|
تأملات روحية في مقاصد الشريعة الإسلامية (2) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
نزول الشريعة الموسوية في العصر السابق ثم نزول الشريعة المحمدية في العصر اللاحق هو دليل على عمل العناية الإلهية لتطوير الشرائع لتواكب واقع الناس الجديد قبل 1400 عام. وأهم منهجية نلحظها في هذا التسلسل في عمل عناية الله هو السير من العسير لليسير. وبما ان الرسالة قد ختمت فهذا يعني ان الإنسانية قد خطت خطوات للأمام تستطيع بها ان تستنبط من شريعة الإسلام ما يفيدها في تنظيم حاجات الفرد والمجتمع دون الحاجة لتطوير جديد من جانب السماء. وهذا الإستنباط يجب ان يتبع منهجية السماء في سبيل التيسير. اي ان المجتهد المؤمن يمكنه ان يطور مفاهيم ميسرة من الشريعة دون الخروج من أم الكتاب والصراط المستقيم. يتطور فهم الشريعة بفهم العلل والمقاصد في اطار تحقيق الحكمة من الكتاب مع مراعاة تطور المجتمعات البشرية. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الإجتهاد "وهذا مذهب أهل السنة فإنهم لا يرون تأثيماً لمن اجتهد في المسائل كلها من غير تفريق بين الأصول والفروع فمن إستفرغ وسعه في مراد الله عز وجل وكان اهلاً لذلك فإنه لا يأثم بهذا الإجتهاد بل هو بين أجر وأجرين فلا تأثيم في مسائل الإجتهاد ولا تهاجر بين المؤمنين" (د. يوسف الكودة – في أخلاقيات الإختلاف ص 8). لعله اذا اردنا ان نطور فهمنا وتطبيقنا للشريعة (في مسائل الحدود) لا بد من التركيز على القرءان. واذا لم يتمكن المسلمون من تطوير مفاهيم الشرع بواسطة ما يفهمه فقهاء الشريعة وبما وضعه الله من آيات العقول والألباب في القرءان فسوف يتخطى الزمن المفاهيم العتيقة وسيجد اهل الأمر انهم قد اخطأوا التقدير. الشريعة في تطور فهمها، وهي تسعى لإقامة النموذج الإلهي للإنسان الكامل والأمة الربانية، لا بد من ان ان نراعي في فهمها التطورات التي اجتاحت عالم اليوم مثل: 1- التأكيد على الحريات الإلهية الاولى، مثل حرية الفكر وحرية الرأي وحرية العقيدة وحرية التنظيم. وفض الإشتباك بين الدين والدولة واعادة تنظيم العلاقة بينهما. والدولة المدنية السعيدة المرجوة تقوم على هدى آيات الحكمة والعدل والإحسان والأمر بالمعروف بصورة عامة والنهي عن المنكر بصورة عامة لأولي الأمر اولاً ثم لعامة الناس. يقول دكتور الخمليش حول ضرورة التجديد من أنه لابد من " حرية الكتابة في الفقه والإدلاء بالرأي في قضاياه ... المجتمع الذي نعيش فيه تتناقص فيه الأمية يوماً بعد يوم ونأمل ان تختفي قريباً ونلحق على الأقل بالمجتمعات التي يتجاوز فيها حاملوا الشهادات الجامعية 30% من سكانها. فهل في الإمكان تحديد وسيلة عملية قابلة للتطبيق للفصل بين المؤهل وغير المؤهل للحديث في موضوع الشريعة وبيان أحكامها؟ ومن يقرر هذه الوسيلة.. الإستغناء عن إنفاق الجهد والوقت في مناقشة شروط الإجتهاد وطرقه... الترفع عن الجدل الذي لا ينتهي إلى طائل حول من يحق له الحديث عن الشريعة وأحكامها، ومن يمنع عليه ذلك؟... هذه القراءة يساهم فيها كل من أنس من إمكانياته الفكرية القدرة عليها ... تجديد الفكر الفقهي يشترك فيه المتخصصون في الدراسات الفقهية بمفهومها المتداول والمتخصصون المكلفون المؤمنون بشريعة الله لأن الكليات تتعلق بمعاني مجردة" فالعقلاء مشتركون في فهمها... والذي يعنينا الآن ليس من يساهم في إنتاج الفقه، وإنما طرق الإنتاج، فلكي ينمو الفكر الفقهي ويستجيب لكل حاجات المجتمع، يتعين ان يتناول بالتحليل والإستنتاج كل نصوص الشريعة سواء كان استخلاص الأحكام منها يقوم على الفهم اللغوي او التجربة او مراعاة مآل الأفعال أو العقل بالنسبة للكليات" (كتاب قضايا إسلامية – عدد 75 ص 209-217). ويقول الشاطبي: "فالحاصل من هذه الجملة أن النظر في الكليات يشارك الجمهور فيه العلماء على الجملة، وأما النظر في الجزئيات فيختص بالعلماء" (الشاطبي - الموافقات 4/238). وللدكتور الترابي قول قريب من قول دكتور الخمليش. 2- التأكيد على حقوق الإنسان الإلهية، فلا يجوز قهر إنسان فيما يخص آيات التدين في التصور الإسلامي للمعروف والمنكر، مسلم او غير مسلم. (بدون تفريط في العمل على تحقيق قيم الفضيلة والأخلاق والعفة والإستقامة). الإنسانية في هذه المرحلة تجنح إلى النصح والاقناع والتوادد واليسر وتنفر من الجبر والقهر والتعسف والتشدد. وهو عين ما فعلته العناية الإلهية مع آدم وحواء وابليس في فجر التاريخ. لا بد من التأكيد على حقوق الزوجية المتساوية بين المرأة والرجل. يمكن لفقهاء الإسلام ان يأتوا بتصور حديث لحقوق الإنسان يسد به الثغرات الموجودة في مبادئ حقوق الإنسان التي في الغرب اليوم. لكن علينا ان نعلم ان حقوق الإنسان السائدة في الغرب الآن هي افضل من حقوق الإنسان السائدة في العالم الإسلامي اليوم. وعلينا ان نأخذ حقوق الإنسان في الغرب مأخذ الجد وليس باسلوب الإدعاء الفج بأن الإسلام نادى بهذه الحقوق دون أن نتخذ اي خطوة لتقديم بديل مقنع للعالم لحقوق الإنسان السائدة اليوم. لا بد من إثبات حق إختيار ولي الأمر السياسي وتغييره سلمياً وديمقراطياً. حتى حقوق الإنسان السائدة اليوم الكثير منها لا يصطدم مع جوهر الإسلام وانما علينا الإعتراف بان بعضها يصطدم مع الفقه التاريخي والتصور التاريخي للإسلام، فكل الفقه قديمه وجديده يهدف للوصول للفهم الصحيح للدين او بتحديد أكثر للشريعة من أصولها في احكام الكتاب ومنهجية السنة. وحتى في الفقه التاريخي هناك ما يؤيد حقوق الإنسان فقد قال الماوردي: "واذا بغت طائفة من المسلمين وخالفوا رأي الجماعة وانفردوا بمذهب ابتدعوه فاذا لم يخرجوا عن المظاهرة بطاعة الإمام ولا تحيزوا بدار اعتزلوا فيها وكانوا افراداً متفرقين تنالهم القدرة وتمتد اليهم تركوا ولم يحاربوا..." (الماوردي - الأحكام السلطانية ص 47). وهذا قول نظنه صحيح، و لا نقول الحق مقصور عليه، والله اعلم وهو المستعان
بيروت في 28/1/2015 https://http://http://www.facebook.com/moustafa.elleddawiwww.facebook.com/moustafa.elleddawi mailto:[email protected]@gmail.com مكتبة د. علي حمد ابراهيم
|
|
|
|
|
|