|
مقدمة في تجديد فهم أصول الدين (2) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
ذكرنا من قبل ان داعي التجديد الأكبر هو تغير عوائد الناس وتدرجهم مترقين طبقاً عن طبق ليوافوا معايير الخلق الأول. وللوصول لتلك المعايير الأولى سلكت العناية الإلهية بالبشر مسالك عديدة كانت ضرورية ليست لأصالتها وإنما لحكم الظروف التي وقف فيها حال البشر في كل زمان من الأزمنة، والدهر بيد الله وهو تقلب الأيام وسوقها سوقاً لتوافي متطلبات غايات العناية الإلهية والتي عبرت عنها مقاصد الدين وعلله الأولى في أم الكتاب. والمشروع الديني الكلي هو نزول لمطلقات من دائرة التجريد إلى دائرة التجسيد (من دائرة أم الكتاب إلى دائرة المحو والإثبات) وبذا يكون العمل الديني في مستوى أوامره ونواهيه محكوم بالزمان والمكان ومقيد بغايات العناية الإلهية. وهذا ينطبق على مجمل نزول الأديان من منظور كلي كما ينطبق على تطور الفهم عن الله تعالى في ترقي كل أهل دين في سعيهم لملاقاة أصلهم الذي صدروا عنه. ولكي يوافي الإسلام شروط الزمان والمكان وينجز مشروعه ليطابق معايير الخلق الأول ويقترب منها متخطياً للزمان والمكان نزل القرءان مثاني ثم ثبتت النصوص على مستويين قرءان وسنة جعلت النص الإسلامي مشدوداً بين الواقع والمثال، داخل الزمان وخارج الزمان. تاريخية بعض صور الخلاص الديني السنة النبوية بالغة الظرفية ولا يمكن فهم أحكامها إلا في الإطار الذي طبقت فيه. فهي تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لأحكام القرءان في ذلك الزمان الذي كانت تحكمه ظروف تخص تلك الفترة. وعندما تختلف الظروف وضرورات الوضع يمكننا تطبيق احكام القرءان بطريقة جديدة تتسق مع منهجية السنة وروحها في تطبيقها الأول وقد لا تتفق مع حرفيتها. ومدرج الأمر الإلهي بين الحكمة والأحكام، وبين القرءان والسنة وبين المحكم والمتشابه والثابت والمتحول والمطلق والنسبي يؤثر فيه عامل الزمان وتتحدد خياراتنا من الأحكام بحسب ظروفنا والضرورة. وهذا التدرج كما ذكرنا واضح في كليات التوراة والإنجيل. "أول الإشكالات التي طرحها تطاول الفترة التاريخية هو بلورة التصور للعنصر التاريخي او الزمني في الدين. فقد يتوهم بعض المتدينين أن الدين من حيث تعلقه بالله القديم الباقي لا يخضع في شيء لأحوال الزمن وأطواره ولا تتصور فيه مفارقة بين قديم وجديد مما نعالجه بالتجديد... والحق في تصور الدين انه توحيد بين ... الثابت المطلق والنسبي المتحول" (دكتور حسن الترابي – قضايا التجديد نحو منهج أصولي7). فخطاب الشرع ليس أوامر في الهواء وإنما هي أمر من إله حكيم أعلم بظروف الناس وهو أعلم بتغير احوالهم وهو أعلم بالغاية التي شرع لهم بها الدين والأحكام. وعلى هذا لا بد للحكمة الإلهية من أن تكون قد رتبت منهجية تدور بها الأحكام مع دوران الزمان. تلك المنهجية هي منهجية المثاني: مثاني المحكم والمتشابه ومثاني الحكمة والكتاب ومثاني المكي والمدني ومثاني القرءان والسنة. مثاني العقيدة والشريعة والتي منها نفهم مثاني الأصول والفروع التي تحدث عنها الأستاذ محمود محمد طه كثيراً. وعلى اساس هذه الثنائية يمكننا تعدية الأحكام وتصريفها في واقعنا الجديد. ما ندعو له يمكن تسميته بالإجتهاد الكلي وليس الجزئي. هو اجتهاد في ترتيب مناهج أصولية جديدة. هو اجتهاد في فهم الكليات. كليات المكي والمدني. كليات القرءان والسنة. وكليات شرع من قبلنا وشرعنا.
مكتبة شوقى بدرى(shawgi badri)
|
|
|
|
|
|