|
ليس نصيرًا للمرأة ولا إمامًا للحريات..! - بقلم يوسف الجلال
|
موجة من الاستغراب، متبوعة باستغراق في التأمل، ومسبوقة بجملة من التساؤلات، حطّت على سماء المشهد السياسي في السودان، على خلفية تكريم نساء الأحزاب الموالية للحكومة، لزعيم المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي..! ومصدر الغرابة، أن مناصري الرجل، أرجعوا توسيمه بوشاح نساء "أحزاب الفكة"، إلى أن الترابي يعد نصيرًا للمرأة بجدارة..!
يا للعجب، فالترابي أضحى الآن مرضياً عنه، لدرجة أنه ينحني في حضرة نساء الحكومة، في دواوين الحكومة، ليتوسّم بقلادة حكومية، صُنعت خصيصًا له، على اعتبار أنه أبرز المنافحين عن حقوق المرأة. نعم، فالرجل الذي كان مغضوباً عليه، حتى وقتٍ قريب، عاد إليه بعض احترام تلامذته، وأصبح ضيفاً مقيماً وراتباً على منصات التكريم، التي كانت محظورة عليه.
الثابت، أن الترابي نال حظه مضاعفاً – قبل ذلك – من الدوائر التي ترعى تكريمه حالياً، بل إن تلك الدوائر جعلته نهباً للفتاوى، وسكتت على الآراء الفقهية التي أهدرت دمه، وكفرّته وأخرجته من الملة، وجعلت منه مرتدًا، وذلك بعدما تخيّر الرجل المضي في مسارات تُعارض حكومة المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس البشير. والآن، يتم تكريم الترابي على الرغم من أن ذات الفتاوى والآراء الفقهية التي جلبت له سخط الحكومة، وجرّت عليه فتاوى هيئة علمائها، لا تزال حاضرة في المشهد الدعوي والسياسي، ولم يتخل الرجل عنها، فهل سيتخلى أصحاب "الحلاقيم الكبيرة" عن إهدار دم الترابي وتكفيره واستتفاه فتاواه، بعدما تخلّت الحكومة عن عدائها السافر مع الترابي، على خلفية التحولات اللافتة في مسيره السياسي، وعلى خلفية الانعطافة الجلية في مواقفه ناحية الحكومة، مولياً ظهره ناحية تجمع المعارضة..!
ظني أن الترابي الذي يُوشّح حالياً بوسام نصير المرأة، لم يكن كذلك، على الرغم من بعض الفتاوى التي صدّرها في صالح نساء السودان والإسلام. فالرجل الذي يتم تسويقه على أساس أنه حائط الصد ضد الهجمات على النساء، هو نفسه الذي كرّس لثقافة المجتمع الذكوري، ووضع زاوية تأسيس القوانين القامعة للمرأة، على نحو ما يحدث لها حالياً من إذلال، بالتفسير الخاطئ لبعض النصوص، وأيضاً من خلال استنان تشريعات تفوح منها رائحة الجاهلية والعصور الوسطى، خاصة تلك التي تحد من حركة المرأة وتمددها افقيًا ورأسياً في كل مناحي الحياة. بل إن الترابي شرعن لقوانين تتعامل مع المرأة كعاملة في مطبخ الرجل. علاوة على أنه يعد "مفتي" قانون النظام العام، الذي وجد – ولا يزال - انتقادات لاذعة، حتى من أهل المؤتمر الوطني أنفسهم. فكيف بعد كل ذلك، يأتي من ينشط لخلق تصاوير جديدة، تُظهر الترابي في لبوس دعاة الحرية والانعتاق من عبودية الرجل..!
ثم إن الترابي الذي يسبغ عليه مناصروه لقب إمام الحريات، هو نفسه الذي اعتقل السودان كله في انقلاب الإنقاذ، وهو نفسه الذي أجهز على الديمقراطية الثالثة. ولهذا لا يصح أن يُسبغ على الترابي لباس الحادب على حرية الأوطان، وهندام الحريص على الديمقراطية، إذ أن تاريخ الرجل يحفل بـ "فعايل" وتصرفات سياسية أضرت – وتضر – بالتحول الديمقراطي وبناء دولة الحرية والعدالة الاجتماعية، هذا بجانب أنه المسؤول الابرز في ما آل اليه حال البلد، فهو من وضع "طوبة تأسيس" هذا النظام.
نُشر بصحيفة (الصيحة)
--
منصات حرة مكتبة بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين
|
|
|
|
|
|