|
نظام اللآمركزيّة المغربيّ: خطوة خطوة بقلم يوسف بن مئير
|
هناك تحرّك متنام ٍ حول العالم حول قيام الحكومات بلامركزيّة سلطة صنع القرار المتعلقة بأداء الخدمات الإنسانيّة والتنمية من المستويات المركزيّة للمستويات الإقليميّة والمحليّة. والدافع لذلك هي سلسلة من المنافع والإحتياجات. الدافع بالنسبة لدول الربيع العربي ذو شقين أساسيين هما: أنّ الحاجة الماسّة لتعزيز التنمية البشريّة تكون عادة ً مقترنة ً بضرورة تلبية الطموحات الشعبيّة لمزيد ٍ من التمكين أو تفويض السلطة وسيطرة الناس على حياتهم بأنفسهم. وتواجه بلدان العالم أيضا ً الوضع - الذي أحدثته الظروف التاريخيّة والحضاريّة والسياسيّة في العصر الحديث – المتمثّل في أنّ المناطق الفرعيّة، أي الأقاليم، ترغب في المزيد من الحكم الذاتي كما هو قائم الآن في العراق، بل وأيضا ً في لبنان والبحرين ومصر، ويمكن القول أيضا ً في الصحراء المغربيّة. كلّ ذلك قد شجّع الحكومات على تطوير إستراتيجيّات للآمركزيّة متشابكة ً مع استراتيجيّات أخرى تمكّن من التنمية البشريّة حيث يعرض المغرب الجانب العملي لتقديم أفكار حول كيفيّة الوصول لذلك في الواقع.
الإفتراض الأساسي لكلّ ذلك أنّ الدافع الرئيسي هو تعزيز التنمية البشريّة بإدارة المستفيدين أنفسهم. والحاجة الوحيدة لذلك هي إمكانية حريّة تكوين الجمعيّات. وهناك عدا ذلك ثلاثة عوامل رئيسية أخرى.
أوّلا ً، وكشرط مسبق لتحقيق اللآمركزيّة هو أن تجري العمليّة بطريقة ديمقراطيّة على مراحل بحيث أنّ علاقات السلطة المحليّة والإقليميّة الموجودة مسبقا َ لا تصبح أكثر طبقيّة. بعد ذلك يتبع بأنّ تعزيز التنمية البشريّة عن طريق الأسلوب التشاركي هو مؤشر للآمركزيّة وقناة لها. ويخلق بشكل ٍ خاصّ التطبيق الأولي للأسلوب التشاركي سياقا ً لأعضاء المجتمع المحلّي لكي يتعرّفوا على التخطيط الجماعي للتنمية وتشاركيات البناء مع مجموعات عامّة وخاصّة. والقيام بلامركزية السلطة في هذا السياق الجديد يمكّن بذلك من استخدام السلطة المحليّة المكتسبة حديثا ً بطريقة تضمن تحقيق الأهداف الأولويّة للتغيير الإجتماعي الذي يحدده الناس. لقد أطلقت المملكة المغربيّة في عام 2005 مبادرتها الوطنيّة للتنمية البشريّة (م.و.ت.ب) والتي هدفها تعزيز تنمية مستديمة من خلال المشاركة الشعبيّة. وبعد فترة ثلاثة أعوام ونصف تماما ً أعلن المغرب عن نيته في القيام بترتيبات إداريّة لامركزيّة عامّة. وبالرغم من أنّه بالإمكان الإستفادة الشيء الكثير من خبرة المبادرة الوطنيّة للتنمية البشريّة وإجراءات تعديلات على أساسها، غير أنّ من الواضح هو أنّ هذا البرنامج السابق للآمركزية قد ساعد في إعطاء هذا الأخير أفضل فرصة له للنجاح. وثانيا َ، (وقد لا يكون هذا فريدا ً من نوعه لعملية اللآمركزيّة) فمن المحتمل أن يكون النموذج الأمثل للآمركزيّة – وهو أفضل ما يؤدي للدفع بالتنمية البشريّة المستديمة – تركيب