|
نظرة حداثية في أنطلوجيا الخلق والإنسان (2) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
السؤال الكبير الذي يسأله الناس هو لماذا خلق الله تعالى الكون؟ وكيف خلقه من العدم. هل هو في حاجة لهذا الخلق؟ (تعالى الله عن ذلك) فإن لم يكن في حاجة فهل خلقه من غير هدف؟ قطعاً لم نخلق عبثاً وحقاً لم نخلق من غير شيء. نحن البشر "نخلق" أي نبدع من اجل إشباع رغبات طبيعية لدينا، إما لحاجة نفسية ذهنية قلبية تظهر في الفنون والآداب أو لحاجة جسدية مادية حياتية تظهر في العلوم والتقانة وتسخير عالم المادة. الخلق والإبداع لدى البشر حالة طبيعية وجودية. انها حالة وجودهم. وهي حالة تقع بوقوع الشعور الكاسح والإنفعال القوي الذي لا يقاوم بالرغبة في التعبير عما تجيش به الذات. وهو حالة مثل الولادة، عندما يحين وقتها لا بد من خروج الجنين وبأي وسيلة. الخلق والإبداع هما من اسمائه الوجودية وصفاته المقدسة الأساسية سبحانه وتعالى. الخلق والإبداع هو الإمتداد الطبيعي للوجود العاقل. إنه الشعور والفعل وممارسة الشعور وتجسيده. انه امتداد في الزمان والمكان. إنه امتداد من عالم بلا مكان ولا زمان إلى عالم يحده الزمان والمكان. امتداد من عالم العماء إلى عالم النور وحيث يوجد الزمان والمكان وتوجد مقاومة. والمقاومة هي ردة فعل الوجود التي تؤكده وتولد الإحساس بوجود المبدع المخترع. مسألة فهم الدافع وراء الخلق هو الذي ولد إشكالية قدم العالم وإشكالية عدم جواز وقوع الحوادث على القديم. وهو أحد المسائل التي كفر بها الغزالي الفلاسفة ضمن إثنين أخر. من الواضح ان هنالك علاقة بين القدم والحداثة. هذه العلاقة لا تستوجب نقصاً في صفته القديم - فالقدم مفهوم كلي يحتوي مفهوم الحوادث الجزئية. ومن عجائب مشاكل الفلسفة القديمة هو قولها بقدم العالم والذي أثبت العلم الحديث بأنه محدث وليس قديم. فهل الفترة الزمنية البالغة القدم "15 بليون سنة" هو ما قصده القدماء بقدم العالم؟ ان الماوراء المطلق، الذي هو التجلي الروحي للاله الخالق المبدع، وضع تصور لمخلوق على الصورة تتوحد فيه الروح والمادة ويتوحد فيه الغيب والشهادة. اختلف أهل العلم الديني فيما كان الإنسان على صورة الله أم على صورة آدم بحسب فهم الحديث الشهير. لكننا نتفق جميعاً بأن الإنسان مخلوق على أحسن صورة. وفي الكتاب المقدس يكون النص واضحاً في قوله بأن الله قد خلق آدم على صورته، هكذا يقول الكتاب المقدس في سفر التكوين. انطلق ذلك الروح العظيم المتجلي يعمل في المادة ويتجلى فيها موجهاً لها في اتجاه تجسيد نموذج الإنسان الذي هو على الصورة الاولى. "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)" الأعراف. فالآية واضحة في قولها بأننا قد خلقنا أولاً وجوداً خام ثم أخذنا الصورة. ما هي كيفية وجود الصورة خارج الزمان والمكان؟ وما علاقة هذه الصورة بالنفخ في الصور؟ ما هي العلاقة بين صور القيامة وتلك الصورة الأولى؟ أو ليس الخلق الأول هو كذلك عملية نفخ؟ أو لم يشر القرءان إلى أن السيرورة الوجودية للنوع الإنساني هي عملية إعادة خلق؟ خلقت الأكوان مطية للإنسان وخلق الإنسان مطية للرحمن. وعليه بظهور الإنسان يكون الروح المطلق "التجلي" قد حقق هدفه من المسرة والاكتفاء عندما رأى الصورة التي لديه مجسدة في الإنسان. "هكذا تحدث هيجل بما هو قريب من هذا القول مؤسساً للمثالية الحديثة والذي عنده تتطابق الفكرة مع الروح المطلق". ولكن هذا الإنسان لم يعكس بعد كل صفات الصورة لدى الروح المطلق، فلقد هبط الإنسان من أحسن تقويم إلى أسفل سافلين. وعليه فالإكتفاء والمسرة لم يكتملا بعد في هذا الوجود بسبب انفصال الإنسان ونكوصه عن مواصلة مشوار المشروع وتكميل الصورة طبق الأصل (هبوط آدم وحواء). لذلك فقد ظل الروح المطلق يعمل من اجل اعادة خلق الإنسان مرة اخرى لكي يكتمل التجلي في الروح والدم في الإنسان الحقيقي الكامل الذي هو "المسيح أو المهدي" او آدم الجديد أو الإنسان الكامل في المصطلح الديني والذي سماه إبن عربي المرآة الإلهية. هذا الروح المطلق الذي نتحدث عنه هو شبكة الوعي والوجود الباطني العاقل التي تلف كل الكون وتتخلله وتنظم أموره وتسيرها والتي يسبح فيها كل الوجود، وهنا يكمن معنى الإحاطة الإلهية بكل الوجود. إنه عالم اللوح المحفوظ وأم الكتاب. والله أعلم. عليه يكون من واجبات الإنسان الإهتمام بواجباته المقدسة التي كلفته بها السماء بالنزول على رغباتها والتسليم لها بعد الإعتراف بوجودها بعد جحود طويل أسست لها الحداثة الأوروبية. هذا الجحود هو الذي خلق حالة العطش الروحي الذي يعاني منه وعي الحداثة في الدول المتقدمة. فبالرغم من كل الرفاهية المادية التي يعيشها الإنسان هناك إلا أن أعلى معدلات الإنتحار في العالم هي كذلك موجوده هناك وكل ما نخشاه هو أن ينتقل ذلك الوضع إلينا عبر المشروع الحداثي الغربي. وهو الأمر الذي دفعنا لإقامة هذا المشروع الفكري الروحي الحداثي التجديدي لتطعيم الشباب ضد أدواء الحداثة ذات العلمانية النقية. علمانية ما بعد الحداثة يجب أن تكون مثل السبيكة خليط من الدنيوية والدينية بالأخذ بمادية العلوم وروحانية الدين، ونحن هنا نفصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال كما فصل وجمع بينهما من قبل إبن رشد فيلسوف الإسلام الفذ. فالحكمة هي التي ولدت العلوم وفنونها الكبرى بينما الشريعة هي التي ولدت الروح الإسلامي العظيم.
مكتبة صلاح شعيب(صلاح شعيب)
|
|
|
|
|
|