناً برفع الوصاية عن العقل، ومطالباً له أن يثق في قدراته وأن يعتمد على نفسه في كل ما لم يرد فيه نص شرعي قاطع" (مجلة قضايا إسلامية عدد 75 ص 227). على العقل المسلم أن ينطلق ليبدع ويجدد في فهم النصوص، ومعلوم ان الكثير من العلماء يقولون بأن معظم النصوص ظنية الدلالة! والأحكام الواردة في القرءان أكثرها مجملة. هنا ندعوا العلماء الأجلاء إلى ثورة فكرية عن طريق إعمال العقل وهي ثورة لا تتحقق إلا بوعي شامل ودقيق، وإلا بمبادرة جريئة وشجاعة مستمدة من أصول الإسلام وأدلته الأصيلة. لا يتم التجديد الكامل إلا بإدراك جوهر حقيقة مقاصد الدين وغاياته بدون التفريط في الأصول ومقاصد الدين العليا وبدون التضحية بالأصالة في مذبح التجديد. للدين مقاصد كلية عليا جامعة نزلت منها مقاصد الشريعة الإسلامية الجزئية. ومقاصد شريعة الإسلام هي وسع القبول والإستجابة في الأمة الإسلامية وهي ما يطيقون من تكاليف وحدود، فهي ليست وسع الشارع ولا أفضل ما لديه وإنما هي وسع المكلفين، وقد شرحت خواتيم البقرة هذا المفهوم بوضوح لا لبس فيه، ومقالاتنا هذه نقدمها للمجتهدين كمقدمة نتناول فيها هذه القضايا الكلية والجزئية للنظر فيه والإفادة منه.
مكتبة الطاهر ساتي
|
|
|
|
|
|