هجين من نماذج متعددة. وبمعنى آخر، فإنه ينطوي على أكثر من مجرد توزيع السلطة للمجتمعات المحليّة لإدارة شؤونها الخاصة، أو أن يطلب من المجموعات العامة والخاصة على المستويات الوطنية الفرعية التعاون نحو تقديم الخدمات الإنسانية، أو أخيرا ً نقل السلطة بكلّ بساطة من الأعلى للأسفل ضمن الهيئات والهياكل الحكوميّة. يوحّد نموذج المغرب الرائد كلّ هذه الطرق الثلاثة لخلق نموذج جديد يهدف لضمان اجتياز هذه الاتجاهات الثلاثة في وقت واحد. الغرض منه تمكين المجتمعات المحليّة من تحقيق المستقبل التنموي الذي تسعى له مع دعم ٍ متواصل من الحكومة – من المستوى الوطني المركزي – جنبا ً إلى جنب مع تشاركيات القطاعين العامّ والخاصّ مساعدة ً بذلك في المساهمة في تنفيذ المشاريع المحليّة ذات الأولويّة. هذا يحشد بلا شكّ موارد من المستوى الوطني المركزي للمستويات السفلى من أجل تحقيق تمكين التنمية. وبإقامة هذا النموذج يصبح تطوير سياسات وإجراءات جديدة لتوصيل الخدمات الإنسانيّة عبر القطاعات المختلفة (مثل التعليم والصحة والزراعة وغيرها) أكثر وضوحا ً وشفافيّة ً وأكثر فعالية من حيث التكلفة. ثالثا ً، إنّ عمليّة قيام المجتمعات المحليّة بتحليل أوضاعها الإجتماعيّة وتحديد أهمّ المشاريع الضرورية لتنميتها وتنفيذها بالفعل تخلق بحدّ ذاتها النظام اللآمركزي. فالتشاركيات التي تشكلت من خلال العمليّة وبناء المهارات لإدارة الحسابات والمشاريع هي على سبيل المثال عناصر أساسيّة من الهيكليّة المتواصلة للآمركزيّة. ويستخلص من ذلك أنه للوصول لهذا الترتيب التنظيمي الجديد، من الضروري أن يكون هناك برامج تدريب على المستوى المحلّي. وهذه تمكن المواطنين المدنيين، مثل المعلمين المحليين والفنيين الحكوميين وأعضاء الجمعيات والنقابات والطلبة من كسب المهارات في تيسير الحوار المجتمعي نحو خلق خطط عمل (وهذه في حالة المغرب خطط التنمية المجتمعيّة المطلوبة دستوريّا ً). إنها هذه العمليّة - التي تبلغ ذروتها في تنفيذ مشاريع في بيئة تحتاج ذلك وتتطلبه – التي تشكّل في الواقع النظام اللآمركزي نفسه. ولسلسلة من الأسباب الأخرى تضطرّ الدول لنشر السلطة من المستوى الوطني المركزي للمستويات الدنيا. وهذا لبعض الدول حتّى قضية بقاء سياسي. وتجد الآن قادة الدول وصنّاع القرار منشغلين في البحث عن نهج ٍ حقيقي لكيفيّة تحقيق ذلك في أفضل طريقة ممكنة. ويبدو أنّ الحلّ - من حيث الجوهر – هو تبنّى الطريقة المغربيّة، أي تعزيز التنمية التشاركية قبل الشروع في وضع قوانين جديدة للآمركزيّة، أي كوسائل بحدّ ذاتها للنظام اللآمركزي. ومن أجل تحقيق ذلك، يعتبر التدريب التجريبي في الأساليب الديمقراطيّة التشاركيّة وتنفيذ المشاريع عنصرا ً حيويّاً. __________________________________________________________________ د. يوسف بن مئير، رئيس مؤسسة الأطلس الكبير.
مكتبة محمد حسن العمدة(محمد حسن العمدة)
|
|
|
|
|
|